الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024: برامج ترامب وهاريس وآثارها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي

تتشابه خطتا كامالا هاريس ودونالد ترامب في كونهما يسعيان لتحفيز الاقتصاد الأمريكي وتحسين رفاهية المواطنين، لكنهما تختلفان جذريًا في الوسائل والتوجهات. فكلاهما يدرك أهمية دعم الاقتصاد، غير أن هاريس تركز على زيادة الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، مع زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى لتمويل هذا الإنفاق. تتوقع هاريس زيادة الإنفاق بنسبة 10% سنويًا، مما يعزز العدالة الاجتماعية ويقلل الفجوات الاقتصادية.
أما ترامب، فيميل إلى تخفيض الضرائب على الأثرياء والشركات، حيث خفض الضرائب بمعدل 15% في فترة ولايته الأخيرة، وتحفيز النمو عبر تقليل القيود التنظيمية، ويرى أن هذه الإجراءات تشجع الاستثمارات والنمو السريع. وبينما تعزز سياسات هاريس العدالة الاجتماعية عبر توزيع الثروة، تميل سياسات ترامب إلى تحفيز الطبقة الاستثمارية والشركات، مما قد يزيد من التضخم ويسهم في زيادة الديون العامة. وتتضمن خطط ترامب فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، بالإضافة إلى تعريفة بنسبة 60% أو أعلى على الواردات من الصين. كما تعهد بتنفيذ أكبر حملة لترحيل المهاجرين غير المصرح لهم في التاريخ الأمريكي.
التأثير على الأسواق المالية الأمريكية
بلغ التوتر وعدم اليقين بشأن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في 5 نوفمبر ذروتهما. فقد اشتدت المنافسة، وأصبحت الفروق في نوايا التصويت بين دونالد ترامب وكامالا هاريس تقع ضمن هامش الخطأ في كل استطلاع. حاليًا، لا يمكن التنبؤ بمن سيكون جالسًا في المكتب البيضاوي في 20 يناير.
ومع ذلك، وعلى الرغم من حالة عدم اليقين، فالجميع على أهبة الاستعداد للطوارئ، ويبدو أن الأسواق المالية تتبع هذا النهج. فقد شهدت الاستطلاعات تحولًا لصالح ترامب، ما دفع بعض مديري المحافظ إلى إجراء بعض التعديلات. ارتفع معدل التقلب في سوق الأسهم الأمريكية بشكل ملحوظ مقارنةً بالنصف الأول من العام، كما زاد تقلب سوق السندات. على وجه الخصوص، ارتفعت عوائد السندات؛ ففي الشهر الماضي، ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بأكثر من 60 نقطة أساس ليصل إلى نحو 4.30%. وهناك عدة عوامل ساهمت في هذا الارتفاع؛ أولها قوة الاقتصاد الأمريكي المستمرة، والتي أظهرتها بعض البيانات الهامة الصادرة هذا الأسبوع. فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الثالث نموًا قدره 3.9%، وحقق مؤشر ثقة المستهلك مكاسب قوية بنسبة 8%. حتى الأرقام المخيبة للآمال في التوظيف (بسبب الأعاصير ونزاع عمالي) لم تغير الصورة العامة. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يبقى الاحتياطي الفيدرالي بعيدًا عن تسريع وتيرة تخفيض أسعار الفائدة، ما يعني أن العوائد الأطول أمدًا ستظل تحت ضغط أقل للتراجع.
لكن يجب ألا نقلل من تأثير الانتخابات على التوقعات للأسواق المالية، خاصة سوق السندات. وفقًا لبرامج المرشحين، فإن الخطط المقترحة من قبل كامالا هاريس، وخاصة دونالد ترامب، تتسم بالطبيعة التضخمية. والأهم من ذلك، أن هذه الخطط قد تؤثر بشكل كبير على المالية العامة الأمريكية.
الوضع المالي الفيدرالي
يبدو ذلك بشكل خاص في ظل عدم استقرار المالية العامة للحكومة الفيدرالية، وهو ما ظهر في البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية للسنة المالية 2024 التي انتهت في 30 سبتمبر، حيث أظهرت عجزًا عامًا بلغ 1,832.8 مليار دولار أمريكي، وهو أسوأ من العجز الذي بلغ 1,695.2 مليار دولار في السنة المالية 2023.
المشكلة الكبرى ليست في إيرادات الحكومة، التي ارتفعت بمقدار 479.5 مليار دولار، أي بنسبة 10.8%. فقد أدى نمو دخل الأسر واستمرار التضخم إلى زيادة عائدات ضريبة الدخل الشخصي بنسبة 11.5%، وهو ما يمثل نصف هذه الزيادة. المشكلة تكمن في الإنفاق، الذي ارتفع بنسبة 10.1% (617 مليار دولار) في السنة المالية 2024.
ويمكن تفسير جزء من هذه الزيادة بمقارنة المستويات المنخفضة بشكل مصطنع لعام 2023، حيث لم تأخذ في الاعتبار التغييرات التي أجريت على برنامج القروض الطلابية (+4.4%). وتتوزع معظم هذه الزيادة على مدفوعات خدمة الدين التي بلغت 254 مليار دولار، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع أسعار الفائدة. كما لوحظت زيادة في الإنفاق على الضمان الاجتماعي (+103 مليار دولار)، والدفاع (+50 مليار دولار)، والرعاية الطبية (+28 مليار دولار). وتم تعويض ذلك جزئيًا بتقليص الإنفاق على برنامج تأمين الودائع (-55 مليار دولار)، وبرنامج ضمان المعاشات (-28 مليار دولار)، وبرنامج إعانات الغذاء للأسر ذات الدخل المنخفض (-28 مليار دولار).
الديون المتزايدة
أدى حجم العجز لعام 2024 إلى رفع الدين الوطني الذي بلغ 35,464.7 مليار دولار أمريكي اعتبارًا من 30 سبتمبر. وبلغت الديون التي تحتفظ بها العامة (تستثني المقتنيات الحكومية الفيدرالية، لكنها تشمل الديون التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي) 28,307 مليار دولار، ما يعادل حوالي 98% من الناتج المحلي الإجمالي، مرتفعة من 96% في نهاية السنة المالية 2023.
من المرجح أن يتجاوز الدين القومي الناتج المحلي الإجمالي في السنوات القليلة القادمة. ففي توقعاته الصادرة في يونيو، قلل مكتب الميزانية بالكونغرس قليلًا من حجم العجز والدين لعام 2024. كما توقع أن تنمو الديون التي تحتفظ بها العامة لتصل إلى 99% في عام 2025 و101.6% في عام 2026.
العلاقة بين ترامب والبنك الاحتياطي الفيدرالي
من المرجح أن يكون لإعادة انتخاب دونالد ترامب أثرٌ كبير على الاقتصاد الأمريكي. العلاقة بين دونالد ترامب والبنك الاحتياطي الفيدرالي واحدة من أكثر العلاقات توتراً بين رئيس أمريكي والبنك المركزي في التاريخ الحديث. وعلى الرغم من وجود تعاون غير مباشر في بعض الأحيان من خلال سياسات البنك التي دعمت الاقتصاد، كانت الانتقادات العلنية والضغوط السياسية من ترامب موضوعًا مثيرًا للجدل، مما أبرز أهمية استقلالية البنك المركزي في النظام الاقتصادي الأمريكي.
خلال فترة رئاسته من عام 2017 إلى عام 2021، كانت لدى دونالد ترامب والاحتياطي الفيدرالي علاقة معقدة. انتقد ترامب علانية سياسات الاحتياطي الفيدرالي النقدية، خاصة فيما يتعلق بسعر الفائدة، ووصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بأنه لا يعرف ما يفعله، وضغط عليه لخفض أسعار الفائدة بشكل أسرع وأكبر لدعم النمو الاقتصادي والسياسة النقدية التوسعية خلال فترة كوفيد-19.
زيادة تكاليف السلع والخدمات
من المتوقع أن تؤدي السياسات الاقتصادية المعلنة، التي ستعتمد على رفع التعريفات الجمركية، خصوصًا مع الصين، وفرض قيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى زيادة تكاليف السلع والخدمات وزيادة معدلات التضخم.
قد يزيد الضغط على البنك الاحتياطي الفيدرالي لمزيد من خفض الفائدة، على الرغم من تردد الفيدرالي الأمريكي أكثر من مرة في تخفيض معدلات الفائدة خشية من ارتفاع التضخم. وعلى الرغم من من اتخاذ هذه الخطوة في سبتمبربرفع الفائدة بنسبة نصف في المائة.
ومع اقتراب 5 نوفمبر، واحتلال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مركز الريادة في استطلاعات الانتخابات الوطنية، سيعود إلى القيود المزمع تطبيقها على المهاجرين الجدد مما يقلص من عددها ويزيد من أجور العمالة ويرفع تكاليف الإنتاج. كما أن خطر حدوث اضطرابات كبيرة في التجارة الدولية يعود للظهور.
صعوبة توجيه التدفقات التجارية
تتفاعل الأسواق مع ترامب باعتباره الرئيس الأميركي المحتمل، وبالرغم من أنه يميل إلى تخفيض الضرائب علي الشركات إلا أن هناك آثارا سلبية لذلك، فقد تكون زيادات التعريفات الجمركية التي أعلن عنها ترامب في الحملة الانتخابية، إذا تم تنفيذها، أكثر تأثيرًا بكثير من تلك التي فرضتها إدارته الأولى، حيث إن جميع التعريفات الجمركية المتبادلة على الواردات من الصين خلال الأعوام الأربعة الأولى من ولايته لم ترتفع سوى بنسبة حوالي 1.5 نقطة مئوية. إلا أن فرض تعريفة بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، والتي اقترحها ترامب، من شأنه أن يزيد من صعوبة إعادة توجيه التدفقات التجارية، وسيشكل صدمة للشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى تكلفة أكبر بكثير من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته الأولى، كما قد يعيد شبح الحروب التجارية، ليس فقط مع الصين، ولكن أيضاً مع كندا والمكسيك.
الكثير من الأمور مازالت غامضة.
من الصعب أن نعتقد أن الفائز في التصويت يوم الثلاثاء سيكون له السلطة لفعل ما يريد عند توليه المكتب البيضاوي في يناير. يمكن أن تؤدي الظروف الاقتصادية والجيوسياسية إلى تغيير سريع في أولويات الإدارة الجديدة.
المنافسة الرئاسية متقاربة، ولا نعرف أيضًا الحزب الذي سينتهي به الحال في السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب. حتى كتابة هذه السطور، تشير التوقعات إلى أن الجمهوريين سيفوزون بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، بينما سيحصل الديمقراطيون على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، وهذا سيكون عكس التشكيل الحالي.
أثر الانتخابات على الاقتصاد العالمي والصراعات الجيوسياسية
ستؤثر نتائج الانتخابات الأمريكية بشكل كبير على الساحة العالمية، حيث يمكن أن تؤدي سياسات الإدارة الجديدة إلى تغييرات في تحالفات الولايات المتحدة وعلاقاتها الاقتصادية، لا سيما في الشرق الأوسط. إذ قد تتأثر أسواق النفط والمواد الأولية بشدة بناءً على التوجهات المستقبلية للتجارة والطاقة. على سبيل المثال، قد يؤدي فوز هاريس إلى زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، بينما قد يؤدي فوز ترامب إلى تعزيز إنتاج النفط والغاز المحلي. كذلك، من المتوقع أن تساهم نتائج الانتخابات في تشكيل السياسات تجاه النزاعات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية والصراع في سوريا. إضافةً إلى ذلك، ستتأثر الحرب التجارية مع الصين بناءً على السياسات الاقتصادية للرئيس المنتخب، حيث قد تتصاعد القيود التجارية أو تهدأ حسب توجهات الإدارة الجديدة. قد تتسبب هذه التغيرات في تقلب أسعار المواد الأولية، بما في ذلك النفط، حيث قد يرتفع من 70 دولارًا للبرميل إلى 100 دولار للبرميل في حال تصعيد التوترات الجيوسياسية.
الخلاصة
تظهر الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة تأثيرًا عميقًا على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. في حين أن كل من هاريس وترامب يقدمون رؤى مختلفة لمستقبل البلاد، إلا أن كل منهما يسعى لتحفيز الاقتصاد بطرق تعكس مبادئهم الاقتصادية الأساسية. ومع قرب الانتخابات، تبقى الأسواق المالية والمحللون في حالة ترقب، حيث سيكون لنتائج هذه الانتخابات تأثيرات بعيدة المدى على السياسة الاقتصادية والتجارة الدولية وأسعار السلع الأساسية