مقالات

جريمة استغلال المعلومات الداخلية في نص المادة 118 من القانون

إن الجريمة التي نحن بصددها وهي جريمة انتفاع أو استغلال المطلع الذي انتفع أو استغل معلومات داخلية، أو كشف عن معلومة داخلية أو أعطى مشورة على أساس المعلومات الداخلية لشخص آخر غير مطلع.. نقول إن هذه الجريمة من الجرائم الخطرة التي قدر لها المشرع عقوبة الجناية.

وهذه الجريمة شأنها شأن أي جريمة لها ركنان أحدهما مادي والآخر معنوي

أركان وعناصر الجريمة في ضوء النص القانوني محل التعليق

لكي تتوافر الجريمة المنصوص عليها في حق المتهم لابد وأن تتوافر فيها الأركان والعناصر الآتية:

1 – صفة الجاني.

2 – الركن المادي أو السلوك الإجرامي وصوره الواردة بالنص.

3 – الركن المعنوي.

تفصيل ذلك وتأصيله:

1 – صفة الجاني:

فأول لبنة من لبنتي تجريم هذه الجريمة تتعلق بشخص القائم بفعل الاعتداء الذي يلزم أن يتمتع بصفة المطلع على المعلومات وحتى لا تترك هذه الصفة بدون تحديد كان من الضروري أن يتم تعريفها من قبل المشرع احتراماً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وهذا ما فعله المشرع الكويتي في المادة الأولى (بند التعريفات) عندما عرف المطلع بأنه أي شخص اطلع بحكم موقعه على معلومات أو بيانات ذات أثر جوهري عن شركة مدرجة لم تكن متاحة للجمهور».

ومن واقع هذا التعريف الوارد في المادة الأولى بشأن المطلع فإنه يشترط لتوافر هذه الصفة في الجاني ما يأتي:

1 – أن يكون الشخص في موقع يتيح له الاطلاع.

2 – أن يكون الاطلاع منصباً على معلومات أو بيانات ذات أثر جوهري فيما يتعلق به من شؤون.

وهكذا يتبين لنا أن المشرع الكويتي قد حدد الضابط في اعتبار الشخص مطلعاً في أن يكون باللجوء إلى الموقع الذي يشغله، وذلك حينما نص على: “اطلع بحكم موقعه” الأمر الذي يفيد باعتبار الشخص مطلعاً متى ما مكنته مهنته أو وظيفته من الاطلاع على المعلومات الجوهرية، ومن ثم لا تخرج صفة المطلع عن فئتين:

الفئة الأولى: وهي من تكون قريبة من مركز المعلومة الجوهرية في الشركة بحكم القانون، وتشمل كلاً من: رئيس مجلس الإدارة ونائبه وممثل الشخص الاعتباري.

الفئة الثانية: وهي من تخوّلها مهنتها أو وظيفتها بأن تكون قادرة على الحصول على المعلومة الجوهرية سواء كانت تعمل داخل الشركة أو خارجها، ويشمل ذلك من الداخل المدير المالي والإداري والقانوني للشركة وموظفيها، كما يشمل من الخارج مأمور التصفية وموظفي البنك أو البورصة ومحامي الشركة وشركاء الشركة المتعاقدين معها والصحفي المتخصص في الشؤون المالية والخبير الحسابي، وعليه يُفهم من ذلك أن الشخص لا يكون مطلعاً مادام موقعه لا يمكنه من الاطلاع على المعلومة الجوهرية، حتى وإن حصل عليها من خلال الشخص الذي يمكنه موقعه من ذلك.

2 – الركن المادي أو السلوك الإجرامي وصوره الواردة بالنص:

ويتحقق الركن المادي بأحد فعلي الانتفاع أو الاستغلال، أي أن يكون الجاني قد «انتفع» أو «استغل» المعلومات الداخلية التي اطلع عليها أو كشف عنها، ويكون انتفاعه بهذه المعلومات بإحدى الوسائل الآتية:

أ – شراء أو بيع أوراق مالية لشخص آخر غير مطلع.

ب – إعطاء مشورة لشخص آخر غير مطلع، وذلك بناء على المعلومات الداخلية التي اطلع عليها الجاني.

ويقصد بالانتفاع: هو ذلك الربح الذي تحقق أو الخسارة التي تجنبها من جراء المعلومة الجوهرية التي وصلت إلى المطلع بحكم موقعه.

مثال توضيحي: كأن يعلم المطلع أن الشركة المدرجة ستقوم بإبرام صفقة تحقق لها ربحاً فينتفع عن طريق شراء أسهم تلك الشركة التي سترتفع أسهمها من جراء الإعلان عن هذه الصفقة.

لذلك يؤكد بعض الفقه على وجوب تمام البيع أو الشراء الفعلي إذ لا يكفي إصدار أمر البيع أو الشراء ومَردُ الفقه في ذلك إلى عبارة (كل من انتفع) ويري أن هذا الأمر منتقداً لأنه يعطي الفاعل أو الجاني فرصة للتنصل من الجريمة استناداً إلى عدم تحققها.

وإن كان البعض الآخر يرى أن صدور الأمر وإن لم يتحقق معه تمام الجريمة إلا أنها كفيلة بتحقق الشروع في ارتكابها.

الحكمة من تجريم فعل الانتفاع أو الاستغلال للمطلع

والبعض يرجع هذا التجريم إلى أن الانتفاع أو الاستغلال كان وليد الخداع، فالمطلع استغل ثقة الكافة في المحافظة على المعلومة وعدم الاستفادة منها فحرم الكافة من معرفة هذه المعلومة، فأصبحت معرفته بالمعلومة راجحة عن باقي المتعاملين، فقام بالتداول استناداً لهذه المعلومة محققاً منها نفعاً مادياً.

***

3 – الركن المعنوي للجريمة هو أن جريمة انتفاع المطلع أو استغلاله معلومات داخلية بالوسائل التي حددها نص المادة (118) هي من الجرائم العمدية، والركن المعنوي في الجرائم العمدية هو القصد الجنائي.

والقصد الجنائي هو العلم والإرادة ويتحقق توافر القصد الجنائي لدى الجاني بأن يكون عالماً بأركان الجريمة وشروطها ومع ذلك يُقدم عليها ويقوم بارتكابها مريداً تحقيق النتائج المترتبة عليها كما هي محددة في القانون.

ويتحقق الركن المعنوي للجريمة بتحقق القصد الجنائي العام والخاص، ومن ثم فلا يكفي لتحقق القصد الخاص، فجريمة الانتفاع أو الاستغلال من الجرائم العمدية التي تتحقق بتوجيه الجاني لإرادته نحو تحقق الانتفاع أو الاستغلال.

ولكي يتوافر القصد الجنائي للجريمة الانتفاع أو الاستغلال يجب توافر ما يلي:

1 – أن يعلم الجاني أنه مُطلع، وذلك بالمعني الذي حدده القانون للشخص المطلع.

2 – أن يكون الجاني قد انتفع أو استغل المعلومات الداخلية في بيع أو شراء الأوراق المالية أو الكشف عن معلومات داخلية أو أنه يعطي مشورة بناء على هذه المعلومات لشخص غير مطلع.

ولهذه الجريمة قصد خاص: يجب ثبوته حتى يتحقق تجريم فعل الانتفاع أو الاستغلال، ويتمثل القصد الخاص إلى انصراف نية المطلع إلى تملك الربح الناشئ عن تداول الأوراق المالية بالبيع أو الشراء أو الفائدة التي جناها من الكشف عن المعلومات أو تقديم المشورة لغير المطلع أياً كانت الفائدة نقدية أم عينية، مادية أم معنوية، ويتحقق القصد الخاص أيضاً في تملك ما كان مفروضاً أن يُعد من قبيل الخسارة وذلك عن طريق تجنب تلك الخسارة.

العقوبة المقررة للجريمة وسلطة القاضي في الحكم بها وتوقيعها على الجاني

قدر المشرع أن العقوبة التي توقع على الجاني الذي يثبت إدانته في هذه الجريمة تكون كالتالي:

أ – الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات.

ب – الغرامة التي لا تقل عن قيمة المنفعة المحققة أو الخسائر التي تم تجنبها، أو بمبلغ عشرة آلاف دينار أيهما أعلى ولا تتجاوز ثلاثة أضعاف المنفعة المحققة أو الخسائر التي تم تجنبها أو مبلغ مائة ألف دينار أيهما أعلى.

ت – أو بإحدى العقوبتين السابقتين، أي الحبس أو الغرامة.

ومعنى ذلك أن القاضي يمكن أن يحكم على الجاني إما بالحبس والغرامة معاً، أو بالحبس وحده أو بالغرامة وحدها.

د – أنه يجوز للقاضي أن يعامل الجاني بمنتهى الرأفة وذلك وفقاً لما تقضي به المادة (130) من القانون ولذلك فإنه يجوز للقاضي أن:

1 – ينزل بالحد الأدنى لعقوبة الحبس وذلك دون التقيد بحكم الفقرة الثانية من المادة (83) من قانون الجزاء.

2 – يأمر بوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها إذا توافرت حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة (82) من قانون الجزاء ودون أن يكون مقيداً بمدة الحبس أي سواء أكانت عقوبة الحبس أو عقوبة الغرامة، ولو كانت عقوبة الحبس سنتين أو تزيد على سنتين، فإنه يمكن وقف تنفيذ العقوبة، فالقاضي لا يتقيد في هذا

الشأن بالقيد الوارد في نص المادة (82) من قانون الجزاء، بل له أن يوقف تنفيذ عقوبة الحبس أياً كانت العقوبة المقضي بها، وكذلك الأمر بالنسبة لعقوبة الغرامة فالقاضي له سلطة وقف تنفيذها أياً كان مقدار الغرامة المقضي بها.

هـ – أن القاضي له سلطة تقديرية واسعة في تحديد مقدار العقوبة التي يحكم بها على الجاني سواء بالنسبة للغرامة أو بالنسبة للحبس، فله أن يختار القدر الذي يراه مناسباً طالما أنه يقع بين الحدين الأدنى والأعلى المقرر بالنص.

و – أنه يجب على القاضي فضلاً عن الحكم بالعقوبة المقررة للجريمة، وهي الحبس وحده، أو الحبس والغرامة معاً أو الغرامة وحدها، فضلاً عن ذلك يجب على القاضي أن يحكم على الجاني بعقوبة تبعية وهي رد قيمة المنفعة المالية التي حققها من الجريمة أو قيمة الخسائر التي تم تجنبها نتيجة ارتكابه لها وهو ما أوجبته المادة (128) من القانون رقم 7 لسنة 2010.

ز – يجوز للمحكمة فضلاً عن الحكم بالعقوبة الأصلية والعقوبة التبعية السالف بيانهما، أن تُصدر أمراً بحرمان الجاني حرماناً مؤقتاً أو دائماً من العمل كعضو مجلس إدارة أو مدير تنفيذي في شركة مساهمة أو حرمانه من ممارسة مهنته أو أية مهنة مشابهة.

ويجب أن يحكم القاضي بحرمان الجاني من الأمور السالف الإشارة إليها وذلك في حالة العودة، وقد نصت على هذه القواعد المادة (129) من القانون السالف الإشارة إليه.

2 – أن يكون الجاني قد انتفع أو استغل المعلومات الداخلية في بيع أو شراء الأوراق المالية أو الكشف عن معلومات داخلية أو أنه يعطي مشورة بناء على هذه المعلومات لشخص غير مطلع.

ثمة ملاحظات على العقوبة الواردة بالنص:

1 – الأصل في تقرير عقوبة جريمة الانتفاع أو الاستغلال يتمثل في عقوبة الحبس والغرامة في حين أن الاستثناء يتمثل في تقرير إحدى هاتين العقوبتين، بيد أن المشرّع في كلتا الحالتين وضع حكماً للغرامة، إذ وضع لها حداً أدنى وحداً أقصى خلافاً لعقوبة الحبس التي وضع لها حداً أقصى.

2 – تلاحظ كذلك أن حساب عقوبة الغرامة بحديها الأدنى والأقصى مرتبط بضابط قيمي إذ يجب ألا تقل عقوبة الغرامة عن قيمة المنفعة المحققة أو الخسارة التي تم تجنبها أو عشرة آلاف دينار أيهما أعلى، كما أن الضابط القيمي للحد الأقصى يتمثل في ثلاثة أضعاف المنفعة المحققة أو الخسارة التي تم تجنبها

أو مبلغ مائة ألف دينار أيهما أعلى.

ويرى الدكتور حسين فتحي:

3 – في إطار مقاصد هذه الفقرة من المادة فإن الربح الذي تم الحصول عليه Profit Gained أو الخسارة التي تم تفاديها Loss Avoided هي الفرق ما بين سعر شراء أو بيع الورقة المالية وبين قيمة هذه الورقة مقومة بسعر السوق بعد فوات مدة معقولة من نشر المعلومات السرية.

أمثلة توضيحية للعقوبة الواردة بالمادة 118

على سبيل المثال إذا كانت المنفعة المحققة تبلغ مبلغ 5000 د.ك يكون الحد الأدنى لعقوبة الغرامة عشرة آلاف دينار، لأنها أعلى من قيمة المنفعة المحققة ويكون الحد الأقصى للغرامة مائة ألف دينار، لأنها أعلى من ثلاثة أضعاف القيمة المحققة والتي تبلغ وفقاً لهذا المثال خمسة عشر ألف دينار.

وعلى العكس من ذلك إذا كانت المنفعة المحققة تبلغ مبلغ مليون دينار اعتبر المشرع أن مبلغ المليون دينار هو قيمة الحد الأدنى للغرامة لأنها أعلى من مبلغ عشرة ألف دينار ويكون الحد الأقصى لعقوبة الغرامة ثلاث ملايين دينار، لأنها أعلى من مبلغ مائة ألف دينار، وفي جميع الأحوال تُعامل الخسارة التي تم تجنبها في المثالين السابقين معاملة المنفعة المحققة.

المستشار القانوني الدكتور/ جلال سعد عثمان 

 GalalSaleh66@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى