مقالات

طرق غسل الأموال المبتكرة ومشاهير السوشيال ميديا

 

بقلم/ د. محمد غازي المهنا

دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال

m7md_almuhanna@hotmail.com

 

تؤدي عمليات غسل الأموال في أي دولة إلى انتشار اقتصاد الظل، أو التستر التجاري وغيره، مما ينتج عنه تراجع النمو الاقتصادي، إضافة إلى ما تسببه عمليات غسل الأموال من ارتفاع معدلات التضخم الذي ينتج عنه ارتفاع مستويات الأسعار، وهو ما يلحق الضرر بالمنافسة الشريفة ويؤثر سلباً في الأنشطة التجارية الأخرى.

مع تزايد تأثير المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي، يتبع البعض منهم نمطًا غير شرعي مستغلاً الشهرة التي حصل عليها لتنفيذ أنشطة غير قانونية، أبرزها غسل الأموال، الذي يعتمد على تمويه الأموال غير المشروعة وإظهارها كأرباح مشروعة من خلال الانتشار الرقمي والتفاعل الجماهيري.

وتتنوع آليات تنفيذ هذه الجريمة، مما يجعل كشفها تحديًا للجهات الرقابية، بحسب المعهد الملكي للخدمات الأمنية في بريطانيا.

حيث أن هناك خلل في مراقبة عمل مشاهير السوشيال ميديا، حيث أنهم يعملون بدون تراخيص مهنية أو تجارية.

كما أن المقابل المادي الذي يحصلون عليه نظير الإعلانات غير خاضع لرقابة كافية.

لذا فقد شدد القانونيون على ضرورة سن تشريعات لوضع هؤلاء الأفراد تحت المراقبة القانونية والمالية.

أسباب الشبهات:

* تضخم أرصدة بنكية بشكل غير طبيعي وصولاً إلى أرقام مليونية.

* شراء سيارات فارهة وعقارات بشكل متكرر وفي فترة زمنية قصيرة، بما لا يتناسب مع مصادر دخلهم المفترضة.

* وكذلك التحويلات البنكية الضخمة وشراء ممتلكات فارهة لفترات قصيرة أثارت الشبهات.

ويعود السبب أيضاً لغياب الرقابة المهنية والمالية على عملهم.

إنشاء شركات وهمية لتمرير الأموال

تُستخدم الشركات الوهمية، مثل وكالات التسويق أو إنتاج المحتوى، كقنوات لتبييض الأموال.

ويقوم المؤثرون بإظهار الأموال غير المشروعة على أنها أرباح من هذه الشركات، مدعومة بتقارير مالية مُزورة.

التعاملات النقدية غير المعلنة

تساهم ميزات مثل التبرعات المباشرة أو إرسال الهدايا النقدية على منصات البث المباشر مثل “تيك توك أو يوتيوب” في تسهيل عمليات غسيل الأموال.

قد يتلقى المؤثر مبالغ كبيرة من أطراف مجهولة تحت غطاء “هدايا” من المتابعين، دون الإفصاح عن مصادرها الحقيقية، وتُخلط هذه الأموال لاحقًا مع إيرادات مشروعة، مما يصعّب ربطها بالأنشطة الإجرامية.

تضخيم الإيرادات الوهمية

إحدى الطرق الشائعة هي إنشاء إيرادات وهمية عبر صفقات رعاية مزيفة مع شركات وهمية أو غير موجودة.

ويُعلن المؤثر عن عقد شراكة مع علامة تجارية، ثم يُنشئ فواتير مزورة لإثبات تدفقات مالية تبدو قانونية.

تُستخدم هذه الفواتير لتمرير الأموال غير المشروعة عبر حسابات المؤثر أو شركته.

شراء الأصول كغطاء مالي

يلجأ بعض المؤثرين إلى شراء أصول عالية القيمة مثل العقارات الفاخرة أو السيارات أو المجوهرات باستخدام أموال غير مشروعة، ثم يعرضونها على منصات التواصل كـ “مكاسب” من أنشطتهم الرقمية.

لإثبات جريمة غسل الأموال، يجب على الإدعاء إثبات ركنين أساسيين: أولاً، أن الأموال تم الحصول عليها من نشاط غير مشروع، وثانياً، أن المتهم تعمد إخفاء أو تمويه مصدر تلك الأموال أو حقيقتها.

يتم ذلك من خلال جمع الأدلة المالية والمادية، شهادات الشهود، وتقارير التحريات المالية، مع التركيز على الأنماط المشبوهة في المعاملات.

أنواع الأدلة المستخدمة في الإثبات

الأدلة البنكية والمالية: تُعتبر الأدلة الرئيسية، وتشمل:

* كشوف حسابات تظهر حركات مالية غير مبررة أو غير متناسبة مع الدخل.

* تحويلات مالية ضخمة دون صلة تجارية واضحة.

* إيداعات نقدية متكررة بمبالغ صغيرة في فترة قصيرة (تقسيم المبلغ).

* استخدام حسابات متعددة لتمويه نفس المبلغ.

* نقص في المستندات والفواتير التي تثبت مصدر الأموال.

الأدلة المادية: تشمل المستندات المادية والوثائق التي تم ضبطها خلال عمليات التفتيش، مثل السجلات والعقود.

شهادات الشهود: أقوال شهود العيان، شركاء في الجريمة، موظفين، أو مبلغين قد يكون لديهم معلومات عن الأنشطة المشبوهة.

تقارير التحريات المالية: يتم إعدادها بواسطة وحدات التحريات المالية المتخصصة (مثل SAFIU) لتتبع مسار الأموال المشبوهة.

التحليلات المالية المتقدمة: استخدام برامج متخصصة لتحليل البيانات المالية ورصد الأنماط والسلوكيات غير العادية.

عناصر الإثبات الأساسية

المتحصلات غير المشروعة: يجب إثبات أن الأموال ناتجة عن جريمة جنائية، ولا يشترط إثبات ارتكاب المتهم للجريمة الأصلية نفسه.

العلم والقصد: يجب إثبات أن المتهم كان يعلم بأن الأموال غير مشروعة وأنه تعمد إخفاء مصدرها أو حقيقتها. يتم استنتاج هذا القصد من الظروف المحيطة بالقضية.

الأفعال المادية: إثبات وقوع فعل مادي من أفعال غسيل الأموال، مثل تمويه الأموال، نقلها، حيازتها، استخدامها، أو إخفاء حقيقتها.

نقص قانون غسل الأموال في التعامل مع المشاهير لا يكمن في القانون نفسه، بل في ضعف التطبيق وتأخر الجهات الرقابية في تفعيل الإجراءات، إضافة إلى قصور في القوانين الأخرى المنظمة لعمل المشاهير مثل قوانين الإعلانات التجارية التي يتقاضون عليها الأموال. تتمثل المشكلة في أن المشاهير قد لا يعملون بترخيص رسمي، وتكون أرباحهم غير خاضعة لضوابط مالية محددة.

قصور التطبيق والرقابة

تأخر الإبلاغ: في إحدى القضايا، تأخرت وحدة التحريات المالية في إبلاغ النيابة العامة عن حسابات مشاهير لسنوات بعد تلقي إخطارات من البنوك.

ضعف الرقابة على حسابات الإعلانات: لم يكن هناك إجراءات كافية لتقنين الأرباح التي يحصل عليها المشاهير مقابل الإعلانات، مما جعل حساباتهم معرضة للتضخم غير المبرر.

غياب التراخيص المهنية: بعض المشاهير يقومون بعملهم دون تراخيص مهنية أو تجارية، مما يضعهم خارج نطاق الرقابة القانونية والمالية المعتادة.

قصور القوانين الأخرى

قصور في قوانين الإعلان: في بعض الحالات، تم حفظ قضايا غسل أموال ضد مشاهير بسبب قصور في تطبيق القوانين التي تنظم الإعلان التجاري، والتي تقع مسؤوليتها على وزارتي الإعلام والتجارة.

دعوات لتنفيذ المسؤولية: دعت الجهات القضائية في بعض الحالات الوزارات المعنية إلى تنفيذ مسؤولياتها بإخضاع حسابات المشاهير للقانون ورقابة الدولة، لمنع استغلالها في أنشطة خارجة عن القانون.

باختصار، المشكلة ليست في القانون نفسه، بل في التطبيق وتفعيل القوانين الأخرى المنظمة للنشاط، مثل قوانين الإعلان والرقابة المالية والمهنية على الحسابات الإلكترونية.

الآثار الاقتصادية الخطيرة لغسل الأموال على الدول

وتعمل الأجهزة الأمنية المختصة على مواجهة تلك الجرائم، نظراً لآثارها السلبية الكبيرة على الاقتصاد؛ حيث أنه على الرغم من أن البعض قد يرى أنه لا فرق بين الأموال القذرة والأموال النظيفة، وأن الأخيرة يمكن استغلالها في دفع عجلة التنمية في الدول، إلا أنه ثبت أن اللجوء إلى تلك الأموال يؤدي إلى إضعاف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية بكفاءة، ورفع مستويات التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، وإضعاف استقرار سوق الصرف الأجنبي، وإحداث خلل في توزيع الموارد والثروة داخل الاقتصاد، وكذلك توجيه الموارد نحو الاستثمارات غير المجدية على حساب الاستثمارات المجدية التي تسهم في التنمية، وتهديد الاستقرار المالي والمصرفي، فضلاً عن تهديد استقرار البورصات وإمكانية انهيارها.

ولم تتوقف خطورة استخدام الأموال القذرة على الآثار الاقتصادية فقط، لكنها أيضاً لها العديد من الآثار في المجال السياسي، من بينها انتشار الفساد السياسي والإداري واستغلال النفوذ، والإضرار بسمعة الدولة، خاصةً لدى المؤسسات المالية الدولية، ونفاذ المجرمين لمناصب سياسية مهمة بالدولة، واستغلال الأموال المغسولة في تمويل الإرهاب.

وعلى المستوى الاجتماعي، هناك أيضاً آثار سلبية لجرائم غسل الأموال، من بينها وجود تفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وصعود فئات اجتماعية دنيا إلى أعلى الهرم الاجتماعي، وانتشار الفساد الوظيفي والرشوة وشراء الذمم، وعدم خلق فرص عمل حقيقية، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة، وتدني الأجور للأيدي العاملة وتدني مستوى المعيشة.

تتضمن قوانين مشاهير السوشيال ميديا في السعودية منع نشر المحتوى المخالف للذوق العام والقيم السائدة في المملكة، مثل الاستهزاء بالآخرين، أو كشف خصوصيات العائلة، أو استغلال الأطفال والعمالة في المحتوى، أو نشر معلومات مضللة، أو استخدام ألفاظ مبتذلة. كما تشمل ضوابط تنظيم الإعلانات التي تتطلب الحصول على ترخيص من الجهات المختصة (مثل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام) لتجنب عقوبات قد تصل للسجن أو الغرامة.

مخالفات وقوانين المحتوى

احترام الذوق العام والقيم: يمنع نشر أي محتوى لا يتوافق مع القيم الدينية والعادات والتقاليد السائدة، بما في ذلك الملابس غير المحتشمة أو التي تظهر الجسد بشكل مبتذل.

محتوى خاص: لا يجوز نشر خصوصيات العائلة أو خلافاتها الداخلية.

الاستغلال: يُمنع تصوير الأطفال أو العمالة المنزلية ودمجهم في المحتوى اليومي، سواء كان ذلك بصورة إيجابية أو سلبية.

المعلومات المضللة: يُحظر نشر أي معلومات غير صحيحة أو مضللة.

التحريض: يُمنع نشر أي شيء يحرض على ارتكاب جرائم أو يثير النعرات القبلية أو العنصرية أو الطائفية.

اللغة والتباهي: يُمنع استخدام اللغة المبتذلة أو التباهي بالأموال والممتلكات الشخصية بشكل مبالغ فيه.

التنمر: لا يُسمح بالمحتوى الذي يتضمن التنمر على الآخرين أو الاستهزاء بهم.

ترخيص الإعلانات

ترخيص إلزامي: يجب على الأفراد والمشاهير الحصول على ترخيص لنشر الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي.

شروط الحصول على الترخيص: تتضمن شروطًا مثل بلوغ سن 18 عامًا، وعدم وجود أحكام جزائية سابقة، وتوثيق الحساب، وتقديم وصف تفصيلي له، وتقديم طلبات إضافية قد تراها الهيئة ضرورية.

العقوبات: في حال مخالفة شرط الترخيص، قد يتعرض المخالفون لعقوبات قد تصل إلى السجن 5 سنوات أو غرامة قدرها 5 ملايين ريال.

عقوبات إضافية

غرامات وعقوبات مالية: تفرض الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع عقوبات مالية على المخالفين، قد تصل إلى ملايين الريالات.

إغلاق الحساب: قد يؤدي مخالفة القوانين إلى إغلاق الحساب أو حجب المحتوى المخالف.

الدول الأعلى نسبة في غسل الأموال

يُترجم هذا إلى مبلغٍ هائل يتراوح بين 715 مليار و1.87 تريليون يورو سنويًا. وبالتالي، أصبحت الحاجة إلى استراتيجيات فعّالة لمكافحة غسل الأموال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وتشهد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والمكسيك أكبر عمليات غسل أموال.

أية دولة لديها أقل نسبة غسيل أموال؟

وبحسب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، فإن الدول التي لديها أدنى معدلات غسيل الأموال هي فنلندا وإستونيا وفرنسا وأيسلندا وأيرلندا

طرق لغسل الأموال عبر السوشيال ميديا

كيف تُستغلّ منصّات التواصل الاجتماعي في غسل الأموال؟

إن الشبكات الإجرامية المنظمة البالغة التعقيد تستخدم وسطاء لاستغلال المؤثرين على منصّات التواصل الاجتماعي وتحديداً صغار السن منهم وإقناعهم بالمشاركة في جريمة غسل الأموال مقابل الحصول على عمولات عن كل عملية تحويل أموال من خلالهم، ويجري ذلك من خلال الهدايا الافتراضية، والتبرعات السخيّة، والشراكات التي تحصل بين صاحب الأموال غير الشرعية والمؤثر على السوشيال ميديا؛ حيث تسمح منصّة التواصل الاجتماعي للمستخدمين بإرسال هدايا افتراضية خلال البث المباشر، وتلك الهدايا يمكن تحويلها إلى أموال حقيقية، ويستغلّ المحتالون ذلك عبر تدشين حسابات على المنصّة لغاية إرسال واستقبال الهدايا الافتراضية عبرها، التي غالباً ما تكون كبيرة بعد أن تتراكم، ويتخلل العملية حوالات عدة بين الحسابات حتى تظهر كأنها حركات طبيعية محاولة إخفاء مصدرها وتعقيد عملية تعقبها.

وأثناء عرض المؤثر على السوشيال ميديا بثّاً مباشراً يغدق المحتالون بالهدايا الافتراضية عليه التي تكون بمئات الدولارات، وعقب انتهاء البث المباشر تحصل المنصّة (مثل تيك توك) على حصة من هذه الهدايا بنسبة 15% وتختلف من منصّة إلى أخرى، ثم يحصل المؤثر على باقي قيمة الهدايا، وبعد أن يحسم عمولته المتفق عليها مع المحتال من إجمالي قيمة الهدايا يعيد إرسال باقي المبلغ إلى المحتال، وبهذه الطريقة يتمكن المحتال من إدخال الأموال المشبوهة إلى النظام المالي، وإظهارها كأنها تعاون مع المؤثر لأهداف تسويقية. وإن أغلب الشباب الصغير السن لا يدرك مدى العقوبة التي قد يتعرّض لها إذا اكتشفت أمره السُلطات؛ حيث تختلف العقوبة من بلد إلى آخر، لكنها في الغالب لا تقلّ عن 3 سنوات وقد تصل إلى 20 سنة سجن بجانب سداد غرامات مالية باهظة.

وهناك طريقة ثانية يتبعها سارقو البطاقات الائتمانية عادة لغسل الأموال، من خلال استخدام البطاقة الائتمانية المسروقة في شراء الهدايا الافتراضية من منصات التواصل الاجتماعي، والإغداق على المؤثر بها أثناء البث المباشر، وعقب انتهاء البث المباشر يتم تقاسم الأموال مع المؤثر والمنصّة.

وثمة طريقة ثالثة، وهي أن المحتال قد يدفع مبالغ ضخمة للمؤثر نظير أعمال إعلانية، وحجم المبالغ يفوق نسبياً حجم العمل الإعلاني المطلوب، ثم يحصل المؤثر على حصّته، ويحوّل الباقي.

والطريقة الرابعة هي الحسابات المزيفة (Bots) التي تُستخدم في إرسال مبالغ صغيرة إلى حساب واحد رئيسي، وتوزيعها بعمليات معقدة. بعد تراكمها، يسحبها المحتال بالتدريج عبر مصادر عدة حتى لا تثير الشكوك.

وعن آلية تعقب عمليات غسل الأموال عبر منصات التواصل الاجتماعي، إن اكتشاف عمليات غسل الأموال يتطلب أدوات أكثر تعقيداً، والأهم تعاون الجهات الرقابية في مناطق جغرافية متعددة. العمليات قد يشارك فيها أشخاص في بلدان عدة، وليست محصورة في دولة واحدة، فضلاً عن ضعف البيئة الرقابية في منصّات التواصل الاجتماعي بخلاف المؤسسات المالية الاعتيادية، لذلك نرى العديد من البلدان مثل الولايات المتحدة تضيّق الخناق على منصّة تيك توك، وغيرها من المنصّات التي تسمح بالتداول الإلكتروني للأموال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى