السندات الخضراء في الشرق الأوسط: دول تقفز نحو المستقبل وأخرى غائبة عن المشهد
السعودية والإمارات يدخلان من الباب الكبير بإصدارات قيمتها 15.4 مليار دولار

المملكة طلبت 5.5 مليار فتلقت طلبات اكتتاب بقيمة 33 مليار دولار.
طرح سندات خضراء لأول مرة في التاريخ مدتها 100 عام.
يحظى ملف الحياد الكربوني باهتمام قادة الدول منذ سنوات وهو ما يمنحه الأهمية القصوى التي يتوجب على كل المؤسسات المالية والنفطية والرقابية سواء البنوك المركزي او هيأت أسواق المال أن تعمل باقصى درجات الجدية وتمضي بخطى سريعة وتصدر تقارير سنوية عن الإنجازات التي تحققت في هذا الملف خصوصا وأنه يحمل في طياته كثير من المخاطر والتحديات لا سيما على الدول المنتجة للنفط فهناك مستقبل أكثر تعقيدا للشأن الاقتصادي سواء في ملف المناخ او الذكاء الاصطناعي والرقمنة وهي كلها ملفات متداخلة تزيد المشهد تعقيدا.
في هذا الصدد زادت إصدارات السندات الخضراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكثر من الضعف لتصل إلى 15.5 مليار دولار عام 2023 ، لتقودها الإمارات والسعودية وفق مؤسسة التمويل الدولية الذراع الاستثمارية للبنك الدولي فهذا الواقع الجديد الذي يفرض نفسه بقوة يفرز في مسارة بين دول تقفز بقوة نحو مواكبة المستقبل وأخرى لا تعلم شيئا حتى الآن عن المخاطر التي تنتظرها جراء هذا التأخر والتراجع والتقاعس وستجد نفسها بشكل مفاجئ وسط تحديات جسيمة لفقدانها الإستعداد الجيد والتحضيرات المناسبة تشريعيا او حتى على مستوى تهيئة البنية التشريعية والرقابية .
وذكرت المؤسسة في تقرير مشترك لها مع شركة أموندي لإدارة الأصول بعنوان السندات الخضراء في الأسواق الناشئة أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت ثاني أكبر مصدر للسندات الخضراء الأولية في الأسواق الناشئة خارج الصين في العام الماضي.
إصدارات الإمارات
وفي منطقة الخليج تقدمت الإمارات العربية المتحدة الواجهة في ريادة الإصدارات إذ ضاعفتها إلى 8.7 مليار دولار في حين تلتها السعودية إلى 6.7 مليار دولار ليدخلان بذلك من الباب الكبير مبكرا.
وزاد المقترضون في جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا من إصدار السندات الخضراء العام الماضي بنسبة 125%، وإن كان ذلك من مستويات منخفضة إلى 1.4 مليار دولار من 600 مليون دولار عام 2022. إلا أنها مؤشر جيد على ولوج تلك المناطق في مسار عالمي بدا يأخذ النهج الإجباري تدريجيا.
وتبرز جنوب إفريقيا كأكثر المصادر أهمية بالمنطقة إذ نجحت في بيع سندات خضراء قيمتها 900 مليون دولار على مدار العام أي بزيادة 58% عن العام السابق.
وبوجه عام، قد زاد إصدار السندات الخضراء في الأسواق الناشئة بنسبة 34% على أساس سنوي إلى 135 مليار دولار عام 2023، وتجاوزت الفئة الأوسع من السندات العالمية الخضراء والاجتماعية والمستدامة والمرتبطة بالاستدامة (GSSS) تريليون دولار في العام الماضي، أعلى مستوى على الإطلاق جرى تسجيله خلال 2021.
ويتوقع التقرير استمرار النمو في إصدار السندات المستدامة في الأسواق الناشئة حتى عام 2025 مع نمو نسبته 7.1% على أساس سنوي لسندات نظام GSSS ونمو بنسبة 7.5% للسندات الخضراء.
وتعتمد التوقعات الإيجابية على خلفية عالمية مستقرة نسبيًا لانخفاض التضخم دون تصعيد كبير في التوترات الجيوسياسية.
الأسواق الناشئة
وزادت إصدارات الأسواق الناشئة من السندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة والمرتبطة بالاستدامة (GSSS) %45 عام 2023 لتصل إلى 209 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وفي شأن الأسواق الناشئة خارج الصين كان النمو أسرع، إذ بلغ 65% ليصل إلى 111 مليار دولار على مدار العام.
وفي الصين ارتفع إصدار السندات الخضراء 28% إلى نحو 98 مليار دولار خلال العام الماضي.
وتوقع التقرير استمرار نمو الإصدارات في الأسواق الناشئة بنحو 7.1% سنويًا حتى 2025 ما يعني أن حجم الإصدارات سيصل إلى نحو 240 مليار دولار.
في سياق التحرك الفعال من كبرى الدول المصدرة والمنتجة للطاقة كالمملكة العربية السعودية فقد نجح صندوق الاستثمارات العامة السعودي من جمع 5.5 مليار دولار من خلال عملية البيع الثاني لسندات خضراء بهدف تمويل مشاريعه الخضراء.
تغطية أكثر من 6 أضعاف
وللثقة في رؤية المملكة العربية السعودية فقد تجاوز المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب 33 مليار دولار، كما تجاوزت نسبة التغطية أكثر من 6 أضعاف إجمالي الإصدار مقسمة على ثلاث شرائح، بحسب الصندوق السيادي السعودي.
وجاءت الشريحة الأولى بقيمة 1.75مليار دولار مدتها 7 سنوات، والثانية بقيمة ملياري دولار لسندات مدتها 12 سنة، في حين جاءت الثالثة بقيمة 1.75 مليار دولار، لسندات مدتها 30 سنة.
وذكر الصندوق السعودي أن الإصدار “شهد إقبالًا من المؤسسات الاستثمارية الدولية، بما فيها الآسيوية”، معلنا أنه يعتزم استخدام محصلات الإصدار لتمويل المشاريع الخضراء المؤهلة في قطاعات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والإدارة المستدامة للموارد المائية، ومكافحة التلوث، والمباني الخضراء ووسائل النقل النظيف.
وكان أصدر صندوق الاستثمارات العامة، العام الماضي أول سندات خضراء، بهدف تعزز موارد التمويل، مستفيدا من التصنيف القوي والثقة التي تحظى بها المملكة واقتناصا لفرصة الاستفادة من أسواق الدين حول العالم فضلًا عن تعزيز الاستثمارات في المشاريع الخضراء”.
الحد من الاعتماد على النفط
يمثل صندوق الاستثمارات العامة الجهاز الرئيسي لتعزيز الاستثمارات السعودية في الداخل والخارج، ويعتبر أداة فاعلة لقيادة أجندة اقتصادية تهدف إلى الحد من الاعتماد على النفط وتكريس القوة الاقتصادية للمملكة.
وكان نجح صندوق الثروة في جمع عشرات المليارات، بما في ذلك قرض بقيمة 17 مليار دولار، لتمويل برنامج استثماري ضخم يهدف لخلق صناعات ووظائف جديدة، بما في ذلك بناء مدينة مستقبلية مخطط لها في الصحراء تعرف باسم نيوم.
وجمع صندوق الاستثمارات العامة، الذي يدير أصولًا تزيد قيمتها على 600 مليار دولار، 3 مليارات دولار من خلال بيع سنداته الخضراء لأول مرة، وكان يتكون هذا البيع من شرائح مدتها 5 و10 سنوات و100 عام، وهو أول سند أخضر لتلك المدة.
ويتوقع صندوق الاستثمارات العامة استثمار أكثر من 10 مليارات دولار بحلول عام 2026 في مشاريع خضراء، بما في ذلك الطاقة المتجددة والنقل النظيف والإدارة المستدامة للمياه، بحسب وكالة رويترز.
هشاشة التشريعات وتأخر المبادرات
“التمويل الأخضر لشرق أوسط خالٍ من الانبعاثات” عنوان مكرر منذ سنوات لكن قلة من الدول تعي ما يحمله من مخاطر وتحديات وأخرى يمر عليها مرور الكرام دون فهم لعمق المخاطر والتحديات التي بعضها سيكون قاسيا على بعض الدول خصوصا احادية الدخل او التي تحتاج إلى اصلاحات كثيرة وبنيتها التشريعية الاقتصادية هشة واقتصاداتها ضعيفة كونها غير منتجة.
الجهات الرقابية والتشريعية يعتقد أنها أكثر دراية وإطلاعا من غيرها وبالتالي عليها أن تأخذ مبكرا زمام المبادرة وتبدأ مرحلة التحول الفعلي والملموس من بوابة اللوائح التنظيمية والتشريعية حيث أن كل التقارير الدولية تؤشر إلى أن “اللوائح التنظيمية في معظم دول الشرق الأوسط ليس قوية بما يكفي لإجبار البنوك على اتخاذ إجراءات فورية بشأن دعم قضايا المناخ”.
أوضحت تقارير متخصصة من كبرى بيوت الاستشارات الرائدة في ملف المناخ والحياد الكربوني في تقرير لها، أن البنوك الأكبر في البلدان المصدرة للوقود الأحفوري “عادةً ما تكون أكثر احتكاكًا وتعرضًا لصناعة النفط والغاز والقطاعات الاقتصادية الأخرى ذات الانبعاثات العالية مثل النقل والبناء والبنية التحتية والشحن”باعتبارها قطاعات تشغيلية مدرة لكنها في المستقبل ستحيطها مخاطر وسيكون بشأن تمويلها ضوابط صارمة.
وتشدد التقارير على أن هناك حاجة لرأس مال صبور وعالي المخاطر للاستثمار في القطاعات التي تعتمد في مساراتها لإزالة الكربون على التقنيات التي لا تزال في المراحل الأولى من التطوير، مثل الحديد والصلب والنقل البري الثقيل والشحن.
في هذا الإتجاه تقول المدير المفوّض والشريك في بوسطن كونسلتينغ، شيلي ترينش، إن القطاع المصرفي في الشرق الأوسط يتمتع بفرصة الاستفادة بشكل كبير من تمويل مسار تحول صناعة النفط والغاز وغيرها من القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية إلى اعتماد تقنيات أنظف وأكثر استدامة.
وأضافت ترينش، “يمكن للجهات التنظيمية وواضعي السياسات مواجهة هذا التحدي من خلال تحديد أسعار الكربون التي تمثل بشكل مناسب تكلفة الغازات الدفيئة، وخلق حوافز مالية وحوافز أخرى لدعم جهود إزالة الكربون”.
وقدّم تقرير بوسطن كونسلتينغ عدة توصيات لبنوك وصناديق التنمية في المنطقة لدعم الاستثمارات الخضراء بما في ذلك، توفير التمويل للمشاريع الخضراء غير القابلة للتمويل من جانب البنوك مع عائدات معدلة أقل مخاطر أو مخاطر استثمارية أعلى، وتعزيز استثمارات رأس المال الخاص في المشاريع الخضراء من خلال تحسين عوائدها المعدلة حسب المخاطر باستخدام الأدوات المختلفة لتخفيف المخاطر.
كما طالب التقرير بتسخير الخبرات لتقديم الدعم والمشورة لواضعي السياسات والهيئات التنظيمية فيما يتعلق بالإصلاحات اللازمة لتوسيع نطاق تمويل مشاريع التصدي للتغير المناخي.