مقالات

مراحل غسل الأموال

انتهينا في المقال السابق من تعريف غسل الأموال من الناحية الاقتصادية والقانونية واليوم على موعد مع مراحل غسل الأموال.

وسوف نعالج فيه العناصر الآتية: –

  1. مصادر غسل الأموال.
  2. مراحل غسل الأموال.
  3. أساليب غسل الأموال.
  4. أضرار ومخاطر غسل الأموال.

تفصيل ذلك وتأصيله: –

أولاً: مصادر غسل الأموال: –

بداية لا يمكن حصر الجرائم التي تُعد مصدراً للأموال الملوثة كون عوائدها تحتاج للتبيض، لذا ما سأذكره هنا سيكون على سبيل المثال لا الحصر من تلك الأنشطة الإجرامية التي تُعد مصدراً للأموال القذرة، خصوصاً في ظل التوجه السائد الذي أخذت به غالبية الدول في تشريعاتها الخاصة بتجريم غسل الأموال، وهو عدم النص على جرائم معينة بذاتها كمصدر لتلك الأموال، لكي تستوعب نصوصها القانونية ما يُستجد مستقبلاً من أنشطة إجرامية يترتب على إتيانها أن يظفر الجاني بمتحصلات من أي جريمة يتحصل بسببها المجرم على فائدة مادية ومعنوية.

ولمساعدة الدول في وضع منهج قانوني يشمل – كحد أدنى – تجريم عدد محدد من الجرائم الخطيرة قامت مجموعة العمل المالي الدولية (غافي) –Financial Action Task Force (FATF)، برصد عدد الجرائم الخطيرة وضمنتها في توصية من توصياتها الأربعين الصادرة في عام 1990م  لتسترشد الدول بها عند سن قوانين خاصة بتجريم غسل الأموال، وهذه الجرائم المحددة – كما أوردتها التوصية الأولى من التوصيات الأربعين وهي:

المشاركة في جماعات الجريمة المنظمة والابتزاز، والإرهاب وتمويله، تهريب الأشخاص والمهاجرين، تجارة الجنس وتتضمن تجارة الجنس في الأطفال، والتجارة غير المشروعة في العقاقير والمواد المخدرة، التجارة غير المشروعة في الأسلحة، التجارة غير المشروعة في البضائع المسروقة وغيرها، الرشوة والفساد والغش، تزوير العملات، الاختطاف والاحتجاز غير المشروع للرهائن، السرقة والسطو المسلح، التلاعب بالأسواق المالية واستغلالها.

ثانياً: مراحل غسل الأموال: –

تمر دورة غسل الأموال غالباً بثلاث مراحل وفقاً لما خلص إليه خبراء المنظمات الدولية ذات الاهتمام بوضع معايير وتدابير لمكافحة غسل الأموال ومنها مجموعة العمل المالي الدولية.

ويلجأ غاسلوا الأموال إلى استخدام أسلوب للغسل في كل مرحلة يختلف عن المرحلة الأخرى، وبانتهاء المرحلة الأخيرة يكون المال غير المشروع قد فصل تماماً عن مصدره المشبوه. تلك المراحل قد تحصل بشكل مستقل بعضها عن بعض، كما قد تقع تلك المراحل في وقت واحد، لكن ببلوغ المرحلة الثالثة تكون الأموال القذرة قد تم إخفاء مصدرها غير المشروع تماماً ومن ثم تبدو كما لو كانت قانونية.

وفيما يلي مراحل غسل الأموال: –

1ــ مرحلة لإيداع Placement Stage.

وتسمى أيضاً بمرحلة التوظيف أو الإحلال، وهي من المراحل الأساسية والصعبة بالنسبة لغاسل الأموال بسبب إمكانية افتضاح أمر الأموال غير المشروعة، لذا تلقى هذه المرحلة اهتمام السلطات المنوط بها بمكافحة جرائم غسل الأموال، إدراكاً منها لصعوبة الكشف عن الأموال غير المشروعة إذا ما تجاوزت الأموال الملوثة هذه المرحلة إلى المرحلة التي تليها، لذا يعمل غاسلوا الأموال في هذه المرحلة على التخلص المادي من كمية الأموال النقدية غير المشروعة لفصل تلك الأموال غير المشروعة عن مصدرها الأصلي، وقد يكون ذلك بأسلوب واحد أو بعدة أساليب عن طريق استغلال المؤسسات المالية في ذلك على سبيل المثال:-

(أ) إيداع الأموال القذرة في حساب بنكي.

(ب) أو تجزئة المبالغ النقدية الكبيرة إلى مبالغ أصغر حجماً أو العكس.

ويتم إيداعها في فروع لتلك المؤسسات المالية، أو مؤسسات مالية مختلفة وفي فترات زمنية متفاوتة.

(ج) أو شراء منتج من منتجات التأمين.

(د) أو إنشاء الشركات الوهمية، أو شراء معادن ثمينة أو عقارات ومن ثم بيعها والاستبدال بالنقد أداة من الأدوات المالية القابلة للدفع، مثل الشيكات السياحية، أو تهريب تلك الأموال القذرة إلى بلد أخر ومن ثم إعادة تحويلها إلى بلد منشأ تلك الأموال، ولكن بصورة قانونية.

2ــ مرحلة التمويه Lagering.

وتسمى كذلك مرحلة التغطية أو الإخفاء: إذ يقوم الغاسل – مثلاً – بالعديد من العمليات المصرفية المتتابعة والمعقدة لأجل إخفاء المصدر غير المشروع للأموال والمباعدة بين تلك الأموال غير المشروعة ومنشئها الإجرامي لإضفاء صفة مشروعية المصدر على تلك الأموال بعد تمويه أو إخفاء حقيقة مصدرها الأصلي مثل:

  • إجراء العديد من عمليات التحويل بين الحسابات في البنوك أو المؤسسات المالية غير المصرفية.
  • أو تحويل تلك الأموال إلى بنوك خارجية Offshore Banks لا تخضع عادة لأنظمة رقابية باستخدام مثلاً التحويل الالكتروني Electronic Funds transfer لغرض شراكة مع شركات أجنبية.

3ــ مرحلة الدمج Integration Stage.

وتعرف كذلك بمرحلة الخلط نسبة إلى أنه يتم فيها خلط الأموال غير المشروعة مع الدخل أو الاقتصاد النظامي أي اقتصاد الدولة، وتُعد هذه المرحلة غاية غاسلي الأموال، لأنها الملاذ الأمن للأموال غير المشروعة، فبمجرد أن يصلوا إليها يمكنهم إعطاء أو تقديم مسوغ قانوني لمصدر تلك الأموال، كما أنه ببلوغ الأموال لهذه المرحلة يصبح بالإمكان إعادة تدويرها إما في مشاريع اقتصادية قانونية مثل شراء العقارات والسلع الفخمة وإما في مشاريع إجرامية أخرى. ومرحلة الخلط هذه تُعد من أصعب المراحل بالنسبة لسلطات المكافحة، لأنه يصعب عليها – دون وجود أدلة أو مؤشرات قانونية ومالية – الفصل بين الأموال المشروعة وغير المشروعة في ظل ثورة التقنية وما صاحبها من تعقيد وتشفير وسرعة في إجراء العمليات المالية الالكترونية بصفة خاصة.

ثالثاً: أساليب غسل الأموال: –

تختلف الأساليب المستخدمة في غسل الأموال بحسب طبيعة المبلغ المراد غسله وحجمه من حيث الزمان والمكان، وكذلك بحسب وجود أنظمة المكافحة وفعاليتها: سواء التشريعية أو الأمنية أو الرقابية التي تختلف من بلد إلى أخر، فبجانب النقل المادي للأموال والمعادن الثمينة عبر الحدود واستخدام القطاع التجاري، تُعد المؤسسات المالية الأكثر شيوعاً للاستغلال في عمليات لغسل الأموال. وبناء على ذلك يمكن تقسيم أساليب الأموال إلى مجوعتين:

أولاً: المجموعة التقليدية: –

هي عدد من الأساليب التي درج غاسلوا الأموال على استخدامها لتبيض الأموال القذرة، ويمكن تصنيف هذه الأساليب وفقاً للقطاعات التالية.

(1) أساليب القطاع المالي المصرفي:

وذلك يتم عن طريق استخدام بطاقات الدفع والائتمان، والقروض، وقبول الودائع، فتح الحسابات، تحويل الأموال، الضمانات والاعتمادات المستندية.

(2) أساليب القطاع المالي غير المصرفي: –

وهي تشمل نشاط الصرافة، أعمال الوساطة بالأوراق المالية، التأمين.

(3) أساليب القطاع التجاري:

وهي تتم عن طريق استخدام الشركات الوهمية، عقود التوريد، بيع وشراء السيارات، تجارة الذهب والمعادن الثمينة، مكاتب السفر والسياحة، الفنادق، شراء وبيع العقارات، تجارة الحيوان، تجارة الآثار والتحف، المزادات، تجارة السلع الرخيصة، التستر التجاري، أعمال الوساطة التجارية، المطاعم والفنادق، صالات القمار…. الخ.

ثانياً: المجموعة الحديثة: –

وتعرف كذلك بالأساليب الالكترونية أو الذكية وقد ساعدت ثورة التقنية والاتصالات في تطورها بشكل ملحوظ وتم اللجوء لاستخدامها مقارنة بالوسائل التقليدية في غسل الأموال، بسبب إلمام أجهزة المكافحة ومعرفتها بغالبية الطرق التقليدية لتبيض الأموال، وهذا – بلا شك – أجبر المجرمين على السعي والبحث عن وسائل حديثة وغير معروفة لسلطات المكافحة مثل البنوك الالكترونية.. إلخ. فثورة بنوك الانترنت مثلاً وخصوصاً الافتراضي منها تبرز مشكلات قانونية ومالية في ظل الجهود المبذولة لحماية النظام المالي لعدة أسباب منها: صعوبة تمييز الأموال القانونية من القذرة، ومن ثم تتبعها لعدم تركها لأي أثر مستندي ملموس، والإغراءات اللامحدودة التي تقدمها بنوك خارجية OFF shore Bank لعملائها وتتمثل في الاستثناءات من الخضوع لأي رقابة وإجراءات للكشف عن العمليات المشبوهة، ووجود مؤسسات مالية غير مصرفية وغير مرخصة على الانترنت تقدم خدمات لعملائها بنفس القدر الذي تقوم به المؤسسات المصرفية الرسمية، وزيادة الاعتماد على النقد الالكتروني مقاربة بالنقد التقليدي، وتوفير السرية التامة للعملاء، وأخيراً تنازع الاختصاص القضائي مما ينبئ بمواجهة مع القوانين المحلية، ويستلزم تدخل السلطات الوطنية المختصة لتنظيم عمل المؤسسات المالية التي تقدم خدمات الكترونية للحد من استغلالها في عمليات لتبيض الأموال إلكترونياًالأمر الذي يدعونا إلى الحاجة إلى نص خاص يضبط هذه العلميات بما يتناسب ووسائل الاتصال التقني السريعة في ظل التوجه الدولي لعولمة الاقتصاد، وما يترتب على ذلك من انحسار للحدود الجغرافية بين الدول.

وفي المقال القادم سنتحدث عن أضرار ومخاطر غسل الأموال على كل الأصعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى