مقالات

البطالة وآثارها على الاقتصاد



بقلم المحامي د / أحمد الفريحان


عرف قاموس كامبريدج البطالة بأنها ظاهرة اقتصادية تتمثل بعدم توفر وظيفة تتيح دخلاً ماليا للفرد. كما عرفها بلغة الأعمال بأنها عدد السكان أو النسبة المئوية منهم ممن لا يمتلكون أي وظيفة بالرغم من قدرتهم على العمل، وبحثهم المنتظم عن فرصة في دولة أو منطقة معينة.
وعلي الرغم من أن وجود عدد محدود من الأفراد العاطلين عن العمل لن يكون له تأثير كبير على المجتمع، وهو أمر طبيعي، إلا ان ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير في مجتمعات معينة سيحمل تأثيراً سلبياً على الأفراد، وعلى المجتمع بأكمله.
أبرز ما يمكن معرفته عن مفهوم البطالة: –
تظهر أهمية البطالة كمؤشر اقتصادي رئيسي للدول، فزيادة عدد العاطلين عن العمل تؤدي إلى تقليل الناتج الاقتصادي الإجمالي للدولة، لذا تستخدم العديد من الدول معدل البطالة والتقارير أو التحليلات المتعلقة بحجم البطالة لديها، لفهم وضعها الاقتصادي أكثر.
وجدير بالذكر أن للبطالة عدة فئات، إلا أن الفئتين الأكثر شيوعاً هما البطالة الطوعية التي تحدث عندما يختار الشخص ترك وظيفته بإرادته مهما كانت الأسباب، والبطالة غير الطوعية التي تحدث عندما يخسر الفرد وظيفته رغماً عنه، كأن يتم فصله من قبل جهة العمل، مما يضطره إلى البحث عن عمل جديد.
ومن أكثر مقاييس البطالة شيوعاَ معدل البطالة الذي يحسب غالباً بالاعتماد على معايير ومفاهيم منظمة العمل الدولية بقسمة عدد الباحثين عن العمل علي عدد الأشخاص في القوي العاملة، ثم ضرب ناتج القسمة في 100 للحصول علي نسبة البطالة، علما بأن القوي العاملة هي إجمالي عدد الأشخاص العاطلين عن العمل بالإضافة إلي الأشخاص العاملين، مع التنويه إلى اختلاف منهجية حساب هذا المعدل أحياناً بين الدول، وتعريف بعض المصطلحات أو توضيح الاستفسارات المتعلقة به مثل: من هو الشخص العاطل عن العمل؟ ومن الذي يعد ضمن فئة القوي العاملة؟
تتبع معظم الدول في العالم ثلاثة شروط رئيسية لاحتساب الفرد ضمن إحصاءات البطالة، وهي: ألا تكون له أي وظيفة مدفوعة يشغلها، وأن تكون له جهود فعلية ونشطة في البحث عن فرص عمل، وأن يكون متاحاً للعمل ويمكنه البدء فوراً بمجرد تلقيه عرض التوظيف. كما تشمل البطالة فئات أخرى، كالأشخاص الذين توقفوا عن البحث عن وظيفة لفقدانهم الأمل، أو الأشخاص الذين يعملون بدوام جزئي، ولكنهم يفضلون العمل بوظيفة بدوام كامل.
والجدير بالذكر أن حساب معدل البطالة في الغالب قد لا يشمل الأشخاص الذين يغادرون سوق العمل لأسباب غير عملية مثل التقاعد، أو التوقف عن العمل لمتابعة التعليم العالي رغبة في اكتساب مؤهلات جديدة، بالإضافة إلى ذلك لا يعد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية جزءاً من القوي العاملة المباشرة، لأنهم غالباً ما يحتاجون إلى دعم خاص، أو توظيف مخصص لظروفهم الصحية.
آثار البطالة على المجتمع: –
تؤثر البطالة بشكل كبير على اقتصاد المجتمع، فمعدلات البطالة العالية في مناطق معينة غالباً ما تؤدي إلى قلة فرص العمل المتاحة فيها، وارتفاع معدلات الفقر وتدهور جودة السكن ومقومات الحياة الأساسية للأفراد أو انخفاض مستوياتها. أما الحكومات التي تعاني من آثار البطالة الاقتصادية على ميزانيتها فتجد صعوبة في توفير المرافق الأساسية والترفيهية لمواطنيها، ومحدودية الخدمات العامة التي تقدمها.
ومن ضمن إحدى الدراسات التي أجريت حول الآثار السلبية الشاملة التي يمكن أن تحدثها البطالة من الجانب الاجتماعي على مستوى العالم.
وأشارت الدراسة إلى أن ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة والعنف والتطرف، وقد يتسبب في تفكك المجتمع، وزيادة السلوكيات العدوانية فيه، إذ يمكن أن يلجأ البعض إلى الجريمة كوسيلة للحصول على الدخل عندما يفقدون وظائفهم، أو عند عدم امتلاكهم وظيفة، مما يعني انعدام مصادر الدخل الأساسي.
أما فئة الشباب تحديداً فكثيراً ما تؤثر البطالة في اتخاذهم قرار الزواج، وبالتالي تأخير سن الزواج، أو عزوفهم عنه، نتيجة عدم الاستقرار المالي وعدم القدرة علي تحمل تكاليفه ومسئولياته المالية، مما سيؤثر على الفتيات أيضاً فتزيد الضغوط الاجتماعية على الطرفين.
كما قد يصبح العاطل عن العمل أكثر عرضة للمشكلات الاجتماعية، مما يؤدي إلى انعزاله، وعدم تحمله المسئولية المجتمعية، إضافة إلى تشوه المفاهيم التي تربطه مع بيئته وعدم شعوره بالانتماء إليها.
ولأن المشكلات الاجتماعية التي تنشأ عن البطالة هي مشكلات متشابكة ومركبة، أي يمكن أن تكون كل مشكلة سببا لمشكلة أخرى، وليست نتيجة مباشرة فقط للبطالة، فقد يؤثر الفقر الناتج من البطالة على العديد من النواحي الاجتماعية، فيؤدي إلى زيادة العنف الأسري والطلاق، إضافة إلى تدني المستوى الصحي والغذائي للأسر لصعوبة تلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك السكن والغذاء والرعاية الصحية، وبالتالي التأثير سلباً على جودة حياتهم وفرصهم وزيادة التحديات التي يواجهها المجتمع بشكل عام.
ختاماً :-
على الرغم من تسليط الضوء على الآثار السلبية للبطالة على المجتمع، إلا أنه لا بد أيضاً من إداراك أن فرص التحسين والتطور متاحة دائماً، إذ تشكل التحديات فرصاً للتغيير والنمو، وتلهم الإبداع والابتكار، من خلال الجهود الشاملة التي تبذلها بعض الدول في تطوير برامج توظيف وتدريب متخصصة، وتشجيع ريادة الأعمال ودعم الشركات كوسيلة لخلق فرص عمل جديدة، وتمكين الشباب والباحثين عن عمل وتعزيز مهاراتهم.
ومن جانب آخر، يقع على عاتق الأفراد دور مهم أيضا في مكافحة البطالة، بتطوير المهارات وتعلمها، والبحث الفعال عن فرص عمل متوافقة مع مؤهلاتهم وخبراتهم، والنظر في إمكانية إنشاء الأعمال الخاصة، فهذه الاستراتيجيات ستحسن فرص العمل وتعزز بالتالي الاقتصاد المحلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى