القيادي النظيف وقُطاع الطرق وهتلية ((x))

عندما تتحول ثقافة الباطل وإلصاق التهم بالآخر وتحول شرائح هائلة إلى خبراء ومحللين وأصحاب معلومة، لا يمكنك إلا أن تتحسف على من ابتكر وسائل التواصل بمختلف تطبيقاتها، وجعلها متاحة لنوعية من المستخدمين لا يستحقون التواجد في مثل هذه النوافذ. فتطبيقات السوشيال ميديا أتاحت للنطيحة والمتردية نافذة لا يستحقونها “ينهقون ” من خلالها ويصدرون أسوأ وجه لها.
لو كان الأمر بيدي لفرضت على من يريد الدخول وإنشاء حساب تواصل اجتماعي، خصوصاً في التطبيقات المؤثرة مثل (x)، أن يقدم شهادة سلامة عقلية أولاً ويبقى تحت الملاحظة من خلال تحليل ما يغرد به، حيث أن البعض يدخل مغرداً ثم يتحول مع الوقت “ناهقاً” زاعقاً، مصنفاَ هذا وذلك ومانحاَ صكوك الوطنية والولاء وصكوك الغفران.
صدق القذافي في سؤاله الحكيم … “من أنتم؟!”، من منحك حق أن تتعقب هذا وذاك، وتبدي رأيك فيما لا يعنيك، وتحلل شخصية هذا وعائلة ذاك، ومن أين أتي وكيف مضى، ولماذا يتصرف هكذا ولا يتصرف هكذا؟
ألا تعلم أيها الموتور والمهزوز والملقوف أن هناك ملايين الذباب الإلكتروني مثلك، يدلي كل منهم برأي، هذا يقول يمين وذاك يقول يسار، فكيف بهذا المسؤول وذاك القيادي أن يمضي على هوى ذاك، ويرضى تطفل هذا الذي لا يستطيع أن يدير شؤون نفسه، ولو دققت في شؤونه الخاصة لاكتشفت كم الفشل والهذل والسطحية والتردي الثقافي والاضمحلال الفكري الذي يرزح تحته.
من سخف الحديث وضعف الحجة أن بدت ظواهر انتهاك الخصوصية، وبدأ التبجح في طلب معرفة خصوصيات الجميع ومن هذا ولماذا، وكل من هب ودب بات يستسهل إعطاء الأوامر لهذه الجهة أو تلك بالتحرك نحو هذه الخطوة أو التراجع عنها، وكأنهم مقصرين في أعمالهم وينتظرون قصير النظر أو محدود البصيرة أن يقودهم ويأخذ بأيديهم.
ألم تسأل نفسك يوماً عن واقع الشعوب المتحضرة والمتطورة والمتقدمة التي تعمل وتقدس العمل وتعشق الانتاج، ممن يصدرون لنا أفكارهم وإبداعاتهم ونتاج جهودهم ونحن نستخدمها أسوأ استخدام ونطوعها أبشع تطويع، هم يستنشقون رحيقها ويحصلون على أطيب ما فيها ويطوعونها لخدمة التنمية والإنتاج والتعلم لتحسين واقعهم، فيما أهل السخف والهتلية يستخدمون نعم الله أبشع استخدام.
في أبسط القضايا تقرأ ملايين الأفكار والمقترحات والتنظيرات متناسيين أن أسهل الأمور هي الكلام والتنظير، وإلا فما هو إنجازك الذي حققته وما البصمة التي سجلتها في مسيرتك التعليمية والعملية والوظيفية، وما هو إنتاجك ومساهمتك في تطوير ذاتك وتنمية بلدك، طبعاً صفر، لا شيء …فمن من يجلس ساعات وساعات أمام شاشة محدودة لا هم له سوى مناشبة خلق الله وانتقاد هذا وذاك وترفيع قيادي وخسف الأرض بآخر لمجرد التزامه بتطبيق القانون الذي يجهل البعض فهمه، وطالما يجهل الفهم فهو بالطبع يجهل التطبيق الصحيح والمناسب.
السطحية مرض أخطر من الجهل، فالجاهل معروف تصنيفه وقيمته ووزنه، والشهادة لا تنفي صفة الجهل أبداً، والجهل وباء ينتشر بين البشر جميعاً دون استثناء، ولكن بدرجات متفاوتة، فإذا كنت جهولاً، لا تكن ظلوماً ظلامياً يحولك جهلك إلى ناقم حقود حسود.
إياك وخلط الحق بالباطل والتحدث بما لا تعلم لمجرد ربط مجموعة من الخيوط المتشابهة ببعضها واستنتاج معلومة بنسبة 100% هي باطلة كاذبة باهتة لا لون لها ولا رائحة.
فالعقول الفارغة الخاوية ومن فشل في دراسته ولم يكمل تاج العلم والعلوم وفضل أن يتخندق وراء ستار الشر والبهتان لا يحق له أن ينتقد عقول مليئة بالعلم والثقافة والأدب والوقار والقيمة المجتمعية.
قال عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»، وسُئل أي المسلمين أفضل قال: «من سلمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ». وفي لفظ «المسلم» هنا الألف واللام للكمال، أي كمال المسلم في أن يسلم المسلمين من لسانه ويده، وذكرت اليد لأن أكثر الأفعال بها، وقد تشارك الأيدي اللسان ويكون أثرها عظيماً، وذكرت اليد دون باقي الجوارح لأن أكثر الآثام ترتكب بها، بل أصبحت تشارك اللسان في آثامه من قذف واتهام، فمع حداثة العصر والتكنولوجيا باتت اليد تنطق كما اللسان، تنطق كتابة إفكاً وكذباَ وزوراً.
فليعلم كل ناعق زاعق بدون علم أو دليل أن من سلم المسلمون من لسانه ويده هذا له شأن عظيم، لا يظلم في نفس، ولا في مال، ولا في عرض، المسلمون سالمون من لسانه ومن يده، فلا يغتب ولا يسب ولا ينم ولا يكذب إلى غير ذلك، ولا يتعدى بيده بأي ظلم.