مقالات

إلفيرا نابيولينا: المرأة التي أنقذت الاقتصاد الروسي وصنعت الاستقرار في اقتصاد الحرب المضطرب

مقارنة مع أبرز الشخصيات الاقتصادية النسائية

• نابيولينا إحدى أقوى الشخصيات الاقتصادية في العصر الحديث.
• إلفيرا نابيولينا وحفيظة غاية إركان نموذجاً ملهماً للقيادة النسائية في مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى.
• إرث نابيولينا: رؤية نسائية استثنائية في زمن التحديات
• إدارة إلفيرا نابيولينا للأزمات درس في القيادة النسائية الاقتصادية.
• سمات قيادية نادرة، تُظهر مزيجاً استثنائياً من الحنكة الاقتصادية والصلابة الاستراتيجية.
• مكانة بارزة بين أقوى الشخصيات النسائية في المجال الاقتصادي.
• كيف يمكن مقارنتها بشخصيات أخرى تركت بصماتها في الاقتصاد والسياسة، سواء كانوا رجالًا أو نساءً؟

على مر العقود، صعدت شخصيات اقتصادية إلى الواجهة في لحظات تاريخية فارقة، سواء كان ذلك أثناء الأزمات الاقتصادية أو في خضم التحولات الكبرى، حيث أصبح نجاحهم أو إخفاقهم مرتبطًا بمصير دول بأكملها. من بين هذه الأسماء اللامعة تبرز إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي، التي استطاعت بفضل رؤيتها الاستراتيجية الحفاظ على استقرار الاقتصاد الروسي في ظل تحديات كبرى، والتي وصفت بأنها “المرأة التي أنقذت اقتصاد روسيا”.

إلفيرا ساخيبزادوفنا نابيولينا، شخصية اقتصادية روسية بارزة، تمكنت من ترك بصمة واضحة في عالم الاقتصاد والسياسة الروسية. ولدت في 29 أكتوبر 1963 في مدينة أوفا بروسيا، نشأت في عائلة متواضعة، والدها كان سائق شاحنة ووالدتها عاملة في مصنع
وتخرجت من جامعة موسكو الحكومية، ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة ييل الأمريكية.
حياتها الشخصية:
• متزوجة من الاقتصادي ياروسلاف كوزمينوف
• معروفة بأسلوب حياتها المتواضع وتركيزها على العمل
سمات شخصيتها:
• شخصية قوية: تتميز نابيولينا بشخصية قوية وحازمة، مما أهلها لتولي مناصب قيادية صعبة. اضطرت للموازنة بين الاستقلالية المهنية والضغوط السياسية، وتتميز بأسلوب تكنوقراطي مقارنة بنظرائها وهي أكثر تحفظاً في التواصل الإعلامي.
• كفاءة عالية: تتمتع بمعرفة واسعة بالاقتصاد والسياسة، وقادرة على اتخاذ قرارات صعبة في أوقات الأزمات.
• رؤية مستقبلية: لديها رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد الروسي، وتعمل جاهدة لتحقيقها.
مظهر إلفيرا نابيولينا:
• تتميز بمظهر مهني ورسمي
• معروفة بارتداء البدلات الرسمية بألوان كلاسيكية
• تشتهر بتسريحة شعر قصيرة ومرتبة
• غالباً ما ترتدي المجوهرات البسيطة والأنيقة
• تظهر دائماً بمظهر محافظ يعكس منصبها الرسمي
بداياتها المهنية:
• بدأت نابيولينا حياتها المهنية في المجال الأكاديمي والبحثي، حيث عملت في عدة جامعات ومراكز أبحاث.
• انتقلت بعد ذلك للعمل في القطاع الحكومي، حيث شغلت مناصب قيادية في وزارة الاقتصاد الروسية في التسعينيات، وكذلك وزارة التجارة الروسية (2007-2012).
• تم تعيينها كمستشارة اقتصادية للرئيس بوتين.
• أصبحت رئيسة البنك المركزي الروسي في عام 2013، وهو المنصب الذي تشغله حتى اليوم.

إنجازاتها:
• نجحت في إدارة الأزمات الاقتصادية المختلفة التي واجهت روسيا
• عُرفت بسياساتها النقدية المحافظة ومكافحة التضخم
• حصلت على لقب “أفضل محافظ بنك مركزي” في أوروبا عدة مرات
صعودها إلى القمة بكيفية تعامل نابيولينا مع تحديات الدفع العالمية:
• في عام 2012، تم تعيينها مستشاراً اقتصادياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
• وفي عام 2013، تم تعيينها رئيسة للبنك المركزي الروسي، وهو منصب بالغ الأهمية في الاقتصاد الروسي.
منذ توليها هذا المنصب، نجحت نابيولينا في تحقيق العديد من الإنجازات، منها:
o تثبيت سعر صرف الروبل: بعد التقلبات الشديدة التي شهدها الروبل في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، نجحت نابيولينا في تثبيت سعر الصرف وتقليل التضخم.
o إصلاح النظام المصرفي: قامت بإجراء إصلاحات جوهرية في النظام المصرفي الروسي، مما أدى إلى تعزيز استقراره.
o تعزيز دور البنك المركزي: عززت دور البنك المركزي كجهة مستقلة مسؤولة عن السياسة النقدية، مما ساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد الروسي.
o نظام “مير” للدفع المحلي: طورت نظام “مير” للبطاقات المصرفية منذ 2015 وأصبح بديلاً محلياً لفيزا وماستركارد. يستخدم حالياً في روسيا وبعض الدول المتعاونة معها مثل: بيلاروسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، تركيا (جزئياً)، وفيتنام.
o بديل نظام سويفت (SPFS): طورت نظام SPFS كبديل محلي لنظام سويفت ليربط البنوك الروسية مع بعضها، ووسعت استخدامه ليشمل بنوكاً في دول أخرى متعاونة، ويعمل بالتوازي مع نظام المدفوعات الصيني (CIPS).
o استراتيجيات إضافية: تعزيز التعاملات بالعملات المحلية مع الشركاء التجاريين، وتطوير آليات مقاصة ثنائية مع دول محددة، وزيادة استخدام العملات البديلة للدولار في التجارة الدولية.
أهميتها:
• تعتبر إلفيرا نابيولينا واحدة من أهم الشخصيات الاقتصادية في روسيا والعالم، وقد ساهمت جهودها في تعزيز استقرار الاقتصاد الروسي وزيادة ثقته على الصعيد الدولي.

لكن كيف يمكن مقارنتها بشخصيات أخرى تركت بصماتها في الاقتصاد والسياسة، سواء كانوا رجالًا أو نساءً؟

  1. بين نابيولينا وحفيظة غاية إركان
    حفيظة غاية إركان وإلفيرا نابيولينا: قيادتان نسائيتان في ظل أزمات اقتصادية
    تعد حفيظة غاية إركان (رئيسة البنك المركزي التركي) وإلفيرا نابيولينا (رئيسة البنك المركزي الروسي) من أبرز الشخصيات النسائية الاقتصادية في العالم اليوم، إذ تواجهان تحديات كبرى في إدارة الاقتصاد في بلديهما. وعلى الرغم من اختلاف السياقات السياسية والاقتصادية، فإن هناك أوجه تشابه واختلاف مهمة بين تجربتيهما.

نقاط التشابه:
 قيادة اقتصادية في ظل أزمات كبرى:
 إركان: تم تعيينها على رأس البنك المركزي التركي وسط أزمة تضخم شديدة، وهبوط في قيمة الليرة التركية، وضغوط سياسية تتطلب إصلاح السياسات النقدية.
 نابيولينا: قادت البنك المركزي الروسي خلال فترات حرجة مثل العقوبات الغربية الكبرى والحرب في أوكرانيا، مع تحديات تتعلق باستقرار الروبل.

 أهمية السياسات النقدية:
كلاهما استخدم أدوات السياسة النقدية كوسيلة رئيسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
 نابيولينا اعتمدت على سياسات تقليدية مثل رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم.
 إركان واجهت ضغوطاً سياسية في تبني سياسات مماثلة في تركيا.

 الاستقلالية في مواجهة الضغوط السياسية:
 على الرغم من الضغوط السياسية الكبيرة، تحاول كلتا القائدتين الحفاظ على استقلالية مؤسستيهما في اتخاذ قرارات حاسمة للحفاظ على ثقة الأسواق.

 الخبرة الدولية:
 نابيولينا: لديها علاقات وثيقة مع المؤسسات الدولية، إضافة إلى خبرتها الطويلة في السياسة الاقتصادية الروسية.
 إركان: عملت في مؤسسات مالية دولية بارزة مثل “غولدمان ساكس”، مما أكسبها خبرة عميقة في الأسواق العالمية.

الاختلافات الجوهرية:
السياق السياسي والاقتصادي:
 نابيولينا: تعمل في سياق دولة تواجه عزلة دولية بسبب العقوبات الغربية. تركز جهودها على تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية.
 إركان: تواجه اقتصاداً مفتوحاً، ولكنه يعاني من أزمات تضخم وهشاشة في الثقة بسبب التدخل السياسي في السياسات النقدية.

استراتيجيات السياسة النقدية:
 نابيولينا: تعتمد سياسات نقدية تقليدية وصارمة، مثل رفع أسعار الفائدة بشكل كبير، مما أثبت نجاحه في استقرار العملة والتضخم.
 إركان: تواجه تحدياً في تطبيق سياسات نقدية تقليدية بسبب التدخلات السياسية التي تدفع نحو خفض أسعار الفائدة رغم معدلات التضخم العالية.

درجة الاستقلالية:
 نابيولينا: تتمتع باستقلالية نسبية في اتخاذ قراراتها الاقتصادية، رغم البيئة السياسية الضاغطة.
 إركان: استقلاليتها محدودة، حيث أن السياسات النقدية تخضع لتأثير مباشر من الرئيس رجب طيب أردوغان.

التحديات الخارجية:
 نابيولينا: تركز على التعامل مع تأثير العقوبات الغربية، وإعادة هيكلة الاقتصاد الروسي ليصبح أقل اعتماداً على الأسواق الدولية.
 إركان: تركز على استعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في الاقتصاد التركي.
النتائج حتى الآن:
 إلفيرا نابيولينا: تُعتبر تجربتها ناجحة نسبياً في استقرار الاقتصاد الروسي وسط تحديات غير مسبوقة. استراتيجيتها أثبتت فعاليتها في استقرار الروبل وخفض التضخم.
 حفيظة غاية إركان: لا تزال تجربتها في بدايتها. تواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في كبح التضخم مع الامتثال للضغوط السياسية، مما يجعل تقييم نجاحها النهائي مرهوناً بالنتائج المستقبلية.
تمثل كل من حفيظة غاية إركان وإلفيرا نابيولينا نموذجاً ملهماً للقيادة النسائية في مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى. ورغم أن التحديات والسياقات مختلفة، فإن نجاحهما يعتمد على قدرتهما على الحفاظ على التوازن بين اتخاذ قرارات اقتصادية صائبة واستيعاب الضغوط السياسية والاقتصادية المحيطة بهما.
2- بين نابيولينا وكريستين لاغارد: مقارعة الأزمات بلمسة نسائية
لطالما وُضعت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي حاليًا والمديرة السابقة لصندوق النقد الدولي، كنموذج للمرأة القيادية التي نجحت في تشكيل وإصلاح السياسات النقدية والمالية على المستوى العالمي. بالمقابل، ركزت نابيولينا بالتعامل مع أزمة داخلية كبري وعلى حماية الاقتصاد الروسي من تداعيات العقوبات الغربية وتحديات العزل الاقتصادي.

نقاط التشابه:
• كلاهما تولتا مناصب قيادية في لحظات حرجة ووسط أزمات كبرى تتطلب قرارات استراتيجية جريئة.
• تشترك كريستين لاغارد مع نابيولينا في كونها من النساء القلائل اللواتي ترأسن بنوكاً مركزية كبرى.
• بينما جاءت نابيولينا من خلفية اقتصادية بحتة، جاءت لاغارد من خلفية قانونية
• تمتعت كلتا الشخصيتين بالقدرة على اتخاذ إجراءات غير شعبية مثل رفع أسعار الفائدة وتشبيه التضخم بالشخص المريض المحموم (نابيولينا) أو فرض سياسات تقشفية (لاغارد) لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

الاختلافات الجوهرية:
•لاغارد عملت في إطار مؤسسات متعددة الأطراف، مما وفر لها دعماً دولياً أكبر، بينما اضطرت نابيولينا إلى مواجهة العزلة العالمية بشجاعة وابتكار روسي داخلي لحماية اقتصاد واحد ضد ضغوط دولية هائلة. حيث البيئة السياسية لنابيولينا كانت أكثر تعقيداً وضغطاً، مما جعل نجاحها تحدياً استثنائياً و لكن أظهرت مرونة استثنائية في إدارة العقوبات.
 نابيولينا ومارغريت تاتشر: القرار الصعب والنتائج الحاسمة
مارغريت تاتشر، لم تكن اقتصادية بالمعنى التقليدي، أول رئيسة وزراء لبريطانيا، قادت إصلاحات اقتصادية عميقة اقتصادية جذرية عُرفت بـ” تاتشرية”، غيّرت وجه المملكة المتحدة. رغم اختلاف مجالاتهما، يجمع بين تاتشر ونابيولينا الإصرار على اتخاذ قرارات حاسمة أثارت جدلاً واسعاً.

نقاط التشابه:
•اتسمت كلتاهما بالشجاعة في مواجهة انتقادات واسعة أثناء تطبيق سياساتهما.
•تميزتا بالتركيز على النتائج طويلة الأمد على حساب الشعبية الآنية وتصران على اتخاذ قرارات صعبة، مثل خفض الدعم أو تحرير الأسعار، من أجل تحقيق أهداف طويلة الأمد.

الاختلافات الجوهرية:
•تاتشر كانت شخصية سياسية بارزة أثرت مباشرة في الاقتصاد عبر قرارات حكومية وكجزء من جدول أعمالها السياسي، بينما اقتصرت نابيولينا على العمل الفني في السياسة النقدية بعيداً عن الأضواء السياسية.
•الإصلاحات التي قادتها تاتشر كانت ذات طابع هيكلي، بينما ركزت نابيولينا على إدارة الأزمات وحماية الاقتصاد الروسي من الانهيار.

إرث نابيولينا: رؤية نسائية استثنائية في زمن التحديات
ما يجعل إلفيرا نابيولينا شخصية فريدة هو قدرتها على تحقيق الاستقرار في ظروف سياسية واقتصادية معقدة. لم تكتفِ بالدفاع عن الروبل أو التحكم في التضخم، بل أظهرت مرونة وابتكاراً في مواجهة ضغوط العقوبات الغربية وتحديات الحرب.
عند مقارنتها بشخصيات مثل كريستين لاغارد وآلان غرينسبان ومارغريت تاتشر، يتضح أن نابيولينا تمتلك سمات قيادية نادرة، تُظهر مزيجاً استثنائياً من الحنكة الاقتصادية والصلابة الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن إرثها لا يزال يتشكل، فإن مكانتها كواحدة من أهم الشخصيات الاقتصادية في القرن الحالي باتت مؤكدة.

الخلاصة:
إلفيرا نابيولينا ليست فقط حارسة الاقتصاد الروسي، بل مثالاً حيّاً على كيف يمكن للعقول القيادية النسائية أن تُحدث فرقاً حتى في أحلك الظروف، وقد أصبح جليا أن قوتها تكمن في التكيف مع الظروف المحلية والدولية المعقدة، واستخدام أدوات السياسة النقدية ببراعة للدفاع عن اقتصاد روسيا. إنها تذكير دائم بأن الأزمات تصنع القادة، وأن الاستقرار في مواجهة العواصف هو أعظم إنجاز لأي شخصية اقتصادية. وعلى الرغم من أن التاريخ سيحكم بشكل كامل على إرثها، فإن مكانتها كإحدى أقوى النساء في المجال الاقتصادي تبدو غير قابلة للجدل، ويمكن القول إنها ليست فقط “حارسة الاقتصاد الروسي”، بل رمزًا للقيادة الاقتصادية في أوقات الأزمات.

د. عدنان البدر.
باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.
ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى