تقرير البنك الوطني عن أسعار النفط

الوكالة الدولية للطاقة: الوقود الأحفوري لا يزال من العناصر الجوهرية حالياً
ارتفاع أسعار النفط في يونيو على الرغم من احتمال زيادة إمدادات الأوبك وحلفائها
960 ألف برميل نمو متوقع للطلب خلال العام الحالي
ذروة الاستهلاك النفطي بحلول 2029 وستصل 105.6 مليون برميل
انتشار تكنولوجيا الطاقة النظيفة ستضغط على نمو الطلب على النفط
قال تقرير البنك الوطني حول أسواق الطاقة أن أسعار النفط أنهت تداولات شهر يونيو على ارتفاع، بدعم من عودة التوترات الجيوسياسية على الساحة واحتمال قيام البنوك المركزية الرئيسية بخفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام الحالي. وتمكن خام برنت من تعويض كافة خسائره بعد اجتماع منظمة الأوبك وحلفائها والذي انتهى بإعلان مجموعة منتجي النفط إلغاء تخفيضات الإمدادات الطوعية لعام 2024 ابتداءً من الربع الرابع من العام الحالي. ومن جهة أخرى، خفّضت وكالة الطاقة الدولية تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2024 إلى مليون برميل يومياً، ما يعد أدنى من الاتجاهات المعتادة، على خلفية ضعف الاقتصاد العالمي وزيادة انتشار تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
أنهت العقود الآجلة لخام برنت تداولات شهر يونيو على ارتفاع، مسجلة مكاسب بنسبة 5.9% على أساس شهري لتصل إلى 86.4 دولار للبرميل (+12.1% منذ بداية العام)، ما يعد من أعلى المستويات المسجلة في شهرين (الرسم البياني 1). وتعافت الأسعار من انخفاضاتها الحادة بعد اجتماع منظمة الأوبك وحلفائها في بداية شهر يونيو، والذي رفع من مخاوف السوق حول أثر قرار المجموعة بإلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية لعام 2024 بدءاً من أكتوبر 2024 وحتى عام 2025 وما لذلك من تبعات ستزيد من إمدادات السوق، مما قد يؤدي لوجود فائض كبير. إلا أنه بنهاية يونيو، عادت المخاطر الجيوسياسية لتظهر مجدداً في ظل اشتعال التوترات بين إسرائيل ولبنان، بينما واصل الحوثيون في اليمن هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر. وأنهى خام التصدير الكويتي تداولات شهر يونيو مرتفعاً بنسبة 4.8% على أساس شهري، وصولاً إلى 87.9 دولار للبرميل (+10.5% منذ بداية العام).
وفي أسواق العقود الآجلة، كان رد فعل المضاربين ومديري الاستثمارات السلبي تجاه قرار منظمة الأوبك بتقليص وتيرة خفض الإمدادات لافتاً للنظر. وكما في 4 يونيو، انخفض صافي مراكز المضاربة على خام برنت (الفروق بين عقود الشراء والبيع على المكشوف) إلى 45.7 ألف عقد، ما يعد أدنى المستويات المسجلة منذ أكثر من عشرة أعوام حتى خلال فترة الانخفاض الشديد المصاحب للجائحة في مارس 2020 (الرسم البياني 2). ويعزى ذلك بصفة رئيسية لتزايد مراكز البيع على المكشوف في ظل إقبال المضاربين على التداول بناءً على الاعتقاد بأن زيادة إنتاج المنظمة من شأنه أن يرفع الإمدادات ويضغط سلباً على الأسعار. إلا أنه مع مرور شهر يونيو، انعكس هذا النمط، وشهدنا زيادة صافي المراكز الطويلة مرة أخرى.
ووفقاً لتقارير الطاقة الصادرة عن عدد من الجهات الكبرى مثل وكالة الطاقة الدولية ومنظمة الأوبك، ما زالت توقعات نمو الطلب على النفط في المدى القصير تتسم بالتباين الشديد. فعلى صعيد الطرف الأكثر تحفظاً، تتوقع وكالة الطاقة الدولية في تقرير سوق النفط لشهر يونيو، نمو الطلب بمقدار 960 ألف برميل يومياً في عام 2024، بتعديل هبوطي قدره 100 ألف برميل يومياً مقارنة بتقديراتها الصادرة في الشهر السابق (الرسم البياني 3)، إذ أشارت الوكالة لضعف شحنات وقود الديزل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الربع الأول من عام 2024 في ظل استمرار تزايد مخزونات النفط. وبالنسبة لعام 2025، تقدّر الوكالة أن نمو الطلب سيبقى ضعيفاً وأقل من المتوسطات التاريخية مرجحة وصوله لمليون برميل يومياً على خلفية ضعف الاقتصاد العالمي نسبياً و”تسارع انتشار تكنولوجيا الطاقة النظيفة”. وفي المقابل، وعلى صعيد الطرف الأكثر تفاؤلاً، أبقت منظمة الأوبك توقعاتها لنمو الطلب دون تغيير عند 2.2 مليون برميل يومياً في عام 2024 و1.8 مليون برميل يومياً لعام 2025. وترى المنظمة أن الاقتصادات غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستكون المحرك الرئيسي للنمو نتيجة زيادة استهلاك وقود الطائرات والمواد الخام لصناعة البتروكيماويات.
كما قامت وكالة الطاقة الدولية في يونيو بإصدار تقرير توقعات سوق النفط على المدى المتوسط (النفط 2024)، والذي تتوقع فيه تباطؤ نمو الطلب العالمي تدريجياً على مدى الستة أعوام المقبلة، من 2.6 مليون برميل يومياً في عام 2022 إلى -0.2 مليون برميل يومياً في عام 2030 (الرسم البياني 4). ومن المثير للجدل أن الوكالة تتوقع أن يبلغ الاستهلاك ذروته قبل نهاية العقد الحالي، عند 105.6 مليون برميل يومياً بحلول عام 2029، مع تسارع انتشار تقنيات الطاقة النظيفة، إلا أن منظمة الأوبك وقطاع النفط بصفة عامة، لا يتبنى هذا الرأي. وذهب الأمين العام للمنظمة إلى حد الإشارة إلى رسائل وكالة الطاقة الدولية على أنها “تعليق خطير… لن يؤدي إلا إلى عدم استقرار قطاع الطاقة على نطاق غير مسبوق”. وتتمثل المخاوف الرئيسية في أن الحديث عن الوصول إلى “ذروة الطلب على النفط” من شأنه أن يحد من الاستثمار في الوقود الأحفوري الذي تعتقد المنظمة أنه ما يزال من العناصر الجوهرية خلال الوقت الحالي. إضافة لذلك، تقول وكالة الطاقة الدولية إنه مع تباطؤ نمو الطلب وفي ظل تزايد الإمدادات من خارج الأوبك بوتيرة أقوى (+6 ملايين برميل يومياً إلى 113.8 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030)، من المرجح أن يتجاوز العرض المتوفر في سوق النفط في عام 2030 مستويات الطلب، ما سيؤدي إلى فائض كبير بنحو 8 ملايين برميل يومياً.
وفي مايو الماضي، انخفض إنتاج منظمة الأوبك وحلفائها (الأعضاء المقيدون بحصص الإنتاج) بمقدار 125 ألف برميل يومياً على أساس شهري إلى 34.1 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات مصادر المنظمة الثانوية. ويعزى هذا الانخفاض إلى تراجع إنتاج كل من روسيا (-119 ألف برميل يومياً) وكازاخستان (-62 ألف برميل يومياً)، وهو الأمر الذي قابله جزئياً زيادة إنتاج نيجيريا (+74 ألف برميل يومياً) في ظل تطلع البلاد إلى زيادة العرض لمصفاة دانغوتي التي دخلت مؤخراً حيز التشغيل بكامل طاقتها الإنتاجية. وواصلت الكويت إنتاج حصتها المقررة والبالغة 2.41 مليون برميل يومياً، وفقاً لمصادر رسمية. وبالاتساق مع جدول الأوبك وحلفائها، ستتمكن الكويت من تقليص تخفيضات الإمدادات لعام 2024 تدريجياً بدءاً من الربع الرابع من 2024، وبمعدل 11 ألف برميل يومياً كل شهر حتى سبتمبر 2025.
أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفع إنتاج النفط إلى 13.2 مليون برميل يومياً خلال شهر يونيو، بما يتسق مع متوسط الإنتاج السنوي لعام 2024 وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وبالنسبة لعام 2025، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً إلى 13.7 مليون برميل يومياً، ما يعد من أبطأ معدلات النمو المسجلة خلال عدة سنوات – وبما ينسجم مع اتجاه انخفاض عدد منصات الحفر النفطي، في مؤشر على الإنتاج المستقبلي (الرسم البياني 6)، إذ انخفض عدد المنصات إلى 479 منصة بنهاية يونيو، مسجلاً أدنى مستوياته منذ أواخر عام 2021.
وما زلنا نحتفظ بتوقعاتنا لبلوغ متوسط سعر خام برنت 85 دولار اً للبرميل في عام 2024، بدعم من الطلب القوي المتوقع لهذا الربع، إلى جانب تشديد موازين السوق. ومن المتوقع، بدءاً من الربع الرابع من العام الحالي فصاعداً، أن تتزايد إمدادات السوق في ظل خطة الأوبك وحلفائها لتقليص تخفيضات الإنتاج، إلا أن هذا الإجراء لن يحدث إلا إذا كانت ظروف السوق تبرر اتخاذ هذه الخطوة، وسيتم تطبيقها بوتيرة بطيئة لجعل التأثير على توازن العرض والطلب والأسعار محدوداً ويمكن التحكم به. ومع ذلك، فإن أخطار التطورات السلبية على توقعات الأسعار تستحق تسليط بعض الضوء عليها، خاصة فيما يتعلق بنمو الاقتصاد العالمي واحتمال تراجع النشاط في النصف الثاني من عام 2024، الأمر الذي من المرجح أن يؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخاصة الصين. ويقابل هذا الاحتمال إمكانية تزايد النشاط الاقتصادي لعدد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بدعم من المرونة التي تتميز بها سياستها النقدية. كما لا يمكن استبعاد ارتفاع المعروض من خارج الأوبك نتيجة لزيادة إنتاج الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، لما لذلك من قدرة على الإخلال بتوازن الأوبك وحلفائها والضغط على الأسعار بما يؤدي إلى تراجعها، ورغم ذلك، فإننا نرى أن هذه الزيادات ستكون محدودة في عام 2024.