مقالات

العقارات التجارية: أين المخاطر المالية؟

بقلم  د. محمد جميل الشبشيري

مع تأثير جائحة كوفيد-19 على العقارات التجارية، تشهد هذه السوق تحولات هائلة تجعلنا نتساءل عن مستقبلها وتحدياتها. هل سيتأثر سوق التجزئة بنمو التجارة الإلكترونية؟ وكيف ستتغير متطلبات المساحات المكتبية في ظل زيادة العمل عن بُعد؟ ما تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على استثمارات العقارات التجارية، وماذا يعني ذلك للمستثمرين والبنوك؟ سنقوم بتحليل الارتباطات بين الأحداث الراهنة ونماذج الأعمال المصرفية لنفهم تأثيرها على هذا القطاع الحيوي.

تأثيرات الجائحة على العقارات التجارية

تُثير التحديات والتغيرات الاقتصادية في العالم العربي قلق البنوك وتتساءل عن مدى تأثير الانكشاف الكبير على القطاع العقاري، خاصةً العقارات التجارية، على البنوك. يتساءل المقال حول حالة ومخاطر البنوك في هذا السياق، مستعرضًا تأثير أزمة كوفيد-19 على هذا القطاع.

التحولات في السوق الكويتي

غني عن البيان ما يعانيه القطاع التجاري العقاري من تغيرات تتمثل في ارتفاع نسب الشواغر وركود في المبيعات في ظل الضغوط على الدخول الشخصية للأفراد، وبالتالي نزعتهم الاستهلاكية التي عادة ما تنصب في الوحدات الاقتصادية التي تشمل العقارات التجارية. كما أن قطاع العقارات التجارية قد تعرض بالفعل لتحولات سلوكية من الأفراد الذين أصبحوا يفضلون سبلًا أكثر ربحية وملائمة عبر الإنترنت بدلاً من المتاجر والمجمعات التجارية التقليدية، التي شهدت بالفعل هجرة المستأجرين من العديد منها.

أزمة المجمعات التجارية والحلول الحكومية

وما عليك إلا أن تتجول في بعض المجمعات التجارية لتجد معظمها فارغًا من المستأجرين والرواد على حد سواء، مثل مجمع المثنى، وسوق الصالحية، وسوق المناخ، وعدد من المجمعات في حولي والسالمية، حيث تمتلك الحكومة عددًا منها وتقوم بتأجيرها إلى القطاع الخاص. وذلك على الرغم من تميز الكويت بمجموعة من المراكز التجارية الرائدة، مثل الأفنيوز مول، الذي يعتبر أكبر مركز تجاري بتشكيلة واسعة، يليه 360 مول الذي يقدم تجربة تسوق فاخرة. وفي منطقة الجهراء، تأتي الجهراء 2000 كوجهة تجارية متنوعة، بينما يُعد البوليفارد مركزًا حديثًا يجمع بين التسوق والترفيه. وتوفر هذه المجمعات تجربة تسوق شاملة في الكويت.

التسهيلات البنكية وانكشاف البنوك

يمكن توقع استمرار التطورات والإضافات في الساحة التجارية، إلا أن هذه المجمعات شهدت تغيرات واسعة في نوعية المستأجرين، وعادة ما يغلب عليها المقاهي والمطاعم. وكانت الحكومة وراء التخفيف من أزمة تلك المجمعات وانكشاف البنوك، حيث تقترب التسهيلات الموجهة للعقار من 60% من التسهيلات الائتمانية. فقد قامت الهيئة العامة للاستثمار بتأسيس محافظ استثمارية تسعى نحو ضخ سيولة في السوق لشراء بعض العقارات الاستثمارية والتجارية خلال فترة ما بعد كوفيد وأزمة 2008، وإعادة بيعها مع رواج السوق.

التحولات في قيمة العقارات التجارية

إلا أن البيانات تشير إلى تراجع قيمة صفقات القطاع التجاري منذ عام 2021، فيما شهدت نموًا في عام 2022 إلا أنه سرعان ما عاد للتراجع ولم يعد إلى المستويات التي سجلها في الربع الثالث من عام 2022. وترافق ذلك مع حدوث اختلالات هيكلية في قطاع العقار التجاري، وتوجه المستثمرين نحو العقار السكني الأكثر مرونة وتفوقه على بقية القطاعات. وبنهاية الربع الثالث 2023، استقر متوسط سعر المتر التجاري في مختلف المحافظات على أساس ربع سنوي، وسجل زيادة سنوية طفيفة بنسبة 1.3%، مع وجود تباين بين المحافظات وهي أقل من الزيادات التي شهدتها في نفس الفترة من العام الماضي.

الاختلاف بين العقارات التجارية والسكنية

الأمر الذي يزيد من مخاطر العقارات التجارية أنها تمثل نوعًا خاصًا من العقارات المستخدمة لأغراض تجارية أو استثمارية، وتشمل مجموعة واسعة من الأصول العقارية مثل المباني التجارية، والمكاتب، والمراكز التجارية، والمستودعات، والفنادق، والمطاعم، والأراضي التجارية الخالية، وأي نوع من العقارات المخصصة للاستخدام التجاري.

وتتميز العقارات التجارية بطبيعتها المختلفة عن العقارات السكنية، حيث يكون الهدف الرئيسي فيها تحقيق عوائد مالية أو تلبية احتياجات الأعمال التجارية. تعتمد قيمتها على عدة عوامل مثل الموقع، وحجم العقار، والتأجيرات، والتوجهات الاقتصادية، وتطورات السوق العقارية.

معدلات العوائد على العقارات التجارية

وقد انخفضت معدلات العوائد على العقارات التجارية في مختلف المحافظات بنهاية الربع الثالث من عام 2023. في محافظة العاصمة، سجل متوسط عائد العقار التجاري 7.15%، بينما سجلت محافظة حولي 7.89%، وهي معدلات باتت تقترب من معدلات العائد على بعض الصناديق الاستثمارية وعوائد الودائع في بعض البنوك.

الوضع في السوق الأمريكي

تأثرت العقارات التجارية بشكل كبير بالتغييرات الناتجة عن جائحة كوفيد-19، حيث شهدت قطاعات مثل العقارات المكتبية، وتجارة التجزئة، والصناعية، والمتعددة الأسر تحولات جوهرية. فقد زادت إمكانية العمل عن بُعد من تأثير الطلب على المكاتب، مما أدى إلى تباطؤ في حركة العودة إلى المكاتب بعد الارتفاع في بدايات عام 2023. ونتيجة لذلك، قد يواجه سوق تجديد عقود إيجار المكاتب تراجعًا أو انكماشًا في حجمه.

تأثير التجارة الإلكترونية على قطاع التجزئة

في مجال تجارة التجزئة، تأثرت الأعمال التقليدية بنمو التجارة الإلكترونية، خاصةً مراكز التسوق الإقليمية. في سوق العقارات المتعددة الأسر، يواجه المستثمرون تحديات تتمثل في ارتفاع تكاليف التشغيل، وتباطؤ نمو الإيجار، وتكاليف إعادة التمويل نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة.

التأثيرات على البنوك الأمريكية

مع تفاقم مخاطر سوق العقارات التجارية (CRE)، يطرح السؤال حول من يتأثر في حالة حدوث تخلف عن السداد في هذا السوق؟ البنوك وشركات الادخار تشكل أكبر حصة مباشرة بنسبة تقريبية 40٪ من إجمالي ديون CRE. هذه الملكيات المباشرة تتعلق بالقروض المرتبطة بالمراكز التجارية أو المباني المكتبية، ومع ذلك، يتم الاحتفاظ بنسبة إضافية تصل إلى 34٪ في الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (الوكالة والتجارية)، والتي عادةً ما تكون في حوزة البنوك. وبالتالي، بالاحتساب لكل من الملكيات المباشرة وغير المباشرة، تحتفظ المؤسسات المصرفية بنسبة تتراوح بين 40٪ و75٪ من إجمالي ديون CRE، مما يجعلها المؤسسات الأكثر تعرضًا للمخاطر في هذا السوق.

التباين في تعرض البنوك للمخاطر

لا تواجه جميع البنوك نفس مستوى المخاطر في قطاع العقارات التجارية (CRE). يعتمد تعرض البنوك على نماذج أعمالها المختلفة، حيث تركز بعضها على تقديم القروض للمستهلكين والشركات، في حين تركز أخرى على قطاعات محددة. لفهم التباين في هذه التعرضات كنسبة من إجمالي محافظ البنوك، نقوم بجمع بيانات مفصلة حول مكونات الميزانية العمومية لشركات قابضة للمصارف الأمريكية من التقارير التنظيمية الفصلية (FR Y-9C). تمكننا البيانات التفصيلية من حساب مقياس لتعرض كل بنك المباشر وغير المباشر لـ CRE، حيث نأخذ في اعتبارنا ليس فقط القروض المضمونة بالعقارات التجارية والمتعددة الأسر، ولكن أيضًا استثمارات البنك في الأوراق المالية المدعومة من CRE (مثل الأوراق المالية التجارية المدعومة بالرهن العقاري). المقياس الرئيسي لتعرض البنك هو القيمة الإجمالية لقروض CRE والأوراق المالية كنسبة من إجمالي الأصول.

مخاطر البنوك الصغيرة مقابل الكبيرة

يركز هذا الارتباط السلبي على أن مخاطر انكماش العقارات التجارية تتركز في البنوك الصغيرة، وليس في الشركات القابضة للبنوك الكبيرة التي تُعتبر عادة “أكبر من أن تفشل”. ومع ذلك، كما أظهرت الأزمة المالية 2007-08، يمكن أن تؤدي موجات كبيرة من الفشل حتى بين المؤسسات الصغيرة إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية وتنتشر لاحقًا إلى الاقتصاد الحقيقي.

في الختام، يمكن القول أن العقارات التجارية تحمل في طياتها العديد من المخاطر التي يجب على المستثمرين والبنوك مراعاتها. يتعين على البنوك التي تواجه تحديات في محفظتها العقارية النظر في استراتيجيات مختلفة للتحوط من المخاطر، مثل تقليل انكشافها للعقارات التجارية وتحسين جودة رأس المال والسيولة. أيضًا، يجب على المؤسسات المالية والمستثمرين تقييم تأثير التحولات الاقتصادية والمالية على العقارات التجارية لضمان استدامة استثماراتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى