مقالات

“كن رجلاً ولا تتبعني “

بقلم المهندس: مشعل الملحم

ماذا لو فكرنا أن نختار عاصمة لدول الخليج العربي، فأي مدينة ستكون؟ من المسلمات أنه حين يتم اختيار عاصمة للدولة فإن أصحاب القرار والمعنيين سيميلون للمدينة ذات الثقل السياسي والاقتصادي، ونظراً لكون القرار الاقتصادي في عصرنا هذا أصبح قائداً ومحركاً للقرار السياسي، فإن المدينة ذات الوهج الاقتصادي الأعلى، هي المدينة ذات الحظوظ الأعلى في اختيارها كعاصمة، وبتطبيق هذا الأمر على دول الخليج نجد أن دبي تتمتع بمقومات جذابة لتكون مرشحة لذلك، فكل الشركات العالمية والمؤسسات الدولية، تفضل أن يكون مقرها الإقليمي في دبي لاعتبارات كثيرة، منها نطاق الحرية الاجتماعية والدينية والاقتصادية، مما دفع الخليجيين للسفر إلى دبي لمقابلة تلك الشركات، كما يسافر الفلاح في صعيد مصر إلى القاهرة لإنجاز معاملاته، أو البحث عن فرص عمل، أو العلاج أو غيرها…ا! وأصبحت مدن الخليج مدن إقليمية تدور في فلك دبي، كما هي البصرة بالنسبة لبغداد، وكما هي الدمام بالنسبة للرياض، بل أن الكفاءات العربية والأجنبية العاملة في بعض المدن الخليجية الأخرى أصبحت تفضل الانتقال إلى دبي، كما ينتقل الموظف المصري من دمياط وكفر الشيخ إلى القاهرة.. وهذه الهجرة هي من سنن الحياة، وقد كانت عرفاً عبر التاريخ أن يتحرك الناس باتجاه المدن ذات الوهج الأعلى.
إن توهج بكين، يستدعي قلق لندن، وتوهج حيدر اباد يسبب قلق في بومبي، ودبي اليوم في نظري هي المدينة الأكثر توهجاً في الخليج العربي. ومما لا شك فيه أن السرعة الفائقة في تطور دبي، مكنتها من سحب الشركات الإقليمية من مدن الخليج الأخرى إليها، وذلك نظراً للامتيازات التي استطاعت دبي توفيرها، ونتج عن هذا استقطاب كفاءات عالمية وأموال دولية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وقيام حضارة اقتصادية عظيمة فيها. ومن المعروف أن الحياة المدنية تقتل الحياة الريفية، فشباب الريف ينتقلون للعمل في المدن الكبيرة، خاصة مع شح فرص العمل في الريف، لذلك لم تنمُ الأرياف في مصر بسرعة نمو القاهرة، بل إن بعض القرى والمناطق الريفية بدأت تضمحل ويهجرها أهلها، وهذا يشبه إلى حد كبير حال المدن الخليجية ودبي، فالزائر لبعض المدن الخليجية يجد أنها تمر في حالة ركود، بعكس دبي، التي تشهد غليان تجاري، وفورة اقتصادية وحركة نشطة.
وإذا كانت بقية مدن الخليج جادة في بقائها على خارطة التنافس فإن عليها أن تعزز وطنيتها، وكما يقول المثل المصري ” اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع” وهو يشير أن أولوية المرء هي نفسه، ثم تأتي بعدها القيم والمثل والمبادئ الأخرى، لهذا يجب أن يكون لكل مدينة هوية تفرقها عن البقية، وتخصص يعطيها المسافة الفاصلة عمن حولها. وعوضاً عن الدخول في مقارعة غير منصفة مع مدن سبقتنا فيما تميزت فيه بعقود، علينا أن ننشئ مسارنا الخاص، فالطُّرق المعبَّدة لن تعطيك أثرًا لعجلاتِك، وكما قال فولتير، كن رجلاً ولا تتبعني.
لذلك إن كان للمدن الخليجية أن تنمو، فعليها أن تبدأ بتفعيل أجواء الاستقطاب العالمي إليها، لا بما ينافس دبي، بل بما يسير في خط متواز معها، كأن تتخصص كل مدينة في نطاق معين أو صناعة محددة تتمايز فيها عن دبي، كأن تصبح الدوحة مدينة الرياضة الإقليمية على سبيل المثال، وتصبح الكويت مدينة دولية لصناعة النفط وخدماته، وتغدو البحرين مدينة للنقل و الخدمات اللوجستية، وهكذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى