احذروا من الـ “حرباء”

في عالم المال والاستثمار كثيراً ما تجد المتحولين والمتلونين مثل “الحرباء”، حيث تستخدم لونها كشكل من أشكال التمويه، فهي عادة ما تكون خضراء أو بنية اللون لتندمج مع أي طرف من الأشجار تتعلق به، فلا تستطيع الفريسة أن تميزها، فالحرباء حيوان مفترس يستطيع تقريبا أن يأكل أي شي.
هكذا لصوص السوق، أشكال وألوان، منهم لصوص الأصول مهندسي التدليس، مهندسي تزييف الأرقام وتجميل الميزانيات وتضخيمها “وضرب” التصريحات، وتهويل الفرص وحشد القطيع، وترتيب الأدوار وخداع الصغار، وتربيط العصاعص مع الكبار، وتكميم الأفواه، وتوزيع المهام.
الحرباء لها ثمن، والقطيع له ثمن. الحرباء يجيد التلون والعزف على كل الأوتار، وارتداء أكثر من قناع، وإيهام الجمهور بأن كل قناع له الأفضلية ويتقدم على ما عداه. فالتمثيل على الجمهور بات أهم صفة مطلوب إجادتها من جانب رئيس مجلس الإدارة، “يضرب الوعود” ويوزع الابتسامات، ويتقبل الانتقادات ويتلقى الاستفسارات ويتقن الإجابات الغامضة ويراوغ في المطبات التي تقود السائل إلى متاهات ويخرج في نهاية المطاف مبتسماً مرتاح البال دون أن يفقه شيئاً عما تم الاستفسار عنه.
كم من جمعية عمومية شائكة مضت ومرت بسلام، وحصل “المراوغ” على موافقات المساهمين، بعضهم بالأصالة، وشريحة كبيرة بالوكالة، فـ “تجارة ” التوكيلات رائجة، وما أدراك ما سوق الوكالات ومفاتيح الوكالات خصوصاً في وقت الملفات.
“الحرباء” المتحولة بين الألوان كالمتنقل بين التقليدي والإسلامي، من اللعب والعبث المفضوح والممجوج، إلى العبث المنظم والممنهج والمرتب والمهندم، عبث اللعب الثقيل الذي يتم تغطيته بصحيح وروح القانون.
“الحرباء” البيضاء تستطيع أن تظهر ألوانها أكثر من غيرها، فما بداخلها مفضوح ومكشوف، لكن لا يهم فهناك من وراؤه يغطي ألاعيبه وهفواته أو إن شئت فقل “خرابيطه”.
تمتاز الحرباء بقدرتها البارعة على تغيير لونها استجابة للبيئة المحيطة والضوء الساقط عليها، لكن “حرباء” السطو على الأصول وحرباء العمولات والتدليس، حرباء التسويف والوعود الكاذبة، حرباء بيع الوهم، حرباء الإغراء بلغة بالأرقام، حرباء تسجيل القمر باليمين والشمس باليسار، ندرتها جعلت منها أيقونة للخداع الذي لم يقتصر على الأفراد المساهمين أو الملاك المؤسسين، بل امتد خداعه لما هو أبعد من ذلك بكثير.
اللافت والمثير في نهاية المطاف هو تحول الحرباء إلى رمز اقتصادي وشخصية عامة، والأكثر من ذلك هو أن يصدق نفسه فيتمادى ويقترح ويقدم النصائح، وهذه هي الطامة الكبرى والتي تكون تبعاتها كارثية على مصدقيه ومريديه.
لكن العزاء الوحيد والأمل هو أن في السوق المالي والاقتصادي كثير من أصحاب العقول الراجحة والفكر المستنير وأصحاب العلم الذين يكشفون “الحرباء” مهما تلونت أو دلست للتخفي. إنهم يجيدون لغة الأرقام ويعرفون تفكيك الألغاز والسير بين الألغام ما يجعل ظهر “الحرباء” مكشوف للنخبة، لذلك تجده قزم أمام هذه الشريحة، “هيرو” أمام البسطاء والأقليات المنفردة التي تتأثر بالعناوين البراقة والأرقام الخادعة، فالكلام مجاناً بلا ضرائب أو رسوم جمركية، والفضاء واسع وشاسع ويستوعب آلاف القنابل الصوتية والدخانية التي سرعان ما يزول أي أثر لها.
“الحرباء” الماكرة الخادعة للجميع بألوانها تعتمد أنه لا حساب بأثر رجعي، فهي صاحبة خبرة قديمة وطويلة في ارتكاب الجرائم المالية والخروج من بين ثناياها سالمة آمنة مستغلة أيادي الآخرين في التغطيات المحاسبية والقانونية، وما أكثر “الترزية” الذين يجيدون فنون الحياكة لمعالجة الثقوب والثغرات، والذين لو بذلوا ربع جهودهم وعبقرياتهم في الخير والبناء لحققوا أعظم بكثير مما حققوه، لكن ماذا تقول لمن “التحوا” ولم يستحوا، من اعتقدوا أن الأمر بالمظاهر فقط.
صحيح أن من أمن العقوبة أساء الأدب، لكنه أمن مؤقت. إياك أن تظن أن الصمت نسيان، فالأرض صامتة وفي جوفها ألف بركان، وتيقن أن من خدعتهم سنوات سيكتشفون كذبك لا محالة، كما قال الحق …” سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ”، وستلقى جزاء كذبك وتدليسك أيضا لا محالة، كما قال تعالي “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.