العقار

الكويت في سياق الأسواق العقارية الخليجية والعربية: واقع وتحديات

تُعد الكويت من أبرز الأسواق العقارية في منطقة الخليج العربي، إلى جانب السعودية، الإمارات، وقطر. غير أن السوق الكويتي يتميز بتركيبة خاصة تمزج بين الوفرة المالية الناجمة عن صادرات النفط، والتحديات الهيكلية المتعلقة بالإسكان والتمويل العقاري. وفي ظل الطفرة العقارية التي تشهدها بعض دول الخليج، تطرح التجربة الكويتية نموذجًا غنيًا بالفرص والقيود التي تستحق الدراسة.

أولاً: ملامح السوق العقاري الكويتي مقارنة بدول الخليج

بينما ركزت الإمارات والسعودية على إنشاء مدن ذكية ومشاريع ضخمة تعتمد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، تبقى الكويت أقل انفتاحًا نسبيًا على الملكية الأجنبية للعقارات. ورغم استقرار الطلب الداخلي، فإن العرض يظل محدودًا، ما ساهم في تشكل فجوة هيكلية قادت إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم أزمة الإسكان، خصوصًا بين الشباب.

في المقابل، نجد أن نسب السعر إلى الدخل في الكويت من بين الأعلى في الخليج، مما يعكس فجوة بين القدرة الشرائية الفعلية وأسعار العقارات، على عكس تجارب مثل البحرين التي وفرت مشاريع سكنية مدعومة ومرنة في التسعير.

ثانيًا: مؤشرات الفقاعة العقارية في الكويت

تشير البيانات إلى أن السوق الكويتي يظهر عدة مؤشرات توحي بإمكانية نشوء فقاعة عقارية، ومنها:
1-نسبة السعر إلى الدخل: تجاوزت 12 ضعفًا في بعض المناطق، مثل مدينة الكويت والسالمية، ما يعكس صعوبة تملك السكن للأسر متوسطة الدخل. وفي دول عربية مثل الأردن أو مصر، قد لا تتعدى النسبة 6 إلى 8 أضعاف.
2-نسبة السعر إلى الإيجار: تسجل مناطق مثل المهبولة وصباح السالم نسبًا مرتفعة، مما يعني أن العائد الاستثماري على العقار منخفض مقارنة بسعره، وهو من مؤشرات تضخم الأسعار المفرط وغير المدفوع بأساسيات السوق.
3-عدم مرونة العرض: اعتماد السوق الكويتي على الأراضي الحكومية والسياسات التنظيمية المقيدة حدّ من التوسع العمراني، مقارنة بدول كالإمارات التي تبنت سياسات توسعية مرنة وفتحت المجال أمام القطاع الخاص.

ثالثًا: قانون التمويل العقاري الجديد… إصلاح منتظر أم محفز للفقاعة؟

في يناير 2025، طرحت الحكومة الكويتية مشروع قانون جديد للتمويل العقاري يهدف إلى تخفيف الضغط عن المؤسسة العامة للرعاية السكنية. ويقوم على شراكة بين الدولة والبنوك لتمويل المواطنين حتى 200 ألف دينار، موزعة بين 70 ألفًا بضمانة حكومية و130 ألفًا عبر البنوك.
ورغم إيجابياته من حيث:
• تخفيف فترات الانتظار
• تحفيز قطاع الإنشاء
• تقديم حلول مرنة للسداد
• امتصاص السيولة المتاحة لدي البنوك المحلية.
• تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.
إلا أن هناك تحديات بارزة تشمل:
• مخاطر ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب المدفوع بالتمويل
• مخاطر الديون والتعثر المالي للأسر
• احتمال خلق فقاعة عقارية في غياب ضوابط سعرية وتشريعية واضحة
مخاطر توفير السيولة في السوق العقاري
على الرغم من وجود سيولة متاحة لدى البنوك يمكن ضخها للسوق، كما أن تعزيز السيولة في السوق العقار قد يساهم في تحريك النشاط الاقتصادي، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر جسيمة، إذ قد يؤدي تدفق السيولة دون ضوابط إلى رفع أسعار العقارات بشكل يفوق قيمتها الحقيقية، مما يُغري المستثمرين بالمضاربة بدلًا من الاستثمار طويل الأجل. كما أن الفوائض المالية قد تُوجه إلى مشاريع عقارية غير منتجة أو غير مأهولة، ما يخلق فقاعة سعرية قابلة للانفجار عند أول هزة اقتصادية أو ارتفاع في أسعار الفائدة. وهو ما يفرض على الجهات المعنية اعتماد سياسات نقدية واحترازية تُراعي التوازن بين تحفيز السوق وضبط المخاطر


رابعًا: ما الذي تحتاجه الكويت؟

1-تبني سياسات احترازية على غرار ما تطبقه بعض دول الخليج، مثل فرض ضوابط على نسب القروض إلى قيمة العقار (LTV) ونسبة القسط الشهري إلى الدخل (DTI).
2-السماح للقطاع الخاص في تطوير الأراضي وإنشاء المدن الجديدة.
3-السماح لملكية الأجانب للشق السكنية بما يسهم في تنشيط السوق وتوطين الفوائض المالية للمقيمين.
4-إعادة هيكلة توزيع الأراضي لتفعيل مناطق جديدة، وتخفيض الضغط عن المناطق القديمة.
5-تعزيز الشفافية العقارية، من خلال إنشاء قاعدة بيانات مركزية للعقارات وقيمتها السوقية، مثلما هو معمول به في الإمارات والسعودية.
6-ضبط الإيجارات وأسعار البيع، عبر هيئات رقابية قادرة على التدخل عند الضرورة.


الخلاصة:

يمثل السوق العقاري الكويتي نموذجًا غنيًا للتفاعل بين عوامل النمو المالي والتحديات الاجتماعية والتنظيمية. فبينما تُبذل جهود واضحة نحو إصلاح سوق التمويل العقاري، تبقى الحاجة ماسة إلى رؤية متكاملة، تُراعي المخاطر طويلة الأجل مثل تشكل الفقاعات العقارية وارتفاع الديون الأسرية. وعلى غرار التجارب الناجحة في بعض دول الخليج والعالم العربي، يبقى التنسيق بين الحكومة، البنوك، والمطورين العقاريين هو المفتاح لتحقيق توازن بين التنمية العقارية والاستقرار الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى