وزارة الموارد البشرية ضرورة لإدارة وتطوير سوق العمل وضمان النمو الاقتصادي

- يجب إنشاء لجنة تنسيقية كويتية متخصصة للتعاون وتبادل الخبرات مع وزارة الموارد البشرية السعودية
- الكويت سباقة في إشعال حوار ديناميكي مع الآخرين ومثال على ذلك تأسيس مجلس التنسيق السعودي الكويتي.
- أساس نجاح رؤية دولة الكويت 2035 هو الاعتراف بأن كل فرد ليس مجرد مشارك، بل عنصر أساسي نحو تحقيق الرؤية الطموحة.
- من الضروري إبرام اتفاقية / مذكرة تفاهم مع جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية (SHRM) أو الكندية (CPHR)
- دور الجامعات مهم في تحفيز الأبحاث العلمية التي تساهم بدورها في تقديم تقنيات مبتكرة في العمل لتعظيم قيمة لاقتصاد الكويتي
- من المتوقع أن يخلق نمو سوق العمل العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي 133 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
- 19% من الموظفين في كندا يعملون بدوام كامل من المنزل
- 13% من الموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية يعملون بدوام كامل من المنزل.
- هناك فرص لتبادل المعلومات والإحصائيات مع دول الجوار والتركيز على دور الموارد البشرية لتحقيق رؤية دولة الكويت 2035.
أسباب حاجة الدولة إلى إنشاء وزارة للموارد البشرية
1. تطوير وإدارة القوى العاملة
تنمية المهارات: إدراكاً لأهمية المرحلة الحالية التي يمر بها سوق العمل الكويتي وضرورة التعاون وتبادل الخبرات مع دول الخليج العربي ولمواكبة المتغيرات السريعة وغير المسبوقة التي يشهدها سوق العمل الذي يمر بتحول نوعي وهيكلي كبير، يمكن للوزارة البدء بالتركيز على تحديد الفجوات المهارية في الاقتصاد الكويتي وإنشاء برامج تدريبية لضمان تجهيز القوى العاملة بالمهارات اللازمة وأن يكون سوق العمل الكويتي نموذجاً يُحتذى به على مستوى الخليج العربي والإقليمي في تطبيق أفضل الممارسات العالمية.
يجب تأسيس برنامج تطوير قدرات الأفراد في رحلة طموحة نحو تمكين ورفع تنافسيتهم في سوق العمل من خلال تنفيذ استراتيجية ديناميكية تشمل كل مرحلة من مراحل التعلم، بدءً من التعليم في مراحل الطفولة المبكرة إلى التعلم مدى الحياة.
تقوم الاستراتيجية بخلق مسار للأفراد للوصول إلى إمكانياتهم الكاملة، ويتم تصميم هذه الاستراتيجية لتكون شاملة وبالتعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية لضمان نجاح المواطنين بمنحهم القوة ويُعدّهم للنجاح في كل مرحلة من مراحل الحياة. كما أشجع جدا الاستعانة وإبرام اتفاقية /مذكرة تفاهم مع جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية (SHRM) أو الكندية (CPHR) إسوة بما فعلت المملكة العربية السعودية. وبإمكان الوزارة أن تسعى إلى توفير منصة موحدة تجمع جميع الأطراف من جهات حكومية لمناقشة تحديات أسواق العمل واستشراق المستقبل وإيجاد حلول إبداعية لمعالجة قضايا وسياسات وتشريعات سوق العمل، وتعزيز مستوى جاذبيته وتنافسيته محليا وإقليميا، إضافةً إلى توحيد جهود الدولة بتوفير مجموعة من الرؤى القابلة للتنفيذ لمعالجة أوضاع السوق وتعزيز قدراته. وبالتركيز على تطابق نتائج التعليم مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الابتكار، وتطوير وتحسين المهارات، تخلق الاستراتيجية مسارًا للأفراد للوصول إلى إمكانياتهم الكاملة. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الاستراتيجية غرس القيم الأساسية وتعزيز والمحافظة على اللغة العربية (كمثال المرحوم محمد الشارخ)، مما يعزز الشعور بالفخر الوطني، وتعمل نحو اقتصاد قوي يدعمه قوة عمل ذات كفاءة عالية.
تعزيز التوظيف: يمكن للوزارة تصميم سياسات ومبادرات للحد من البطالة، وخلق فرص عمل، ودعم القطاعات التي لديها إمكانيات عالية للنمو في التوظيف. أيضا بالإمكان أن تشمل مبادرة التنقل، وتحديث قوانين العمل، والمساواة فالأجور، والحماية الاجتماعية.
2. حقوق ورفاهية العمال
تطبيق قوانين العمل: يمكن للوزارة الإشراف على تنفيذ وتطبيق قوانين العمل، وضمان حماية حقوق العمال، بما في ذلك الأجور العادلة، وظروف العمل الآمنة، وساعات العمل المناسبة.
برامج رفاهية العمال: يمكنها تطوير وإدارة برامج تهدف إلى تحسين رفاهية وخدمة العمال، مثل التأمين الصحي، والمعاشات، ومزايا أخري.
التنقل والسكن: يمكنها تنظيم وتسهيل التنقل العمالي الداخلي وضمان توزيع سكن القوى العاملة (المدن العمالية) بشكل فعال عبر مختلف المناطق.
3. تحسين رأس المال البشري
استغلال المواهب: يمكن للوزارة العمل على استراتيجيات لتحسين استخدام رأس المال البشري، وضمان توافق المواهب مع فرص العمل بفعالية، مما يزيد من الإنتاجية. ويكون ذلك عن تأسيس مركز خاص لوضع خطط لترقية وتطوير المناهج التعليمية إلى كيان وطني مستقل تحت إشراف مباشر من وزير التعليم. يرتكز هذا المركز على التخطيط والتطوير الاستراتيجي للمناهج المنسجمة مع أفضل الممارسات الدولية والاتجاهات العالمية الناشئة ويجعله مستعدًا للأجيال القادمة للنجاح في عالم متغير باستمرار.
وهنا أود أن تقوم جامعة الكويت بالتعاون مع القطاع الخاص الكويتي بعمل دراسة بمتطلبات سوق العمل الكويتي في القطاع الخاص (26% عمالة منزلية) في القطاعات ذات القيمة المضافة لسوق العمل لتمكّن المجتمع من رؤية شغفه بوجود اقتصاد مزدهر يجذب أفضل المواهب ويطورها ليضع خطط التحول لتحقيق رؤية الكويت 2035 وتحويل القطاع الخاص لمركز يجذب المواهب والمهتمين بريادة الأعمال. وبالتحديد يجب معرفة المهارات الناعمة وغير الناعمة المطلوبة بسوق العمل الكويتي والتي يجب أن نستثمر في تنمية القدرات الكويتية البشرية عاجلا للتكيف مع الوظائف المستقبلية المختلفة وبناء تلك القدرات وتعزيز المرونة لدى الفئة الشبابية وهو عامل أساسي لتجاوز التحديات المستقبلية في عالم سريع التغير، حيث تعد القدرات البشرية عاملا أساسيا عندما يتعلق الأمر بالتنمية، حيث تساهم في تحقيق 80٪ من ثروة أي بلد متقدم.
4. تنسيق وتنفيذ السياسات
الإدارة المركزية: يتيح وجود وزارة مخصصة إدارة مركزية وتنسيق جميع السياسات المتعلقة بالموارد البشرية، مما يضمن التناسق والترابط في تنفيذها على مستوى البلاد.
التنسيق بين القطاعات: يمكن للوزارة العمل بشكل وثيق مع الإدارات الحكومية الأخرى، مثل التعليم والداخلية والشؤون والصحة الخ ….لمواءمة استراتيجيات الموارد البشرية مع أهداف التنمية الوطنية الشاملة.
5. التنمية الاقتصادية
دعم النمو الاقتصادي: من خلال التركيز على تطوير القوى العاملة وضمان أن سوق العمل لديه قوة عمل ماهرة ومنتجة، يمكن للوزارة المساهمة مباشرة في النمو الاقتصادي.
جذب الاستثمار: يمكن لاستراتيجية الموارد البشرية المتطورة أن تجعل البلاد أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن قوة عمل مستقرة وماهرة ومنتجة.
6. الاستقرار الاجتماعي
تقليل الفجوات الاجتماعية: من خلال تعزيز ممارسات العمل العادلة وضمان توفر فرص العمل يمكن للوزارة أن تساعد في تقليل الفجوات الاجتماعية في المهارات المستدامة، والتشغيل الآلي بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومستقبل التعليم وقابلية القوى العاملة وذلك عن خلال مناقشات مستقبلية تركز على مثل هذه القضايا المهمة وتلعب الدور المركزي للإمكانيات البشرية في مواجهة التحديات لسوق العمل الكويتي.
حل النزاعات: يمكن للوزارة التوسط في نزاعات العمل، وضمان حل النزاعات بين أصحاب العمل والموظفين بشكل عادل وسريع، مما يسهم في الاستقرار الاجتماعي.
7. الاستجابة للتغيرات الديموغرافية
الشيخوخة السكانية: يمكن للوزارة تطوير استراتيجيات للحفاظ على العمال الأكبر سناً في سوق العمل ومعالجة التحديات الناتجة عن تقلص القوى العاملة.
البطالة بين الشباب: في الدول ذات التركيبة السكانية الشابة (بلغ عدد الكويتيين في عمر أقل من سنة 32 ألفاً و771 طفلاً وطفلة) يمكن للوزارة التركيز على خلق وظائف، وتوفير التدريب المهني، وتسهيل الانتقال من التعليم إلى التوظيف وتقديم الحوافز والتسهيلات والامتيازات، وابتعاث المواطنين لاستكمال دراستهم الجامعية بالتنسيق مع الجهات المعنية لشغل الوظائف في القطاع الخاص.
8. الامتثال لمعايير العمل الدولية
التكامل العالمي: يمكن للوزارة التأكد من أن البلاد تلتزم بمعايير العمل الدولية، وهو أمر مهم للعلاقات التجارية العالمية وحماية العمال وسمعة البلد في الخارج.
الدبلوماسية العمالية: الكويت دائما سباقة في إشعال حوارًا ديناميكيًا ممتعا مع الأخرين ومثال على ذلك تأسيس مجلس التنسيق السعودي الكويتي الذي يجب أن تكون فكرة وزارة الموارد البشرية ونقلها وتجربتها جزء من التعاون الثنائي لتحفيز وتطوير القدرات الوطنية البشرية. وفي رأيي تعد تجربة السعودية تجربة ملهمة للخليج (للكويت خصوصا) والعالم العربي عامة وأشجع المزيد من نقل المعرفة والتعاون المستقبلي معهم مع الإيمان واليقين بأن يمكننا حقًا فتح الإمكانيات الكاملة لمجتمعاتنا كما فعلت المملكة العربية السعودية. فلنتعرف علي تجربتهم بتطبيق الممارسات المبتكرة ولتناول أبرز المؤثرات والاتجاهات في سوق العمل وقضايا إعادة هيكلة سوق العمل والتفاوض على اتفاقيات عمل مع وزارة الموارد البشرية السعودية وجمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية (SHRM) أو الكندية (CPHR) .
9. الانتقال التكنولوجي والاقتصادي
التكيف مع التغيير: يمكن للوزارة مساعدة القوى العاملة في التكيف مع التغيرات التكنولوجية، مثل الأتمتة والرقمنة، من خلال تعزيز التعلم المستمر وبرامج إعادة التأهيل المهني. يجب ضمان استخدام التقنيات الحديثة في العمل لتعظيم القيمة لاقتصاد البلد، وبناء بيئات عمل خالية من الاستغلال، أو الاختراقات التكنولوجية التي تؤدي إلى فقدان فجائي للوظائف.
التوظيف المستدام: يمكنها أيضًا العمل على خلق وظائف خضراء وضمان أن يشمل التحول إلى اقتصاد مستدام فرص عمل لجميع العمال وعلى وضع خطة لتوطين الوظائف للقطاع الخاص، من خلال تصنيف الجهات وحجم العاملين ونوعية الوظائف، على أن تتضمن الخطة سياسات التدريب والتشغيل والتأهيل وإغلاق وفتح تخصصات للدراسات الجامعية.
10. جمع البيانات والبحث
تحليل سوق العمل: يمكن للوزارة جمع وتحليل بيانات سوق العمل، وهو أمر ضروري لصنع السياسات المستنيرة وفهم اتجاهات التوظيف والأجور والديموغرافيا العمالية.
التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية: يمكنها أيضًا التنبؤ باحتياجات سوق العمل المستقبلية، وضمان توافق أنظمة التعليم والتدريب مع احتياجات الاقتصاد المتغيرة.
الخاتمة:
باختصار، إنشاء وزارة للموارد البشرية ضروري لإدارة وتطوير سوق العمل، وحماية حقوق العمال، وضمان النمو الاقتصادي، والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. كما إنها تتماشى مع رؤية دولة الكويت 2035 الوطنية الهادفة إلى إجراء تحول جذري نحو سوق عمل أكثر إنتاجية، يركز على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، من خلال الاعتماد على قاعدة مواهب وكفاءات وطنية ذات مهارات متطورة، ولا يمنع الاستعانة بمواهب الوافدين والخبراء ذوي المهارات العالية شريطة أن تكون هناك خطة تدريبية تطويرية وزمنية صارمة لنقل هذه الخبرة ومع حساب وعقاب للذي لا يلتزم بالخطة. ويجب أن تركز على 8 مسارات رئيسية هي: أبرز المؤثرات والاتجاهات في سوق العمل، والمهارات والإنتاجية، وأنماط العمل الحديثة والعمل عن بُعد، إلى جانب السياسات والتشريعات الخاصة بسوق العمل وسبل تطويرها، وآثار التطور التقني والذكاء الاصطناعي على مستقبل سوق العمل، كذلك تجارب الدول الأخرى (المملكة العربية السعودية بالتحديد) في إعادة هيكلة سوق العمل والدروس المستفادة منها، والمساواة وبيئة العمل. فسوف يتيح ذلك لدولة الكويت إدارة رأس مالها البشري (651 ألف كويتي وكويتية هم في عمر أقل من 19 عاماً أي بنسبة 74% من إجمالي الكويتيين) بشكل استراتيجي، وهو أحد أهم مواردها. فكما شاهدنا التطور السريع في التكنولوجيا، عام 2024 هو “عام الذكاء الاصطناعي” حيث الطفرة الكبيرة في وتيرة التطبيقات، والتي اخترقت مختلف المجالات والقطاعات، وأثارت عديداً من الأسئلة حول المستقبل، وطبيعة المنافسة فيه. يجب أن يكون هناك خارطة طريق استراتيجية تتوجه نحو التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. ويجب الجدية في اتخاذ خطوات محورية وتحويلية. ويجب على كل مسؤول في الدولة أن يلعب دورا حاسما في تنفيذ رؤية دولة الكويت 2035 في إحداث تأثير جماعي وتبادل ونقل المعرفة (Knowledge Transfer)، والتعاون مع ألمع العقول في العالم لتأمين المستقبل بتبني الأفكار المثيرة المستنيرة والشراكات التي تركز على التأثير والتي يجب أن يتم تشكيلها تأكيدا للالتزام المهني الأخلاقي للمسؤول وذلك لفتح الإمكانيات الكاملة للقوي البشرية لأنه يتطلب تعاونًا وتبادل الخبرات مع الأخرين.
وإدراكاً لأهمية المرحلة الحالية التي تمر بها الكويت بسوق العمل وضرورة التعاون وتبادل الخبرات مع دول الخليج العربي المجاورة لمواكبة المتغيرات السريعة وغير المسبوقة التي يشهدها سوق العمل، فيجب السعي إلى توفير منصة حكومية موحدة تجمع جميع الأطراف من حكومات وخبراء وأكاديميين ومهتمين، لمناقشة تحديات أسواق العمل واستشراق المستقبل وإيجاد حلول إبداعية لمعالجة قضايا وسياسات وتشريعات سوق العمل، وتعزيز مستوى جاذبيته وتنافسيته في الخليج العربي، إضافةً إلى توحيد الجهود للخروج برؤى قابلة للتنفيذ لمعالجة أوضاع السوق وتعزيز قدراته.
إن أساس نجاح رؤية دولة الكويت 2035 هو الاعتراف بأن كل فرد ليس مجرد مشارك، بل عنصر أساسي نحو تحقيق رؤية 2035 الطموحة وأهمية الدور المحوري الذي يلعبه كل شخص في تنفيذ الرؤية. وبعكس المنهج التقليدي من أعلى إلى أسفل (Up Down)، فيجب أن تركز رؤية 2035 بجدية على الشمولية وعلى كيفية النظر إلى المواطنين وأصحاب المصلحة والعلاقة ليس كأطراف سلبيين، ولكن كمساهمين فعالين في تقدم بلدهم وهم الوحيدون الذين يتم اختيارهم للتفاعل والمساهمة في تشكيل المستقبل لسوق العمل وتحقيق رؤية 2035.
د. عدنان البدر.
مستشار موارد بشرية ورئيس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.