هل يجوز للمطلع بشخصه الشراء عبر كيانات تابعة له… ومطلع فيها أيضاً؟

الحوكمة الأخلاقية مهمة ورادعة وتعزز الثقة ونزاهة المؤسسة
بين الالتزام والامتثال…هل الضوء الأخضر القانوني للممارسات صك براءة 100%؟
مرتكبي المخالفات مادة خام ذهبية للاستفادة من ممارساتهم السلبية بمعالجتها تشريعياً
تطور الممارسات من سمات العمل المالي والاستثماري، لذلك مختلف الممارسات التي تشهد تطور نوعي فني متواصل يجب أن تخضع للدراسة المستمرة والتقييم لتحديد الثغرات، ولاستنباط التشريعات المواكبة لها، الهادفة لسد ومعالجة أي ثغرات تنفذ منها بعض الممارسات. هذا التغيير يعكس إيجابية وديناميكية، وهو سمة أساسية للأسواق عموماً لأنه يعني أن هناك ممارسة ونشاط وتقدم وتطور في أعمال الشركات وتفاعل وابتكار.
في ظل تطور بعض الممارسات والاتفاقات والتحالفات تبرز تساؤلات من وحي الممارسة، وأهم هذه التساؤلات هي:
هل يحق للمطلع بشخصه أو المشارك بشخصه في ملف ما أن يمارس عمليات الشراء والبيع عبر كيانات تابعة له، يصنف كمطلع فيها أيضاً؟
بمعنى أكثر إيضاحاً، عمليات الشراء التي تتم بطريقة غير مباشرة من أذرع تابعة لشخص مطلع على ملف يحوي معلومات جوهرية مؤثرة، هل تتفق مع جوهر ومبدأ القوانين التي تمنع تضارب المصالح واستغلال المعلومات؟
بعض الممارسات يبررها المستفيد بأنه مطلع هنا لكنه لم يقم بالشراء المباشر بشخصه، بل كيان اعتباري هو الذي مارس الشراء، وهو مطلع فيه، فهل كونه مطلع يوجب حرمانه؟ التبرير مردود عليه، حيث يمكن النأي عن الشبهات، وتجنب الاطلاع على معلومات جوهرية تخص ملف آخر، أو النأي تماما بعدم الشراء من جانب أي كيان يكون فيه الشخص مطلع، حماية للنزاهة التي تمثل قيمة مضافة للمؤسسة.
معالجة مثل هذه الملفات تحتاج توسع أكثر وإمعان وتوضيح وشمولية في التشريعات المنظمة لتطال كل أشكال الممارسات والحالات بالتفصيل.
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
– السبيل لمجابهة هذا التطور النوعي هو الدراسة المستمرة للممارسات والحالات التي تشهدها الأسواق عموماً، حيث أن الاعتماد على الممارسة المحلية فقط، لا يمكن أن يكون خيار ناجع وكافٍ، فممارسات الآخرين حول العالم يمكن الاستفادة منها أيضاً، خصوصاً وأن تجربة أي سوق تبقى محدودة.
– المخالفات الناتجة عن أعمال الفحص والتدقيق والمراجعة والتفتيش يجب أن يتم الاستفادة منها تشريعياً، بحيث يتم تطوير تجربة التفتيش عن طريق تقرير من الفريق الذي قام برصد وكشف المخالفة يتضمن توصية حول إذا ما كانت المخالفة تحتاج تشريع إضافي يعالج تلك الممارسة من عدمه.
– الاطلاع المستمر على تجارب الآخرين، وتبادل الخبرات، ووضع مؤشرات مقارنة مع الأسواق، وقياس نوعية المخالفات وتطورها، واختبار كفاءة التشريعات القائمة، والتأكد من أنها تغطي المستجدات، لأن العالم سريع التغير والتعاملات تزداد تعقدياً.
مخالفات مؤسسية
انتقدت مصادر مراقبة وقوع مؤسسات وشركات في براثن المخالفات وتجاوز القانون والوقوع تحت طائلة الجزاءات، حيث تصف المصادر ذلك الواقع بالمعيب، خصوصاً وأن كل كيان مؤسسي يضم مستشارين وقانونين وهيكل رقابي داخلي وفريق عمل يكلف الشركات ملايين سنوياً، فكيف في ظل ذلك تُرتكب المخالفات والتجاوزات أيضاً وتفرض الغرامات على الشركات؟
الممارسة القانونية والأخلاقية
مصدر استثماري مخضرم يقول أن بعض الممارسات في عالم المال والبزنس عموماً قد تكون متوافقة مع القانون، بمعنى أن الصفقة أو الممارسة قد تحصل على الضوء الأخضر القانوني بالمضي قدماً، لكنها من ناحية أخلاقية غير جائزة أو تحمل شبهات.
وأضاف، “الأمر يتوقف على “رأس” الهرم أو الرئيس أو المستثمر الرئيسي، حيث يكون صاحب القرار، فليس معنى أن هذه الممارسة وفق القانون أنها سليمة 100%، فثمة جانب أخلاقي في بعض الممارسات يحمل موانع جسيمة ويُحتم الإعراض عنها أو عدم المضي في الصفقة أو الممارسة، فالحوكمة الأخلاقية مهمة وضرورية ويجب ترسيخها أكثر لما لها من دور عميق في تعزيز حماية نزاهة المؤسسة وتعزيز ثقة الجمهور من المستثمرين والمساهمين وأصحاب المصلحة.
الحوكمة لا تكتمل بمجرد تطبيق تعليمات، بل تحتاج إلى أخلاقيات ونوايا صادقة واستعداد أخلاقي تام للالتزام بروح النظام لا نصوصه فقط. ومن هنا يبرز الفارق بين الالتزام والامتثال، فالالتزام قرار داخلي نابع من الإيمان بالقيم، فيما الامتثال سلوك ظاهري يترجم الالتزام إلى فعل، وقد يكون شكلياً ما لم يكون نابعاً من قناعة داخلية.