مقالات

“قصة المرياع”

بقلم: المهندس مشعل الملحم

صباح اليوم…وأنا أشاهد مذيعًا ماليًا أنيقًا على شاشة إحدى القنوات العربية التي تحلل الأسواق الخليجية، يبتسم بثقة، ويقول: “اشتروا هذا السهم، فرصته لا تتكرر”، ويتقاطر خلفه الناس، تذكرت قصة المرياع، المرياع هو تيس ضخم الجثة، يخطو بثقة لا تشبه التيوس، عُرف بين الرعاة بـ “المرياع”؛ لا لأنه أقواهم، بل لأنه أقربهم إلى اتباع الأوامر. درّبه الراعي منذ صغره، خصّه بالطعام، دلّله، حتى صارت التيوس تتبعه ككتيبة عسكرية تمشي في نسق مستقيم، كلما مشى مشوا، كلما توقف توقّفوا، ظنّوه يعرف الطريق… إلى المرعى. ولم يدروا أنه يقودهم إلى طريق المسلخ! وحين يحين الموعد يدخل المرياع عبر الممر الحديدي، وتتبعه الرؤوس مطمئنة، ثم يخرج لوحده من باب خاص، كانوا يظنونه يقودهم إلى المراعي الخضراء وإذ بهم يقادون إلى المسالخ الحمراء!

كل دورة من دورات البورصة، يظهر “مرياع” … ليس تيسًا بقرنين، بل رجلًا بربطة عنق، وشاشة مضيئة خلفه، يتكلم بثقة، يبتسم، ويُقسم أن هذا السهم هو “الفرصة التي لا تُعوّض”. يتبعه الناس، لأنهم يعرفونه… شاهدوه من قبل يقود القطيع نحو أرباح خضراء… فصدقوه. لكن ما لا يعرفونه، أن المرياع هذه المرة لم يعد حرًا، بل صار أداة بيد الراعي أو من يسمى مجازا ” صانع سوق…” وأنه لا يقودهم إلى الأسواق الخضراء، بل إلى الخسائر الحمراء.

**

في البورصة، المرياع لا يُذبح. بل يُكافأ، يُمنح عمولة، وربما برنامجًا تلفزيونيًا، أما القطيع، فمصيرهم الحسرة، والديون. والفرق بين المستثمر الحقيقي والمُستَدرَج، أن الأول يُحلّل… والثاني ينتظر قيادة المرياع له، بل حتى لو نبهته أن المرياع يقودك إلى حتفك فإنه لن يسمع لك.

***

الخاتمة:

ما أبشع شعور الشاة حين يجز رأسها من كانت تظنه يداعبها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى