مقالات

أهمية قياس أداء القطاعين الحكومي والخاص وتقويم الخلل في تحقيق التفوق الاقتصادي ورؤية 2035

• أوجه التشابه والاختلاف لقياس الأداء بين القطاعين الحكومي والخاص وتأثيرهما على الاقتصاد.
• قياس الأداء تحول من أداة شائعة في القطاع الخاص إلى ضرورة قصوى في القطاع الحكومي ومؤثرة على الاقتصاد الوطني.
• التقييم يجب أن يقيس ويساهم في تعزيز أداء الموظفين والقياديين بما يضمن محاسبة المقصّر ومكافأة المتميز.
• قياس الأداء أداة أساسية للمراقبة الفعالة وتقييم نجاح المؤسسات في تحقيق أهدافها.
• مقاومة التغيير وعدم توفر البيانات الكافية والافتقار إلى العمالة المدربة، تحديات يجب التغلب عليها.

يعتبر قياس الأداء من الأدوات الأساسية التي تعتمد عليها المؤسسات في القطاع الخاص لتحسين فعاليتها وتحقيق أهدافها. ومع تزايد التركيز على الأداء والكفاءة، بدأت الحكومات في العديد من الدول، بما في ذلك الكويت، تدرك أهمية القياس الفعال للأداء في القطاع الحكومي. هذه الممارسة التي كانت تُعتبر تقليدية في القطاع الخاص، أخذت اليوم أبعادًا جديدة في القطاع الحكومي، مما يعكس تغيرًا في كيفية إدارة الموارد العامة. ففي عام 2007 وبرغبةٍ سامية من القيادة السياسية آنذاك لتطوير مستوى الأداء الحكومي والارتقاء به، صدر المرسوم رقم 346 لسنة 2007 للإيعاز لمجلس الوزراء بإنشاء جهاز يُسمّى «جهاز متابعة الأداء الحكومي» ويلحق بمجلس الوزراء ويشرف على أعماله سمو رئيس مجلس الوزراء. وبيّن المرسوم في مواده الـ6 آلية تشكيل هيكله التنظيمي ( يرأسه حاليا الشيخ أحمد المشعل الصباح) والمهام والاختصاصات الموكلة اليه لتحقيق الاستدامة المالية للدولة، من خلال تبني سياسات مالية وتطوير آليات الحوافز والمحاسبة والتقييم لكل العاملين، وإعداد الجهات الحكومية لإستراتيجيات مرتبطة برؤية الكويت 2035 وأهداف التنمية المستدامة المعتمدة من منظمة الأمم المتحدة، وتحسين مؤشرات الكويت الدولية، وتعزيز ثقة المواطنين بالأداء الحكومي، وتحقيق درجات عالية من الرضا عن الخدمات المقدمة لهم، إضافة إلى إعداد مؤشرات قياس (KPIs) أداء الجهات الحكومية لتهيئة بيئة أعمال منظومة إدارة الأداء الحكومي.
يعد قياس الأداء أداة أساسية للإدارة الفعالة والإدارة الاستراتيجية، حيث يتم من خلاله تقييم نجاح المؤسسات في تحقيق أهدافها. ورغم أن قياس الأداء يُعتبر ممارسة شائعة في القطاع الخاص، فإنه يكتسب أهمية متزايدة في القطاع الحكومي أيضًا. وفي أي بلد، يجب أن يسعى كل من القطاعين لتحقيق الكفاءة والفعالية، وهنا يبرز السؤال: ما أوجه التشابه والاختلاف بين قياس الأداء في القطاعين الحكومي والخاص، وما الأثر الاقتصادي الذي ينجم عن ذلك؟

قياس الأداء في القطاع الخاص:
في القطاع الخاص، يُستخدم قياس الأداء لتحديد مدى نجاح الشركات في تحقيق أهدافها. تعتمد الشركات على مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تقيس جوانب متعددة مثل الربحية، وكفاءة العمليات، ورضا العملاء. بفضل هذه الأدوات، تستطيع الشركات تحسين خدماتها ومنتجاتها، مما يساهم في زيادة أرباحها ونموها.
أهمية قياس الأداء في القطاع الحكومي
في السنوات الأخيرة، أصبح قياس الأداء ذا أهمية متزايدة في القطاع الحكومي. الحكومات تدرك أن استخدام بيانات دقيقة لتقييم الأداء يوفر لها رؤية أوضح حول تأثير السياسات والبرامج على حياة المواطنين. من خلال تطوير نظم لقياس الأداء، يمكن للحكومات تحسين الخدمات العامة، وتعزيز الشفافية، وزيادة المساءلة.
الأثر الإيجابي على الاقتصاد
تتعدد الفوائد الناتجة عن تطبيق قياس الأداء في القطاع الحكومي، وتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد:

  1. تحسين الخدمات العامة:
  • بفضل القياسات الدقيقة، يمكن للحكومة تقديم خدمات أكثر فعالية وكفاءة للمواطنين. تحسين الخدمات العامة يعزز من جودة الحياة، مما يشجع على النمو الاقتصادي المستدام.
  1. زيادة الشفافية:
  • يسهم قياس الأداء في تعزيز الشفافية والمساءلة، مما يؤدي إلى زيادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. عندما يثق المواطنون في حكومتهم، ينمو الإحساس بالاستقرار، مما يشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي.
  1. توجيه الموارد بشكل أفضل:
  • يساعد قياس الأداء الحكومات في توجيه مواردها إلى المجالات الأكثر احتياجًا، مما يسهم في تحقيق نتائج فعالة في وقت أقل. استثمار الأموال بشكل رشيد يعود بالنفع على الاقتصاد ككل.
  1. تحفيز الابتكار:
  • عندما تركز المؤسسات الحكومية على تحسين الأداء، فإنها تسعى أيضًا للابتكار وتطوير حلول جديدة. هذا الابتكار يمكن أن يولد فرص عمل جديدة ويساهم في تنمية الاقتصاد.

الفرق بين طرق قياس الأداء بين القطاعين:
رغم أوجه التشابه، هناك اختلافات جذرية في طرق قياس الأداء بين القطاعين:

  1. الأهداف:
  • الحكومة: تركز على تقديم الخدمات العامة مثل التعليم والصحة، والعدالة الاجتماعية، ورفاهية المجتمع. الهدف الأساسي هو تلبية احتياجات المواطنين وتعزيز جودة الحياة.
  • الشركات: تهدف إلى زيادة الأرباح، وحصة السوق، وقيمة المساهمين. التركيز هو على الأداء المالي والميزة التنافسية.
  1. مؤشرات الأداء:
    -الحكومة: في كلا القطاعين، يتم استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) لقياس الفعالية والكفاءة. أيضا، كلاهما يعتمد على البيانات والتحليلات لتقييم الأداء واتخاذ القرارات الاستراتيجية. فالحكومة تستخدم مزيجًا من المقاييس الكمية والنوعية، بما في ذلك رضا الجمهور، والقدرة على الوصول إلى الخدمات، ومؤشرات التأثير الاجتماعي.
  • الشركات: تركز بشكل أساسي على المقاييس المالية مثل الإيرادات، وهوامش الربح، والعائد على الاستثمار، ومؤشرات الأداء السوقي.
  1. المستفيدون وأصحاب المصالح:
    -الحكومة: مسؤولة أمام مواطنيها وأصحاب المصالح المختلفة (Stake Holders). يعتبر رضا المعنيين أولوية، مع التركيز على الشفافية والمساءلة.
    -الشركات: مسؤولة أمام المساهمين، والمستثمرين، والعملاء. الأولوية غالبًا هي زيادة قيمة المساهمين ورضا العملاء.
  2. مصادر التمويل:
    -الحكومة: تمول من خلال الموارد الطبيعية أو الضرائب، والمنح، والتمويل العام. يمكن أن يؤثر تخصيص الميزانية على معايير قياس الأداء.
    -الشركات: تمول من خلال الإيرادات الناتجة عن الخدمات أو المنتجات وعوائد الاستثمار. يرتبط الأداء بشكل مباشر بالنتائج المالية.
  3. البيئة التنظيمية:
    -الحكومة: تعمل ضمن إطار من القوانين، والأنظمة (وزارة المالية)، والسياسات (ديوان الخدمة) التي تهدف إلى ضمان المساءلة وتقديم الخدمات.
    -الشركات: تخضع للتشريعات السوقية، والمعايير الصناعية، ومتطلبات التقارير المالية. تركز الأنظمة على حماية المستثمرين وضمان المنافسة العادلة.
    6.الإطار الزمني:
    -الحكومة: غالبًا ما تأخذ قياسات الأداء في الاعتبار التأثيرات طويلة الأجل والنتائج الاجتماعية، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة ورفاهية المجتمع.
    -الشركات: عادةً ما تكون قياسات الأداء أكثر تركيزًا على المدى القصير، مع التركيز على النتائج المالية الربعية والأهداف التجارية الفورية.
  4. استجابة للطوارئ والأزمات:
    -الحكومة: قد تشمل قياسات الأداء فعالية إدارة الأزمات والاستجابة للطوارئ، مما يركز على السلامة العامة ومرونة القطاع.
    -الشركات: تركز على استمرارية العمليات، والاستقرار المالي، وسرعة الاستجابة خلال الأزمات.
  5. الابتكار والتغيير:
    -الحكومة: قد يكون الابتكار (تطبيق سهل) أبطأ بسبب البيروقراطية والحاجة إلى توافق الآراء بين المعنيين. غالبًا ما يقود التغيير التحولات في السياسات والإجراءات التشريعية.
  • الشركات: تسعى بشكل نشط للابتكار والتغيير للبقاء قادرة على المنافسة. هناك غالبًا ثقافة للتكيف والمخاطرة.
  1. قياس التأثير:
    -الحكومة: تركز على التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، مع التركيز على مؤشرات تتعلق بالتنمية المجتمعية، وجودة الحياة، والعدالة الاجتماعية كما يلعب دورًا هامًا في جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال.
    -الشركات: يتم قياس التأثير عادةً من خلال العوائد المالية، واكتساب العملاء، وقوة العلامة التجارية، والموقع في السوق. وهذا بدوره يعزز القدرة التنافسية للمؤسسات ويزيد من فرص العمل، مما يسهم في النمو الاقتصادي الشامل للبلد.
    التحديات المرتبطة بتطبيق قياس الأداء
    رغم فوائد قياس الأداء، إلا أن هناك تحديات تواجه هذا التحول في القطاع الحكومي. من بين هذه التحديات مقاومة تغيير الثقافة التنظيمية، وعدم توفر البيانات الكافية وتحليل البيانات بفعالية، والحاجة إلى تدريب موظفين (نفس منهجية CMA) واستحداث وظائف متخصصة (عن طريق ديوان الخدمة) في الأداء المؤسسي وتحسينه وضع خطط إستراتيجية ذات رؤية ورسالة، وخطط تشغيلية وأهداف واضحة وقابلة للقياس، مع ربط هذه الخطط بمؤشرات قياس الأداء خاصة الوظائف الإشرافية والقيادية وربطها بمؤشرات قياس الأداء بما يضمن محاسبة المقصّر ومكافأة المتميز.

الخاتمة:
في حين أن الحكومة والشركات تستخدمان أداة قياس الأداء لتقييم فعاليتهما وكفاءتهما، إلا أن التركيز، والمؤشرات، وهياكل المساءلة، والنتائج تختلف بشكل كبير. فهم هذه الاختلافات أمر ضروري لتقييم النجاح والتحديات التي تواجه كل قطاع. في عالم يتسم بالتغير السريع، يعد قياس الأداء من الأدوات الحيوية التي يجب أن تتبناها الحكومات أسوة بالقطاع الخاص، بل بآلية أقوي خصوصا فيما يخص العقاب والثواب لضمان تحسين خدماتها وتعزيز النمو الاقتصادي. إذا تمكنت الحكومة من تجاوز التحديات المرتبطة بقياس الأداء، فستكون قادرة على تحقيق نجاحات ملموسة تعود بالنفع على المواطنين وتساهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام. إن الاستثمارات في تحسين القياسات وتطوير الأداء الحكومي ليست مجرد واجب إداري، بل هي خطوة استراتيجية نحو مستقبل أفضل (رؤية الكويت 2035) وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى