الكويت

اتحاد شركات الاستثمار يعزز مكانة الكويت المالية عبر برنامج تدريبي متقدم حول “عقود المستقبل وخصائصها وتقييمها”

 

في ظل التحولات العميقة التي تشهدها المنظومة المالية العالمية، برزت الأدوات المشتقة كأحد الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها صانعو السياسات والمستثمرون ومديرو الأصول والبنوك الاستثمارية. فبعد أن كانت في السابق تُعد أدوات للمضاربة فقط، أصبحت اليوم بنية تحتية استراتيجية تتيح للأسواق التنبؤ بالأسعار، وتوزيع المخاطر، وابتكار هياكل متقدمة للسيولة، وضمان استقرار الأسعار على المدى القصير والطويل.

وفي هذا الإطار، نظّم اتحاد شركات الاستثمار (UIC) من خلال ذراعه التدريبي مركز دراسات الاستثمار (ISC) ، برنامجاً تدريبياً مهنياً متقدماً بعنوان: «خصائص العقود المستقبلية وتقييمها»، وذلك يومي 12 و13 أكتوبر 2025 في مقر الاتحاد. شهد البرنامج مشاركة نخبة من القيادات المالية، ومديري المحافظ الاستثمارية، والمحللين الماليين، والمتخصصين من الجهات الرقابية.

 

من الاستثمار التقليدي إلى إدارة المخاطر الديناميكية

تشهد الأسواق المالية العالمية تحولاً هيكلياً في فلسفة الاستثمار. فبعد أن كانت تعتمد في الغالب على أدوات تقليدية مثل الأسهم والسندات والعقارات، أصبحت اليوم تستند إلى أدوات مالية متقدمة مثل العقود المستقبلية، والعقود الآجلة، والمقايضات، وخيارات البيع والشراء. هذه الأدوات تُمكّن المؤسسات من الانتقال من الاستثمار القائم على التوقع إلى إدارة المخاطر وفق استراتيجيات مدروسة، مما يساعدها على التحوّط ضد تقلبات الأسعار، وتأمين مراكز استثمارية طويلة الأجل، وإدارة تدفقات السيولة بكفاءة، وتعزيز استقرار الأسواق.

العقود المستقبلية: التعريف والدور الاستراتيجي

العقود المستقبلية هي اتفاقيات مُلزمة قانونياً لشراء أو بيع أصل مالي أو سلعة بسعر وتاريخ محددين مسبقاً. وهي تتشابه مع العقود الآجلة من حيث المبدأ، لكنها تختلف عنها في كونها:

* تُتداول في أسواق منظمة.

* تُصفّى من خلال غرف مقاصة تضمن التنفيذ.

* تخضع لإشراف هيئات رقابية.

* تتمتع بسيولة عالية وشفافية أكبر.

وخلال البرنامج التدريبي، تعرّف المشاركون على الفروقات بين الالتزامات الآجلة والمطالبات المشروطة، والعلاقة بين أسعار العقود المستقبلية والأسعار الفورية، ودور أسعار الفائدة في تحديد القيمة العادلة.

 

آليات التسوية اليومية ودور غرف المقاصة

من أبرز مميزات العقود المستقبلية آلية التسوية اليومية (Mark-to-Market)، التي تعيد تقييم مراكز المتداولين في نهاية كل يوم تداول. هذه الآلية تقلل من مخاطر الطرف المقابل وتعزز نزاهة السوق. كما تلعب غرف المقاصة دور الطرف المقابل المركزي، مما يضمن تنفيذ العقود ويقضي على مخاطر الائتمان الثنائية. تناول البرنامج كذلك دور الهوامش الأولية وهوامش الصيانة، وكيف تساهم نداءات الهامش في الحماية من التقلبات الحادة، ودورها في تعزيز الاستقرار المالي.

 

 البُعد الاقتصادي للأدوات المشتقة

الأدوات المشتقة ليست مجرد أدوات تداول، بل تؤدي أدواراً اقتصادية محورية، من بينها:

* التعبير عن توقعات الأسواق المستقبلية.

* توزيع المخاطر بين المشاركين.

* تعزيز السيولة في الأسواق.

وتُعد العقود المستقبلية العالمية، مثل عقود النفط الخام أو الذهب، مؤشرات رئيسية يتابعها المستثمرون والبنوك المركزية لتوجيه السياسات الاقتصادية. وهذا يفسر أهمية إتقان استخدام المشتقات للأسواق الطامحة للاندماج العميق مع النظام المالي العالمي.

 

دراسة حالة: النفط الخام كمؤشر عالمي

استعرض البرنامج العقود المستقبلية للنفط الخام كمثال عملي محوري، مبيّناً كيف يستخدمها المنتجون والمستهلكون والمستثمرون المؤسسيون للتحوط ضد تقلبات الأسعار. كما ناقش كيفية قيام المتداولين المحترفين وصناديق التحوط بتشكيل منحنيات الأسعار المستقبلية، والتمييز بين حالتي الـ Contango (عندما تكون الأسعار المستقبلية أعلى من الأسعار الفورية) وBackwardation (عندما تكون أقل)، وتأثير هذه الحالات على استراتيجيات التحوط والفرص الاستثمارية.

 

التحليل الفني والمالي للعقود المستقبلية

تعمّق المشاركون في العلاقة الرياضية بين الأسعار الفورية وأسعار العقود المستقبلية، مع التركيز على مبدأ تسعير عدم المراجحة، كما تم استعراض نموذج تكلفة الحمل (Cost of Carry)، الذي يأخذ في الاعتبار تكاليف التخزين والعوائد غير النقدية، إضافة إلى توضيح الفرق بين قيمة العقد وسعره خلال فترة سريانه، مع تطبيقات واقعية على الذهب ومؤشرات رئيسية.

 

دراسات حالة إضافية: الذهب والعملات

شمل البرنامج أيضاً تحليل العقود المستقبلية للذهب، وهي من أكثر العقود تداولاً عالمياً، مع التركيز على تأثير أسعار الفائدة وتكاليف التخزين وعائد الراحة (Convenience Yield) على التسعير. كما تم استعراض عقود العملات المستقبلية ودورها في تحوط البنوك المركزية والمؤسسات المالية من مخاطر تقلبات أسعار الصرف وضمان استقرار التدفقات النقدية.

 

 أثر البرنامج على المشاركين

أجمع المشاركون على أن البرنامج تجاوز توقعاتهم، إذ أتاح لهم:

* مهارات متقدمة في تسعير وتقييم العقود المستقبلية.

* فهماً أعمق للأسواق العالمية.

* أدوات للتحوط الديناميكي.

* ثقة أكبر في اتخاذ قرارات استثمارية قائمة على البيانات.

 

دور مركز دراسات الاستثمار

أكد المركز أن هذا البرنامج يأتي ضمن استراتيجية أوسع لنشر الثقافة المالية المتقدمة، ودعم التحول المالي في الكويت، وبناء مجتمع مهني متخصص قادر على المنافسة إقليمياً ودولياً، والمساهمة في تشكيل بيئة تنظيمية داعمة للابتكار وتوسيع عمق السوق.

 

ختاماً

يؤكد الاتحاد أن **المعرفة المالية المتخصصة هي البنية التحتية الحقيقية لأي اقتصاد تنافسي**.

ومن خلال هذا البرنامج المتقدم، يؤكد اتحاد شركات الاستثمار ومركز دراسات الاستثمار أهمية تفاعل سوق الكويت المالي مع أفضل الممارسات الدولية، وأنه يملك القدرة على مواجهة التحولات العالمية بثقة.

“إتقان العقود المستقبلية ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو مفتاح إدارة المخاطر في عالم يتسم بالتقلب.” — اتحاد شركات الاستثمار (UIC)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى