عام 2025: عام التباين والفرص الاقتصادية

مع بداية عام 2025، يبدأ العالم في مواجهة بيئة اقتصادية غنية بالتحديات والفرص، مما يخلق صورة اقتصادية أكثر تعقيدًا. قاد فابيو باسي، رئيس استراتيجية الأصول المتعددة في J.P. Morgan، نقاشًا معمقًا مع مجموعة من الخبراء لتسليط الضوء على التوقعات الاقتصادية وما تحمله الأشهر المقبلة من فرص وتحديات.
كما يشير المحللون في كل من جي بي مورجان وUBSإلى أن عام 2025 سيشهد تفاعلاً بين ديناميكيات السوق، والتضخم، والتغيرات السياسية، والتقدم التكنولوجي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيج معقد من التوقعات الاقتصادية العالمية. من المتوقع أن تتباين الأسواق العالمية بشكل كبير بين الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة، مما يتطلب تبني استراتيجيات استثمار مرنة وحذرة.
النمو العالمي: التوقعات مختلطة
تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد العالمي سيحقق نموًا بنسبة 2.5% خلال عام 2025، مدعومًا بأداء قوي في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التباطؤ الملحوظ في الصين سيشكل عائقًا رئيسيًا. يُتوقع أن يكون التأثير الناتج عن تباطؤ الاقتصاد الصيني محسوسًا عالميًا، خاصة في قطاع التجارة والصادرات، مما سيؤثر على النمو في بعض الأسواق الناشئة.
على صعيد التضخم، من المتوقع أن يشهد تراجعًا طفيفًا في الأسواق المتقدمة نتيجة للسياسات النقدية التشددية التي اتخذتها البنوك المركزية في السنوات الأخيرة. لكن في الأسواق الناشئة، سيظل التضخم يمثل تحديًا كبيرًا نتيجة للضعف في العملات المحلية، وزيادة الأسعار العالمية للسلع الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. في بعض المناطق، قد يشهد التضخم زيادة مؤقتة بسبب التعريفات الجمركية التي تفرضها بعض الحكومات، مما يزيد من تكاليف الإنتاج.
أسواق الأسهم: فرص وتحديات متعددة
يتسم عام 2025 بتباين واضح في أداء الأسهم بين الأسواق المختلفة. من المتوقع أن تشهد أسواق الأسهم الأميركية أداء قويًا، حيث يتوقع المحللون أن يصل مؤشر رئيسي إلى 6,500 نقطة، مع أرباح متوقعة للسهم الواحد تصل إلى 270 دولارًا. يبدو أن الأسهم الأميركية ستكون الأكثر جاذبية للمستثمرين، خاصة في ظل الأداء الجيد للاقتصاد الأميركي واستمرار التطور التكنولوجي في القطاعات المختلفة. مما يمثل عائدًا سعريًا بنسبة 10% تقريبًا من المستويات الحالية. ومع ذلك، من المحتمل أن تساهم التعريفات الجمركية وعدم اليقين الجيوسياسي في تقلبات الأسواق الأوروبية والصينية خلال العام الحالي.
على الرغم من أن التعريفات مصدر قلق، فإنها لا ينبغي أن تطغى تمامًا على الفرص المتاحة خارج الولايات المتحدة. كما تبدو أهمية الحفاظ على التعرض المتنوع للأسواق الآسيوية خارج اليابان. فالصادرات من كوريا وتايوان، والتي تعتبر حاسمة لسلاسل الإمداد العالمية، أقل عرضة للتأثر بالتعريفات نظرًا لطبيعتها التي لا يمكن استبدالها. كما تقدم الهند قصة نمو محلية جذابة، ونبقى متفائلين بشأن أسهم الإنترنت في الصين، التي قد تستفيد من إجراءات تحفيزية محتملة. في أوروبا، نركز على أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة اليورو، بالإضافة إلى شركات سويسرية تقدم توزيعات أرباح عالية الجودة
وبالرغم من ذلك يتوقع أن تكون الأسهم الأوروبية أقل أداءً مقارنة بالأسواق الأميركية، وذلك بسبب التحديات الهيكلية التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية مثل ضعف النمو، والديون المرتفعة، والتوترات التجارية. وفي آسيا، خاصة في اليابان، يُتوقع أن تستفيد الأسهم اليابانية من تحسن الأجور وتسارع عمليات إعادة شراء الأسهم، مما قد يعزز الأداء الاقتصادي.
أما في الأسواق الناشئة، فإن الوضع أكثر تعقيدًا، حيث تواجه هذه الأسواق تحديات هيكلية واقتصادية، بما في ذلك تذبذب أسعار العملات المحلية، وضعف البنية الاقتصادية، وارتفاع التضخم. ومع ذلك، قد تحقق بعض الأسواق الناشئة أداءً جيدًا إذا ما نجحت في معالجة هذه التحديات.
السلع والطاقة: أداء متقلب
تتسم أسواق السلع والطاقة في عام 2025 بالتقلبات الحادة، وهي نتيجة لتغيرات العرض والطلب العالمية. بالنسبة للنفط، يُتوقع أن تشهد أسعاره انخفاضًا إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل نتيجة لزيادة المعروض من النفط في الأسواق العالمية. ستؤثر هذه الانخفاضات في أسعار النفط بشكل غير مباشر على العديد من الاقتصادات المصدرة للنفط، مثل دول الخليج وروسيا، وقد تؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي لهذه البلدان.
أما الذهب، فمن المتوقع أن يواصل جاذبيته كملاذ آمن في ظل استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في العالم. يُتوقع أن يشهد الذهب ارتفاعًا تدريجيًا إلى 3,000 دولار للأوقية، حيث يُعد من الأصول التي يفضلها المستثمرون في فترات التقلبات الاقتصادية.
من ناحية أخرى، ستظل المعادن الأساسية مثل النحاس والألمنيوم تواجه تقلبات كبيرة في الأسعار، حيث يتأثر الطلب عليها بشكل رئيسي بالتغيرات في السياسات الصناعية العالمية والتوجهات الاقتصادية في الصين وأوروبا.
السندات وأسعار الفائدة: استمرار التقلبات
تظل أسواق السندات من أهم المواضيع التي ستؤثر في أداء الأسواق المالية في عام 2025. في الولايات المتحدة، يُتوقع أن تنخفض عوائد السندات إلى 4.10% في الربع الثالث من العام، قبل أن ترتفع مجددًا إلى 4.25% بنهاية العام. سيستمر الدولار الأميركي في الأداء الجيد أمام العديد من العملات الرئيسية بسبب استقرار الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، ستظل معدلات الفائدة في الولايات المتحدة مرتفعة، مما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة.
أما في منطقة اليورو، فإن التوقعات تشير إلى أن النمو الاقتصادي سيظل بطيئًا بسبب المخاوف المتعلقة بالديون الوطنية، وتباطؤ النشاط الاقتصادي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي. يُتوقع أن تستمر السياسة النقدية التيسيرية في المنطقة، حيث قد تبقى الفائدة منخفضة لفترة أطول، وهو ما قد يؤثر على حركة الاستثمار في هذه الأسواق.
أما في اليابان، فيُتوقع أن يتبع بنك اليابان سياسة أكثر تشددًا مع رفع معدلات الفائدة، في خطوة تهدف إلى تحفيز النمو المحلي ومكافحة التضخم. قد يشهد الاقتصاد الياباني تحسنًا طفيفًا نتيجة لهذه السياسة، لكن التحديات التي يواجهها مثل الشيخوخة السكانية تبقى تهديدًا طويل الأمد.
التكنولوجيا: محرك رئيسي للنمو الاقتصادي
التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، ستظل المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في عام 2025. يُتوقع أن يزداد الاستثمار في هذه القطاعات بشكل كبير، حيث تبذل الحكومات والشركات جهودًا ضخمة لتطوير تقنيات جديدة. الابتكارات في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ستؤدي إلى زيادة الإنتاجية في العديد من الصناعات، من الرعاية الصحية إلى التصنيع والطاقة.
ستظل الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، محط تركيز عالمي، حيث يُتوقع أن تستمر في جذب رأس المال في ظل اهتمام العالم بمكافحة تغير المناخ. ستوفر هذه الاستثمارات فرصًا كبيرة للنمو، سواء من خلال الشركات الكبرى أو الابتكارات التكنولوجية في الأسواق الناشئة.
أسواق الفوركس والائتمان: التحديات والفرص
فيما يتعلق بأسواق الفوركس، يُتوقع أن يشهد الدولار الأميركي استقرارًا نسبيًا أمام العملات الرئيسية الأخرى. من المتوقع أن تظل الفروق في السياسة النقدية بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مؤثرة على تحركات أسعار الصرف. يُرجح أن يشهد اليورو تقلبات بسبب تباين السياسات النقدية، في حين سيظل الين الياباني تحت ضغوط نتيجة لسياسة الفائدة المنخفضة في اليابان.
أما في سوق الائتمان، فيُتوقع أن تواجه البنوك في الأسواق المتقدمة تحديات بسبب تشديد السياسة النقدية، مما سيؤدي إلى تباطؤ في نمو القروض. في المقابل، من المتوقع أن تشهد الأسواق الناشئة زيادة في الاقتراض نتيجة للارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤدي إلى تسارع في النشاط الائتماني.
مخاطر رئيسية تواجه الاقتصاد العالمي
رغم الفرص التي يوفرها عام 2025، إلا أن هناك العديد من المخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. أولاً، فإن التوترات الجيوسياسية قد تزداد في بعض المناطق، مما يزيد من حالة عدم اليقين ويؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق. كما أن التغيرات في السياسات التجارية من بعض الحكومات قد تؤدي إلى صدمات على العرض العالمي، خاصة إذا ما تم فرض مزيد من التعريفات الجمركية أو الحواجز التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي التحديات الهيكلية في بعض الأسواق الناشئة، مثل ضعف العملات المحلية، وارتفاع التضخم، إلى تقليص جاذبية هذه الأسواق للمستثمرين.
نظرة شاملة لعام 2025
مع بداية هذا العام، تزداد معالم البيئة الاقتصادية أكثر وضوحًا. يتعين على المستثمرين تبني استراتيجيات مرنة ومتنوعة للتعامل مع التحديات المختلفة التي قد تواجههم. يعد الابتكار التكنولوجي والأسواق الناشئة بمثابة فرص هامة للنمو الاقتصادي، رغم التقلبات الحالية في الأسواق المالية.