مقالات

هل المال أصل الشرور؟

من الشائع أن نسمع أن “المال هو أصل كل الشرور”. لقد قيل لنا أن المال مرادف للجشع، وأن الرغبة فيه أمر سيء بطبيعته إلى حد ما.

هذا ليس صحيحًا. ربما يكون المال هو أهم ابتكار في تاريخ البشرية. حيث أكدت الأديان السماوية على فهم العدالة والرحمة والعطاء في استخدام وتعامل المال، بينما تحث على تجنب الجشع والظلم في جميع الأوقات. فقط خذ لحظة للتفكير في عالم بدونه.

فكر في كل الأشياء التي تستمتع بها في حياتك: منزل، هاتف محمول، كتاب، لعبة كمبيوتر جديدة، ملابس جديدة، سيارة، وجبة في مطعمك المفضل. كم من هذه الأشياء يمكنك أن توفرها لنفسك؟

لحسن الحظ، بفضل المال، لن تضطر إلى ذلك. بدلاً من ذلك، يمكنك التخصص في القيام بمهمة محددة – ربما تشكيل المعادن، أو بيع الكتب، أو إصلاح السيارات – ثم تستخدم الأموال التي تكسبها لشراء منتجات أو خدمات من الآخرين.

تطور المجتمعات وتداول المال.

قبل المال، كانت المجتمعات البدائية تستخدم نظامًا يسمى المقايضة، حيث يتم مبادلة شيء بآخر.

تخيل أن محمد لديه خبز وخالد لديه حليب. يمكن أن يتاجر الاثنان مع بعضهما البعض. ولكن ماذا لو كان خالد لا يحب الخبز؟ من أجل الحصول على الحليب المطلوب، قد يحتاج محمد إلى التبادل مع شخص آخر بشيء يريده خالد. وهذا ما يسمى التبادل غير المباشر.

في المجتمعات المختلفة، كانت هناك أشياء معينة يريدها الجميع. هذه تشكل أقدم أشكال المال. على مدار تاريخ البشرية، تم استخدام جميع أنواع الأشياء كنقود، مثل الملح والتبغ والحبوب وأصداف البحر والماشية والفراء. مع مرور الوقت، انتهى الأمر بالمجتمعات إلى تبني شكل من أشكال المعدن، مثل الذهب والفضة، باعتباره الشكل المفضل للعملة.

هل لمعان الذهب مازال مستمرا؟

تقدر العديد من المجتمعات هذه المعادن اللامعة كمجوهرات وكماليات وللاستخدام الصناعي، ولكن لها أيضًا العديد من الفوائد الأخرى. من الصعب تدمير المعادن، فهي متجانسة وقابلة للقسمة – أي أوقيتين من الذهب الخالص متماثلتان – ويسهل حملها إذا تم تحويلها إلى عملات معدنية. كما أنها نادرة ويصعب استخراجها، فلا يمكنك صناعة نقود جديدة كما لو أنها نبتت على الأشجار.

لقد كان اختراع المال هو الذي سمح حقًا للحضارة الإنسانية بالازدهار. كما سهّل المال الادخار للمستقبل. ومن خلال ادخار بعض الأموال التي يكسبونها مقابل القيام بالمهام، يستطيع الأشخاص شراء أشياء أكبر وأكثر تعقيدًا، مثل منزل جديد.

وبطبيعة الحال، عندما بدأ الناس في الحصول على مدخرات، أرادوا طرقًا جديدة لحماية أموالهم. لقد أفسح هذا المجال للبنوك، حيث يمكنك إيداع عملاتك المعدنية لدى شخص يبقيها آمنة، مقابل إيصالات ورقية يمكنك إخفاءها لحين الحاجة إليها واستردادها.

قوة المال ودور أكبر للبنوك،

تتجلى هيمنة المال في قوة أكبر البنوك العالمية، التي تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد العالمي. وأصبحت أداة رئيسية في تسهيل الوساطة المالية ودفعها إلى ابتكارات متجددة، حيث تتمتع هذه البنوك بحجم أصول ضخم، مما يجعلها مركزًا رئيسيًا للتأثير المالي.

تسيطر البنوك الصينية على المراتب الأولى، حيث يمتلك البنك الصناعي والتجاري الصيني أصولاً تصل إلى 5.7 تريليون دولار، يليه بنك التعمير الصيني بأصول قيمتها 5.0 تريليون دولار، ثم بنك الزراعة الصيني بأصول تبلغ 4.9 تريليون دولار، وبنك الصين الذي يمتلك أصولًا تقدر بـ 4.2 تريليون دولار. إجمالي أصول هذه البنوك الأربعة يتجاوز 19.8 تريليون دولار، مما يعكس القوة الاقتصادية الهائلة للصين في القطاع المصرفي.

على الجانب الآخر من العالم، تأتي البنوك الأمريكية في مراكز متقدمة، حيث يمتلك جي بي مورغان تشيس أصولاً بقيمة 3.77 تريليون دولار، يليه بنك أوف أمريكا بأصول قيمتها 3.1 تريليون دولار، وسيتي جروب بأصول تبلغ 2.4 تريليون دولار. إجمالي أصول هذه البنوك الثلاثة يتجاوز 10 تريليونات دولار، ما يبرز أهمية الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي.

في أوروبا، تشكل البنوك الكبرى مثل إتش إس بي سي من المملكة المتحدة، وبي إن بي باريبا وكريدي أجريكول من فرنسا، قوة مالية لا يستهان بها. يمتلك إتش إس بي سي أصولًا بقيمة 2.97 تريليون دولار، في حين يبلغ حجم أصول بي إن بي باريبا 2.9 تريليون دولار، وكريدي أجريكول 2.5 تريليون دولار. إجمالي أصول هذه البنوك الأوروبية الكبرى يفوق 8 تريليونات دولار.

أما في آسيا، فتسهم البنوك اليابانية مثل بنك إم يو إف جي، الذي يمتلك أصولًا تقدر بـ 3.07 تريليون دولار، وإس إم إف جي بأصول تبلغ 2.0 تريليون دولار، في تعزيز النظام المالي العالمي، حيث يصل إجمالي أصول البنوك اليابانية الكبرى إلى أكثر من 7 تريليونات دولار.

إلى جانب ذلك، تلعب بنوك كبرى في دول مثل كندا وإسبانيا وأستراليا دورًا محوريًا في اقتصاداتها المحلية والعالمية. على سبيل المثال، يمتلك البنك الملكي الكندي أصولًا تبلغ 1.5 تريليون دولار، بينما يمتلك بنك سانتاندير الإسباني أصولًا تصل إلى 1.9 تريليون دولار.

بذلك يتضح أن إجمالي حجم أصول أكبر البنوك في العالم يتوزع بين المجموعات الاقتصادية الكبرى، حيث تأتي الصين في المرتبة الأولى تليها الولايات المتحدة ثم أوروبا واليابان، وتظل هذه المؤسسات المالية العملاقة حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد العالمي.

بمجرد أن بدأت المجتمعات في استخدام النقود، كان من السهل على الحكومات طباعة نقود جديدة، حتى لو لم تكن قد جمعت أي ذهب لاسترداده بالأوراق النقدية.

وعلى مر التاريخ، كانت هذه وسيلة شائعة للحكومات لتوليد أموال جديدة، لأنها كانت أسهل من الخيارات الأخرى، مثل جمع الضرائب.

وعلى الرغم من أن هذا كان جيدًا بالنسبة للسياسيين، إلا أنه كان سيئًا بالنسبة لبقيتنا، حيث فقدت أموالنا قيمتها – وهذا ما يسمى التضخم.

خلال القرن العشرين، رأينا الحكومات تسيطر على المال بالكامل. في أمريكا، كان بإمكانك استبدال الدولارات بالذهب، وهو نظام يسمى معيار الذهب.

في عام 1913، أنشأت أمريكا بنكًا مركزيًا، وهو الاحتياطي الفيدرالي، الذي بدأ في إنشاء دولارات جديدة بدون ذهب جديد. في عام 1933، جعل الرئيس فرانكلين روزفلت من غير القانوني امتلاك الذهب. وفي عام 1971، توقف الرئيس ريتشارد نيكسون عن تبادل الدولار بالذهب مع الدول الأخرى. وبعد ذلك، لم يبق شيء ذو قيمة يدعم الدولار الأمريكي.

النتائج؟

قبل مائة عام من تأسيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، كان سعر الذهب 19.39 دولارًا. وبعد مرور مائة وعشرة أعوام على بنك الاحتياطي الفيدرالي، بلغ سعر الذهب 2002 دولارًا وهو يقترب من 3000 دولار للأوقية.

لماذا حدث هذا؟

ومع القدرة الكاملة على خلق المال، تمكنت الحكومة من تمويل حروب ضخمة وبرامج حكومية. كل هذا جاء على حساب قيمة عملتنا ومدخراتك.

ومع فقدان الثقة في النقود الورقية ظهرت النقود الرقمية كتحول حديث في نظام الدفع في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. في عام 2009، تم إطلاق “بيتكوين” كأول عملة رقمية من نوعها، وهي مشفرة بتقنية البلوكشين.

Uساتوشي ناكاموتو، هوية غامضة أو مجموعة من الأشخاص، نشر ورقة بحثية تحت اسم ناكاموتو والتي وضعت أسس بيتكوين. كانت الفكرة الأساسية وراء بيتكوين هي خلق نظام دفع غير مركزي يعتمد على التشفير للتحقق من المعاملات وإدارة إصدار العملة.

منذ إطلاق بيتكوين، ظهرت العديد من العملات الرقمية الأخرى المعروفة بـ” العملات المشفرة”، والتي تعتمد على تقنيات مشابهة للبلوكشين. تمثل هذه العملات الرقمية وسيلة للتبادل والاستثمار، وبدأت تشهد اتساعًا في القبول والاستخدام في العديد من المجالات.

تتميز النقود الرقمية بالتحكم اللامركزي والتشفير، مما يزيد من أمان وسرية المعاملات. وفي السنوات الأخيرة، شهدت النقود الرقمية اهتمامًا متزايدًا من قبل المستهلكين والمستثمرين، وتأثيرها على الأنظمة المالية التقليدية يستمر في التطور.

العلاقة بين المال والقيم الأخلاقية

في المجتمعات الحديثة، أصبحت العلاقة بين المال والقيم الأخلاقية معقدة بفعل تطور النظام المالي وظهور العملات الرقمية. يُعتبر المال أداة للتمكين الاقتصادي، لكنه يطرح تحديات أخلاقية عندما يرتبط بالجشع والفساد. الديانات السماوية تشدد على ضرورة استخدام المال لتعزيز العدالة الاجتماعية، كما هو الحال في مفاهيم المعاملات والأخلاق والزكاة في الإسلام وأهمية العطاء في المسيحية. فالابتكارات المالية، رغم توفيرها فرصًا، قد تؤدي إلى مشكلات مثل التهرب الضريبي وغسيل الأموال، مما يستدعي تدخل الحكومات لضمان الشفافية والحوكمة. في النهاية، يجب توجيه المال نحو تحقيق المنفعة العامة، مع التزام صارم بالقيم الأخلاقية لضمان استخدامه كأداة للخير.

الخلاصة

لذا، هل المال هو أصل الشرور؟ لا، فالأموال ليست شريرة، بل هي أداة قوية يمكن استخدامها من أجل الخير أو الشر. الأمر يعتمد على كيفية استخدامنا لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى