مكنوا المبدعين

بقلم – مهندس نواف خالد
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة من التحول الاستراتيجي في مسار الدولة الاقتصادي، وفي مرحلة غير مسبوقة من التحولات التكنولوجية التي يشهدها العالم، وانتقل فيها الاقتصاد العالمي من مرحلة التجارة التقليدية للبضائع، وتخطى مفهوم بيع النفط وإنتاج الملابس وتصنيع إطارات السيارات إلى عالم ذكي رقمي معقد تقنيا، متداخل، سريع التغير، حتى وصلنا إلى مراحل الذهول الفعلي، فمن بوابة الذكاء الاصطناعي ومرورا بالروبوتات التي تجري جراحات دقيقة للجسم البشري حتى من خارج القارة الواحدة، ووصولا لزراعة شرائح في المخ البشري وغيرها الكثير.
إننا أمام مشهد معقد جدا أحوج ما نحتاج فيه أن تواكب الكويت هذا التحول حتى لا نجد أنفسنا فجأة منعزلين وخارج النظام الاقتصادي العالمي ونحاول اللحاق دون فائدة.
مرحلة التحول تستدعي أن نمكن المبدعين من أبناء وطني الكويت وما أكثرهم، المسلحين بالعلم والمعرفة، والمجتهدين وأصحاب التخصصات الدقيقة والنادرة.
من المذهل والمستغرب، بل والأمر الذي يدعوا للفخر في ذات الوقت، أن نجد كفاءات كويتية تتقلد مناصب رفيعة في مجالات الطب في عواصم أوروبية لكن عندما يأتون لديرتهم يصطدمون بالتصنيف الوظيفي لهم والمخصصات المالية المحددة لهم فهم يتقاضون في الخارج 10 أضعاف ما قد يتوفر لهم في بلدهم التي ترعرعوا فيها تعليميا وأرسلتهم بعثات للخارج، أليست الكويت أولى أن تجني ثمار استثمارها في العنصر البشري؟
مواكبة التحولات العالمية تحتاج استعدادات وبنية تحتية وعقول متطورة وكفاءات شابة وطنية تعي لغة العصر قادرة على تحمل مسؤوليات جسيمة في مرحلة التحول التي لا نزال نقف على أعتابها.
مرحلة تمكين الشتامين والمتحلطمين ” والمنتقدين لكل شيء بالديرة كي يصل صوته ” أنا هنا “، حتى يجد نفسه في سدة منصب، وهذه القاعدة وهذا المبدأ ساد كثيرا ونجح مع البعض وتحول إلى تقليد، وكم مر علينا مسئولين وحتى وزراء بعد المنصب مباشرة “مسحوا” تغريدات سابقة لهم وأزالوها وعطلوا حساباتهم وما هذا التصرف إلا لأنه يعلم علم اليقين أن هذه الانتقادات التي كان يسطرها في الماضي كانت عنتريات من باب لفت وإثارة الانتباه.
المبدعين لا يعرفون هذه اللغة، فقط يعرفون طريق الإنجاز والعمل والإبداع، المبدعون لا يثرثرون لأنهم ببساطة ليس لديهم وقت لإضاعته، هؤلاء هم من تنطبق عليهم مقولة الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
عندما نتوقف ونفكر، ليس فقط في عالم الاقتصاد البعيد في الدول المتقدمة، بل حتى في الدول القريبة منا على الأقل، سندرك بما لا يدع مجالا للشك أننا في حاجة كبيرة لاستثمارات ضخمة في قطاعات ومجالات عديدة ونحتاج سرعة مضاعفة كي نعوض ما فات.
هذه المرحلة مرحلة بناء الدولة الحديثة، هذا العنوان يجب أن يكون نصب أعين كل مسؤول وقيادي في موقعه.
ولنبدأ في تصحيح لغة التعامل مع المواطنين في تسكينهم في وظائفهم، فلم يعد مقبولا في عام 2024 أن من يحمل شهاد هندسة بترول يعمل في الشؤون ومن يحمل كمياء يعمل في العدل، نريد إصلاح هذا النظام الذي يعتبر من أبرز أسباب الخلل.
نحتاج لربط مخرجات التعليم بحاجة البلد فلنوقف التخصصات غير المطلوبة ونبدأ في بناء جيل يغطي احتياجات الدولة وفق خطتها وقطاعات التطور المستهدفة ونبدأ من الأن.
لا بد من وضع برامج يلتزم فيها الجميع سواء استمر الوزير أم لم يستمر، الخطة تنفذها الإدارات التنفيذية والوزير يبقى منصبا سياسيا ومشرفا عاما لا تهتز أو تتغير أي خطة بخروج هذا أو قدوم ذاك، هذا هو النهج الاحترافي الذي تتعامل به الدول.
الأهم من هذا أن تعلو لغة المحاسبة ولو بشكل ربع سنوي كما هو حال شركات القطاع الخاص تعلن عن أرباحها الفصلية كل ثلاثة أشهر، فعندما تكون هناك محاسبة بهذه الألية لن نجد متقاعس كما سيتم كشف الخلل مبكرا.
متفائلين بمستقبل الكويت وعزيمة قيادتها ورغبة حكوماتها بالتغيير فلنتكاتف للعبور نحو أفاق اقتصادية جديدة تنهي كل الأزمات والتراكمات، لا مستحيل ولا يأس، تحيا الكويت وعاش الأمير وولي عهده الأمين.