مقالات

قراءة في الاقتصاد العالمي لعام 2025: تحديات واستحقاقات

• الولايات المتحدة: بين “الهبوط الناعم” ومخاطر السياسات التجارية

لفهم معالم عام 2025، يجب العودة إلى القوى التي رسمت ملامح 2024. في الولايات المتحدة، أثبتت المرحلة الأخيرة من تخفيض التضخم صعوبة توقعاتها. ورغم التقدم التدريجي نحو هدف الاحتياطي الفيدرالي، الذي نجح في خفض معدل التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي إلى أقل من 3%، بقيت آثار ارتفاع الأسعار منذ 2021 تلقي بظلالها على معنويات المستهلكين.

نجح الاقتصاد الأمريكي في تقليل التضخم دون ارتفاع كبير في البطالة، التي استقرت عند 4.2% في نوفمبر. هذا الإنجاز عزز نظرية “الهبوط الناعم”، مما منح دفعة كبيرة للأسهم الأمريكية، مع اقتراب مؤشر S&P 500 من تحقيق مكاسب تاريخية. ومع ذلك، فإن الحماس في الأسواق المالية يخفي تحديات أساسية، حيث أدت الفجوة بين تعافي السوق المالي وصعوبات الأسر الأمريكية إلى تأثير على نتائج الانتخابات.

أجندة إدارة ترامب للعام القادم تحمل مخاطر متعددة، منها إمكانية فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على الشركاء التجاريين وسياسات هجرة أكثر صرامة. ومن المتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في تقليص نمو القوى العاملة الأمريكية وزيادة التضخم، بينما قد يؤدي تمديد تخفيضات الضرائب إلى تضخم العجز الفيدرالي.

كندا: مفترق طرق اقتصادي

على الجانب الآخر من الحدود، تواجه كندا اقتصادًا راكدًا رغم استمرار النمو السكاني بوتيرة مرتفعة، بفضل سياسات الهجرة. ومع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 3.5% منذ منتصف 2022، يسعى بنك كندا لدعم الاقتصاد عبر سياسات نقدية ميسرة وتوقعات لتخفيضات إضافية في أسعار الفائدة خلال 2025.

رغم التحديات، هناك بوادر للتفاؤل تشمل زيادة التحفيز المالي وتحسين شروط سوق الإسكان عبر تمديد آجال الرهون العقارية. ومع ذلك، فإن التهديدات التجارية، بما في ذلك احتمال فرض تعريفات أمريكية، تضعف توقعات النمو طويل الأجل.
منطقة اليورو: القلق يعود بشأن إمدادات الطاقة في أوروبا
هناك حالة من عدم اليقين الجديد بشأن إمدادات الطاقة في أوروبا بعد إعلان أوكرانيا أنها لن تجدد الاتفاق الذي يسمح لروسيا بإرسال الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب أوكرانية. يستمر العرض الوفير والطلب الضعيف في الضغط على أسعار النفط. بعد أن بلغت أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) نحو 85 دولارًا للبرميل في يوليو، كانت تتداول بأقل من 70 دولارًا في وقت كتابة هذا التقرير.
وقد شهد عام 2014 انتهاء أزمة الطاقة تدريجيًا في في أوروبا، واستقرار التضخم عند مستويات مقبولة، قرر البنك المركزي الأوروبي مؤخرًا خفض أسعار الفائدة، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصادات المتعثرة وتحفيز النمو في ظل ضعف الطلب المحلي وتباطؤ الصادرات.

هذه الخطوة تعكس توجهًا أوروبيًا أكثر مرونة مقارنة بالأعوام الماضية، حيث تسعى دول منطقة اليورو إلى تحقيق توازن بين مكافحة التضخم وتعزيز النشاط الاقتصادي. ورغم ذلك، فإن هذا القرار يواجه انتقادات، حيث يرى البعض أنه قد يؤدي إلى تفاقم أزمات الديون في بعض الدول الأعضاء إذا لم يُترجم إلى نمو حقيقي ومستدام.

الشرق الأوسط: فرص وتحديات في بيئة متغيرة

في منطقة الشرق الأوسط، يشهد الاقتصاد تباينًا ملحوظًا بين دول الخليج المنتجة للنفط ودول أخرى تعتمد على تحويلات المغتربين والسياحة. بينما تستفيد دول الخليج من استقرار أسعار النفط والاستثمارات الضخمة في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة، تظل الدول الأخرى تواجه تحديات مالية واقتصادية كبيرة.

ومع استمرار التوترات الجيوسياسية، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات اقتصادية أكثر تنوعًا، خاصة في ظل التحولات العالمية نحو تقليل الاعتماد على النفط.

الكويت: بين استقرار القطاع النفطي وتحديات التنويع الاقتصادي

في الكويت، يستمر الاقتصاد في الاعتماد بشكل كبير على القطاع النفطي، حيث تُعد عائدات النفط المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. ومع استقرار أسعار النفط في نطاق يتراوح بين 80 و85 دولارًا للبرميل، تتوقع الكويت تحقيق فائض مالي يُستخدم لتعزيز الاحتياطيات العامة ودعم الإنفاق الحكومي.

رغم هذا الاستقرار النسبي، تواجه الكويت تحديات كبيرة على صعيد التنويع الاقتصادي وتنفيذ رؤية “كويت جديدة 2035”. هناك حاجة ملحة لتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك تحسين بيئة الأعمال، وتطوير القطاعات غير النفطية، مثل التكنولوجيا المالية (FinTech)، والخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة.

من جهة أخرى، يشهد القطاع المصرفي الكويتي تطورًا مستمرًا مع تركيز البنوك المحلية على تبني الحلول الرقمية وتعزيز قدراتها التنافسية في المنطقة. ومع ذلك، فإن تأخير إقرار الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية يُشكل تحديًا أمام تحقيق النمو المستدام، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على سوق العمل بسبب البطالة بين الشباب وارتفاع نسبة العمالة الوافدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الجيوسياسية في المنطقة قد تؤثر على المناخ الاستثماري. ومع ذلك، إذا تمكنت الحكومة من تسريع مشاريع البنية التحتية الكبرى وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، فقد تحقق الكويت نموًا اقتصاديًا معتدلًا يتراوح بين 2.5% و3% في عام 2025.

اقتصاد آسيا وأستراليا والصين: نمو متفاوت وتحديات هيكلية

في آسيا، يواجه الاقتصاد الإقليمي تحديات هيكلية تؤثر على النمو المستدام، حيث يختلف الوضع من دولة إلى أخرى. في الصين، يستمر النمو الاقتصادي في التباطؤ نتيجة للعديد من العوامل مثل انكماش قطاع العقارات، وتزايد الضغوط على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن مشاكل الديون التي تهدد استقرار بعض الشركات الكبرى. رغم هذه الصعوبات، تسعى الحكومة الصينية إلى التحفيز الاقتصادي عبر زيادة الإنفاق على البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال في قطاعات التكنولوجيا والخدمات. إلا أن الانتقال نحو نموذج نمو أكثر استدامة قائم على الاستهلاك المحلي بدلاً من الاستثمار والعقارات قد يتطلب وقتًا أطول من المتوقع.

أما في الهند، فإن الاقتصاد يواصل الاستفادة من قاعدة سكانية شابة وحيوية، مما يمنحها مزايا تنافسية على المدى الطويل. تتوقع الهند نموًا قويًا في عام 2025، مدعومًا بزيادة في الاستثمارات الأجنبية والتوسع في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات. ومع ذلك، تبقى التحديات المرتبطة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين بنية التعليم والرعاية الصحية في العديد من المناطق الريفية.

في أستراليا، تواصل الحكومة اتخاذ خطوات للتحفيز الاقتصادي في ظل تباطؤ النمو العالمي، مع التركيز على زيادة الاستثمارات في قطاع التعدين والطاقة المتجددة. من المتوقع أن تظل معدلات النمو في أستراليا مستقرة في عام 2025، لكن الأسواق المحلية قد تواجه ضغوطًا بسبب تقلبات أسعار السلع الأساسية التي تمثل جزءًا كبيرًا من صادرات البلاد.

نصيحة 2025: الاستعداد دون الذعر

في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية حول العالم، عام 2025 يبدو عامًا مليئًا بالتغيرات والفرص. الاستعداد المبكر، وتنويع الاستراتيجيات الاقتصادية، والتركيز على الابتكار والاستدامة سيكون المفتاح لتحقيق التوازن والاستفادة من الفرص المتاحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى