منوعات

تكريم الحرامي …  “في معبد الضحايا”

اللص .... " لص وإن علا"

في كل دول العالم تجد اللصوص منبوذين، ويشار إليهم بالبنان عندما يمرون ويظهرون في المحافل.

هذا جزء من العقاب الدنيوي والمجتمعي، فتجد الجميع يتحاشى الجلوس بجوارهم أو الحديث معهم في العلن أو مصاحبتهم والظهور معهم في المناسبات.

فهم مثل “جيس الفحم “إن طاح على أحد سود ملابسه وإن طاح أحد عليه اسودت ملابسه، فالنتيجة واحدة ومحتومة ولا تقبل النقاش والجدال.

في العقود الماضية تواتر اللصوص أشكال وألوان في مفاصل ومحافل وقطاعات عديدة، لكن من أغرب القصص التي يندي لها الجبين أن يكرم اللص وتخلد ذكراه.

وكأن هذا التكريم صك براءة أو عرفاناً بما قام به تجاه بلده وأبناء ديرته الذين التهم أموالهم بشتى الطرق ومختلف الألاعيب.

هذا التكريم كأنه ضوء أخضر وحافز وتشجيع للآخرين ورسالة مفادها “بوووق ” وسنكرمك أخيراً.

أقل ما يمكن أن يعاقب به كل لص اعتدى على أموال وحقوق الغير أن يوصم “بختم” على الجبهة مكتوب فيه  ( لص )

أموال البلاد والعباد لها حرمة ومن يتعدى على مال خاص أو عام فهو آثم، ومن يشترك في تكريم أي معتدي فهو آثم أيضا، لأن ذلك التكريم هو شهادة زور بالبراءة على أفعال يتبرأ منها الخالق.

لماذا باتت القدوة السيئة هي النموذج، والقدوة الحسنة تتراجع وتختفي؟

لماذا أصبح المحتال عبقري زمانه وذكي وماهر وعقلية فذة ونبيه ويحول التراب إلى ذهب.

بالرغم من أن جريمة الاعتداء على أموال الناس سواء مساهمين في شركات أو مؤسسات عامة أو محدودة، من الجرائم الغائرة التي لا يمحوها التاريخ، وتظل تتناقلها الأجيال حتى لو لم توثق في دواوين أو مكاتيب، إلا أن من المآسي الحقة أن تجد التكريم في بعض الأحيان على مستوى رسمي وعبر احتفالات يشارك فيها مسؤول رسمي ورقابي وقيادي، والأكثر من ذلك أن تخلد ذكرى هذا وذاك على نصب أو دليل حتى “تغث” أصحاب الحلال الذين تم الاعتداء على أموالهم بالباطل.

من المضحك المبكي أن بعضاً من هؤلاء اللصوص لم يكن يخطر في بالهم يوماً، لا في أحلام اليقظة ولا المنام، أنه يمكن أن يتم تكريمهم على الملأ يوما ما، وأن تظل أسماؤهم براقة رنانة خفاقة في نفس المحفل والمعبد الذين كانوا يوماً ما يفترسون ضحاياهم فيه.

في العقدين الأخيرين شواهد كثيرة وعديدة عن جرائم مالية ارتكبت من 50 شخص ضد 50 ألف، وهؤلاء الخمسين ألف كل منهم خلفه شخصين، زوج وابن، على أقل تقدير، ما يعني أن ذنب 150 ألف شخص في رقبة الـ 50 لص.

فكيف يتطهرون من هذا الرجس وهذه الجريمة أمام هذا العدد الذي سيظل يحمل القصة ويرويها للأجيال، وكما قيل ” حتى ماي زمزم ما يطهرهم” حتى لو علقتم أسماءهم على كل سواري العالم وكل الأبراج الشاهقة في كل الميادين.

التكريم في بعض الحالات هو عقاب لمن يعقل، وكأن من كرم هذا اللص أو ذاك الحرامي وضعه كسارية إبليس كي يرجمه كل من يمر عليه، وهي كالرمية من دون رامي، مصداقاً لقول الحق( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، والتاريخ  لا يمكن تزييفه أو تحريفه، ولا يمكن تجميل القبيح أو تقبيح الجميل.

أخيراً على كل محتال أو من يفكر بالاحتيال، و كيف يوقع هذا وذاك في شرك النصب والخداع، أن يتذكر دائماً قول الباري جل في علاه  عن أكل أموال الناس بالباطل في مواضع عديدة في آيات صريحة منها قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )(البقرة) وقال في آية أخرى نداءً صريحاً ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ(النساء) وقال  تعالي (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)   (سورة المائدة).

وبالرغم من هذا النهي والتحذير والوعيد من قاض السماء، يأتي التكريم في غفلة من الزمن وفي حقبة من اللا مسؤولية من كل من يشارك في محافل تكريم اللصوص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى