منوعات

الجشع

قصة جريمة اقتصادية

مع التطور الاقتصادي تتطور الجرائم، فمن كان يسمع بالسابق عن قراصنة الحسابات المصرفية وسارقي الأرصدة عبر الخدع المتتالية والاحتيالات المبتكرة؟

من كان يسمع قبل سنوات عن الهجمات السيبرانية على المؤسسات الاقتصادية والمالية؟ والتي باتت تؤسس لها الدول هيئات وقطاعات مهمتها فقط التصدي لهذه الهجمات والتعامل معها.

ما مضى من جرائم حديثة متوازية مع التطورات التقنية سبقها جرائم مالية أشكال وألوان منها:

مزارع تفريخ الشركات التابعة والزميلة في مرحلة الاسترخاء والرواج، والتي استقبلت مئات الملايين من صغار الأفراد وتم إدراجها في السوق المالي وهي شركات وكيانات مكشوفة الرأس، فلا نشاط تشغيلي واضح ولا نموذج عمل لها، هي فقط عبارة عن رأسمال يتم استغلاله في مضاربات سريعة في السوق وتخديم على حسابات ضمن الجروب الواحد لتدوير ملكيات التابع والزميل، وترفيع الأسعار ومبادلة الأصول أو نقلها من هذا الكيان إلى ذلك.

أيضا جرائم تضخيم الأصول ونفخها بتقييمات أقرب إلى الوهمية لزوم الحصول على تسهيلات وقروض مصرفية من الداخل والخارج لضخها أيضا في السوق في مضاربات، دون أن تكون هناك مشاريع حقيقية واقعية أو نموذج عمل إنتاجي تشغيلي حقيقي.

نموذج ضرب إقرارات الدين ضد هذه الشركة وتلك، والتي نمت وترعرعت برعاية بعض “مافيات” السيطرة على الشركات عبر مجالس الإدارات من دون ملكيات واضحة، أو بنسبة ملكية لا تذكر، ما مكن تلك المافيات من “شفط” معظم الأصول الجوهرية ذات القيمة المضافة وتحويلها لملكيات خاصة.

كان نتيجة حتمية لكل أشكال الجشع والتفنن في التلاعبات عبر تفريخ وتفخيخ الكيانات أن يكون مآلها الشطب من مقصورة الإدراج، لأنها ببساطة لا تصلح لأن تطبق عليها التعليمات والقوانين والمعايير التي بسطتها الهيئة الرقابية.

فما أن وضعت الجهات الرقابية يدها على بعض الشركات وفتحت غطاء الميزانيات، إلا وفاحت روائح اللعب والحرمنة وسوء الإدارة وكل أشكال وأنواع المخالفات المالية والإدارية وجرائم أخرى تتعلق بتقييمات أصول وتلاعبات في أصول خارجية.

بقع سوداء كثيرة تمت إزالتها من المشهد الاقتصادي، والعمل المالي تم تنقيته بشكل كبير لذلك تقلصت كثيراً قوائم الشركات المديرة للأصول التي كانت تمثل العقل المدبر لمعظم “بالونات” الأسهم في السوق، كونها أكبر المستفيدين من خلال المحافظ والصناديق التي كانت تجني ثمار عمليات النفخ والتضخيم للأسهم، والتي طاحت في نهاية المطاف في يد صغار المستثمرين الأفراد وتكبدوا خسائر باهظة ودفعوا ثمن اللعب والتلاعب في عهد التفريخ للشركات الورقية.

التلاعبات والجرائم الاقتصادية لم تتوقف، بل اتخذت أشكالاً جديدة، وأصبحت عمليات غسل الأموال هي الأكثر انتشاراً حالياً حول العالم، واتسعت الخيارات والنوافذ التي تتيح مرور هذه العمليات.

مؤخراً طفت على الساحة ممارسات مالية هي امتداد للتلاعبات التي تفوح منها روائح الجشع وشبهات غير سليمة وممارسات غير مرخصة، لكن هذه المرة من نوافذ شركات عامة تشغيلية مدرجة، فمن كان يتخيل أن مؤسسات من العيار الثقيل، تملك فيها  حكومات، يتم استخدام اسمها عبر عمليات مشبوهة وخارجة عن النشاط الأساسي لها، من خلال استخدام شركات تابعة في عمليات تمويل وكأنها مؤسسات مصرفية تمارس الإقراض المالي وتحصل الأقساط وتهدد المتعثرين عبر الإيصالات وإقرارات الدين والعقود، وكأنهم أبرموا عقود صحيحة وسليمة وعلى منتج حقيقي.

جرائم مركبة وقمة في الغلو والمغالاة والتمادي عندما يتم توقيع عقود رسمية لتقديم تمويل لأفراد بالمخالفة للنشاط المرخص للشركة، وكأنه لا توجد مؤسسات رقابية تحاسب على هذه الممارسات المخالفة، وكأنه لا توجد كيانات مرخصة محددة هي فقط من يمكنها منح هذا التمويل.

كم شركة تقوم بمنح تمويل بالمخالفة للقوانين؟ وكم حالة متعثرة؟ وكم باب أغلق في وجه الضحايا؟ وكم مسؤول تقاعس عن القيام بدوره في تفعيل الأدوات الرقابية التي تحت يده لكشف تلك المخالفات أو التأكد منها؟

شركات يتم التركيز عليها وتكون تحت المجهر وتتسلط عليها الأضواء والأنظار، وأخرى لا يتم الاقتراب منها بداعي أنها من الوجهاء أو أنها من الصف الأول أو أنها من المستبعد أن ترتكب مثل هذه المخالفات، ليتفاجأ الجميع بأنها هي من ترتكب تلك المخالفات.

 ويبقى التساؤل مفتوحاً ومطروحاً، لماذا لم يتم التفتيش على أعمال شركة الاتصالات التي تدور حولها شبهات بأنها تقدم عقود تمويل لأفراد تحت غطاء أجهزة هاتفية؟ وإذا كانت العقود بالفعل عقود بيع أجهزة هواتف، فلماذا يتم صرف شيكات بقيمة الأجهزة ليحصل عليها المتعاقد والمستفيد نقداً بدل الأجهزة؟

القصة عودة، والشركاء كثر، والدائرة واسعة، والرؤس كثيرة وكبيرة، يحتاج الأمر فقط مخلص غيور مسؤول يمارس دوره الرقابي قبل فوات الأوان.

يبقى الجشع هو القاسم المشترك في كل ما مضى من حيل وتلاعبات، لكن من سمح لهذه الطفيليات أن تنمو وهيأ لها البيئة الخصبة لتترعرع وتنتشر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى