قانون الضرائب الأمريكي الجديد: تحولات عالمية في ظل إلغاء بند مثير للجدل

تخيل أن الولايات المتحدة قررت تغيير قواعد اللعبة المالية عالميًا، ثم تراجعت عن أحد أهم بنود هذا التغيير. هذا بالضبط ما حدث مع مشروع قانون الضرائب الأمريكي الذي أُطلق عليه اسم “One Big Beautiful Bill Act” (OBBBA). كان في قلب هذا القانون بند مثير للجدل، وهو البند 899، الذي كان يُعرف بـ “ضريبة الانتقام”. هذا البند كان سيفرض ضريبة إضافية على أرباح الشركات والأفراد الأجانب داخل أمريكا، خاصة إذا كانت دولهم تفرض ضرائب تعتبرها واشنطن “غير عادلة”، مثل ضرائب الخدمات الرقمية (DSTs).
لكن الآن، أصبح هذا البند غير موجود في نسخة القانون النهائي. ففي 26 يونيو، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع شركائها في مجموعة السبع (G7) يقضي بإلغاء ضريبة الانتقام الواردة في القسم 899. جاء هذا الإلغاء مقابل استثناء الشركات الأمريكية من الضرائب المدرجة تحت “الركيزة الثانية” لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، (OECD Pillar 2) وفقًا لما كتبه وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت.
هذا التطور له تداعيات عميقة على الاقتصاد العالمي، حيث كان البند 899 يهدد بقلب الموازين في الاستثمارات، الأسهم، قيمة الدولار، وحتى الديون الحكومية. دعونا نستعرض كيف تغير المشهد بعد إلغاء هذا البند:
1- الاستثمار الأجنبي في أمريكا: عودة الثقة وتجنب خسارة الوظائف
كان الخبراء يحذرون من أن “ضريبة الانتقام” كانت ستجعل الشركات الأجنبية تتردد في استثمار أموالها في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تراجع الأرباح. وفقًا لتحليل بنك J.P. Morgan، فإن 80% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أمريكا تأتي من دول كان من الممكن أن يشملها هذا القانون. الأهم من ذلك، أن التحالف العالمي للأعمال (GBA) قدر أن ما يصل إلى 700,000 وظيفة أمريكية قد تُفقد خلال عقد واحد نتيجة هذه الضريبة، مما يعني خسارة نحو 100 مليار دولار سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي.
مع إلغاء البند 899، تتلاشى هذه المخاوف. فالشركات والمستثمرون الأجانب لن يواجهوا هذه الضريبة العقابية، مما يعيد الثقة في السوق الأمريكي ويشجع على استمرار تدفق الاستثمارات. هذا يجنب الولايات المتحدة خسارة مئات الآلاف من الوظائف ويحافظ على استقرار الاقتصاد.
2- سوق الأسهم: استقرار وتجنب التشوهات
يمتلك الأجانب حوالي 20% من الأسهم الأمريكية. كان البند 899 سيؤثر حتمًا على السوق، حيث كان من الممكن أن تستفيد الشركات الأمريكية الكبرى على المدى الطويل على حساب منافسيها الأجانب. كما كان يخشى أن تتضرر قطاعات مثل المرافق والطاقة، التي تعتمد على توزيع أرباح سخية للمستثمرين، بسبب تراجع جاذبيتها للمستثمر الأجنبي.
إلغاء البند 899 يعني أن هذه التشوهات في السوق لن تحدث. سيبقى سوق الأسهم أكثر استقرارًا، ولن تضطر الشركات الأجنبية إلى إبقاء أموالها داخل فروعها الأمريكية لتجنب الضريبة، مما يحافظ على هياكلها المالية الطبيعية.
3- الدولار الأمريكي: تخفيف الضغوط
كان المحللون يرون أن “ضريبة الانتقام” كانت ستضيف ضغوطًا جديدة على الدولار، وتدفعه نحو الضعف بسبب حالة عدم اليقين حول السياسات الضريبية والتجارية. التأثير الأكبر كان سيأتي من تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو شريان حيوي للاقتصاد الأمريكي.
مع إلغاء البند 899، تخف هذه الضغوط عن الدولار. فعودة الثقة في الاستثمار الأجنبي المباشر ستدعم قيمة الدولار وتجنبه التقلبات السلبية التي كانت متوقعة.
4- سندات الخزانة الأمريكية: استمرار الاستقرار
على الرغم من المخاوف، كان التأثير على سندات الخزانة الأمريكية يُتوقع أن يكون محدودًا في الوقت الحالي، لأن القانون كان يستثني عوائدها. لكن الصورة الأكبر كانت مقلقة بعض الشيء؛ فقد تراجعت نسبة ملكية الأجانب لهذه السندات من 50% خلال الأزمة المالية العالمية إلى حوالي 30% اليوم. تمتلك اليابان وحدها ما يقارب تريليون دولار من هذه السندات، بينما تمتلك أوروبا (بما فيها بريطانيا) أكثر من 3.6 تريليون دولار.
إلغاء البند 899 يزيل أي قلق مستقبلي بشأن تأثيره على قرارات هذه الدول فيما يتعلق بسندات الخزانة، مما يعزز استقرار سوق السندات الأمريكية.
5- الائتمان والشركات: استقرار متزايد
لم يكن يُتوقع أن يؤثر القانون بشكل مباشر على سوق الائتمان، لكنه كان سيضغط على ربحية الشركات الأجنبية العاملة في أمريكا. هذه الشركات كانت ستدفع ضرائب أعلى، مما يقلل من أرباحها وقد يؤثّر على تصنيفها الائتماني.
مع إلغاء البند 899، تتجنب الشركات الأجنبية هذه الضغوط الضريبية، مما يحافظ على ربحيتها واستقرارها الائتماني. هذا يعزز بيئة الأعمال في الولايات المتحدة ويجعلها أكثر جاذبية للشركات العالمية.
خلاصة القول:
كان مشروع القانون هذا محاولة أمريكية جريئة لإعادة تشكيل علاقاتها المالية مع العالم. إلغاء البند 899 يمثل تراجعًا عن سياسة “ضريبة الانتقام”، ويعكس رغبة في الحفاظ على العلاقات الاقتصادية الدولية وتجنب الإجراءات الانتقامية. هذا التطور يشير إلى أن المشهد العالمي يتجه نحو مزيد من التعاون وتجنب القيود التي قد تضر بالعولمة المالية. الأسواق تتنفس الصعداء، والمؤكد أن قواعد اللعبة، وإن كانت قد بدأت تتغير، فإنها تتجه الآن نحو مسار أكثر استقرارًا وتوازنًا.