قراءة حول كيف تقوم الصين بتحريك الدولار الامريكي

على طريقة التاي تشي (أربع أونصات تحرك ألف رطل): استراتيجية الصين باستخدام الحد الأدنى من القوة، لإعادة توجيه الدولار.
الاقتصاد العالمي
في عالم الأقطاب الاقتصادية، تتسيد فيه الولايات المتحدة العالم والهرم الغربي، في حين تعتلي الصين الجانب الشرقي. وعلى ما يبدوا بأن ميزان القوى الاقتصادية سيتغير بحدود عام 2030 في اتجاه الشرق!
استراتيجية الصين
قامت الصين مؤخراً باقتراض 2 مليار دولار من السندات السيادية المقومة بالدولار الأمريكي في المملكة العربية السعودية، مما يعني أن المستثمرين أقرضوا الدولار الأمريكي للحكومة الصينية الذين وعدوا بسدادها، وبعبارة أخرى أصبح الدولار في بكين!
تحليل السوق
تم الاكتتاب على السندات بأكثر من 20 ضعفًا، (مما يعني أكثر من 40 مليار دولار في الطلب على سندات بقيمة 2 مليار دولار)، وهو طلب أكثر بكثير من المعتاد على السندات السيادية بالدولار الأمريكي. لذلك يبدو بأن هناك جاذبية سوقية قوية جداً لديون الصين المقومة بالدولار.
سعر الفائدة على السندات كان قريباً بشكل ملحوظ من أسعار الخزانة الأمريكية (1-3 نقاط أساس أعلى فقط)، مما يعني أن الصين قادرة الآن على اقتراض الأموال – بالدولار الأمريكي- بنفس معدل حكومة الولايات المتحدة نفسها! هذا هو الحال بالنسبة لأي بلد آخر في العالم. كمعيار، عادة ما تدفع البلدان التي لديها أعلى تصنيفات ائتمانية AAA ما لا يقل عن 10-20 نقطة أساس على سندات الخزانة الأمريكية في الحالات النادرة عندما تصدر سندات بالدولار الأمريكي.
بيع السندات في السعودية، هو أمر غير اعتيادي لأن السندات السيادية عادة ما تصدر من المراكز المالية الرئيسية. ولعل اختيار السعودية جاء بالنظر إلى دورها التاريخي في تشييد نظام الدولار العالمي – البترودولار- أي بيع النفط بالدولار. من خلال إصدار سندات الدولار في السعودية التي تتنافس مباشرة مع سندات الخزانة الأمريكية، والحصول على نفس سعر الفائدة بشكل أساسي.
رسالة الصين
كل هذا مثير للاهتمام، ولكن لا يزال ليس هو السبب الرئيسي وراء الضجة في الإعلام. والسبب في ذلك هو أنهم يفترضون أن هذه جولة تجريبية من قبل الصين لإثبات قدرتها للولايات المتحدة أنه يمكن استغلال الدولار، مع عواقب مأساوية محتملة. ولو لم تقم الصين بإصدار سندات بقية 2 مليار دولار، وأصدرت 10-100 مليارات، ما يعنيه هذا بالنسبة للولايات المتحدة هو أن الصين ستتنافس بشكل فعال مع الخزانة الأمريكية في سوق الدولار العالمي. كما ستفتح الصين سوق آخر نحو إعادة تدوير دولارات الدول من الخزانة الأمريكية إلى الصينية بنفس السعر. من شأن ذلك أن يخلق نظاماً موازياً للدولار حيث سيكون الحكم فيه للصين. وستظل الولايات المتحدة تطبع الدولارات، لكن الصين ستدير ذلك. وستثبت الصين يوماً بعد يوم بأنه باستطاعتها العمل كمدير بديل للسيولة الدولارية في قلب نظام البترودولار. قد يكون ذلك استثماراً جيداً لبعض الحكومات، التي تمتلك مئات المليارات من احتياطيات الدولار. جانب آخر مهم وهو أن كل دولار يذهب إلى السندات الصينية بدلا من سندات الخزانة الأمريكية هو دولار واحد أقل يساعد في تمويل إنفاق الحكومة الأمريكية. في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من عجز هائل وتحتاج إلى بيع سندات الخزانة باستمرار لتمويل نفسها، فإن ظهور الصين كمصدر منافس لسندات الدولار يمكن أن يتطابق مع أسعار الخزانة، ويمكن أن يسبب مشاكل تمويل هائلة لحكومة الولايات المتحدة. ويمكن أن ينهي بشكل فعال ما يسمى “الامتياز الباهظ” للولايات المتحدة.
التكلفة على الصين
تحتاج الصين للبحث عن أماكن أخرى لاستثمار كل الدولارات الجديدة. فقد بلغ الفائض التجاري بالدولار للصين في العام 2023 حوالي 823 مليار دولار، والذي من المتوقع أن يصل إلى 940 مليار دولار في نهاية العام 2024، أي بزيادة مقدارها 14.2% سنوياً.
النتيجة المنتظرة
هذا هو المكان الذي يأتي فيه جمال مبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative- BRI. فمن بين 193 دولة من دول العالم، 152 منها هي جزء من هذه المبادرة. والسمة المشتركة للعديد من تلك الدول هي أنها مدينة بالدولار، لحكومة الولايات المتحدة أو المقرضين الغربيين الآخرين. هذا هو الشيء الذي يمكن أن تصبح فيه استراتيجية الصين ذكية حقاً. يمكن للصين استخدام الدولار لمساعدة BRI على سداد ديونها بالدولار للمقرضين الغربيين. ولكن هذا هو المفتاح، في مقابل مساعدة هذه البلدان على تسوية ديونها بالدولار، يمكن للصين ترتيب سدادها باليوان، أو بالموارد الاستراتيجية الأخرى، أو حتى من خلال ترتيبات ثنائية. هذا من شأنه أن يخلق فوزاً ثلاثياً للصين، فهم يتخلصون من دولاراتهم الزائدة، ويساعدون البلدان الشريكة على الهروب من الاعتماد على الدولار، ويعمقون التكامل الاقتصادي لهذه البلدان مع الصين. بالنسبة لبلدان BRI، فإن هذا جذاب لأنها تستطيع الهروب من فخ الديون المقومة بالدولار وتهديد العقوبات المالية الأمريكية والحصول على ظروف أفضل على الأرجح مع الصين، مما سيساعد على تنميتها. في الواقع، فإن هذا من شأنه أن تضع الصين نفسها كوسيط في قلب نظام الدولار حيث لا تزال الدولارات تعود في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة – فقط من خلال مسار يبني النفوذ الصيني بدلا من التأثير الأمريكي ويقوض تدريجياً قدرة الولايات المتحدة على تمويل نفسها مع كل العواقب المترتبة على التضخم، وما إلى ذلك.
أدوات الصد الأمريكية
ليس لدى الولايات المتحدة الكثير من الأدوات اللازمة لصد مثل تلك الاستراتيجيات. بيد أن لديهم البعض لفعله:
التهديد أو فرض العقوبات على الدول التي تشتري سندات الدولار الصيني. لكن هذا من شأنه أن يوضح كذلك أن أصول الدولار ليست في مأمن في الواقع من التدخل السياسي الأمريكي، مما يزيد من تشجيع البلدان على التنويع، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة. تأتي قوة الدولار جزئياً من تأثيرات الشبكة – يستخدمها الجميع لأن الجميع يستخدمونها – ولكن كما حدث في أزمة روسيا-أوكرانيا، تخلق العقوبات لحظة تنسيقية للبلدان للابتعاد معا، مما يضعف تأثيرات الشبكة هذه.
ممكن أن يرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لجعل سندات الخزانة الأمريكية أكثر جاذبية. لكن هذا سيكون هزيمة ذاتية، من شأنه أن يزيد من تكاليف الاقتراض الخاصة بحكومة الولايات المتحدة في وقت تكافح فيه بالفعل مع عجز هائل، مما قد يؤدي إلى حدوث ركود. والصين التي تحصل على أسعار مماثلة للولايات المتحدة، يمكن أن تتطابق ببساطة مع أي زيادة في الأسعار.
يمكن أن تذهب إلى الخيار النووي، المتمثل في تقييد قدرة الصين على مسح معاملات الدولار، ولكن هذا من شأنه أن يجزئ النظام المالي العالمي على الفور، مما يقوض دور الدولار كعملة احتياطية عالمية وهو بالضبط ما لا تريده الولايات المتحدة. ومع كون الصين أهم شريك تجاري لدول العالم، لا شيء أقل يقينا من أن الولايات المتحدة ستخسر هذا الرهان.
القيادة لمن؟!
من المرجح أن تكون هذه مجرد رسالة شديدة اللهجة من الصين إلى إدارة ترامب القادمة، بإمكانياتها القيام بذلك. جمال هذه الخطوة هي بأناقتها الاستراتيجية، فهي لا تكلف الصين بعض العنف شيئاً لإظهارها، ولكنها تجبر الولايات المتحدة على الخروج من منطقة الأمان.
Arnaud Bertrand
Co-Founder of House Trip
قراءة وتحليل/ نايف بن عبد الجليل بستكي
www.excpr.com
