السوق العقاري الكويتي: اتجاهات النمو وآليات التحسين

يُعتبر السوق العقاري من أبرز القطاعات الاقتصادية في الكويت، حيث يلعب دورًا محوريًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. في السنوات الأخيرة، شهدت الكويت تطورًا ملحوظًا في تنظيم هذا القطاع عبر إدخال معايير وتقنيات جديدة للتقييم العقاري، بهدف تعزيز الشفافية وضمان تقييم عادل للأصول العقارية.
وفقًا لتقرير Oxford Business Group وTimes Kuwait، يُقدّر حجم السوق العقاري الكويتي بحوالي 54 مليار دولار في عام 2024، مما يجعلها رابع أكبر سوق في دول مجلس التعاون الخليجي. يتضمن هذا الرقم جميع المشاريع العقارية، السكنية والتجارية، بينما تسعى الحكومة الكويتية إلى تعزيز السوق من خلال تنفيذ مشاريع جديدة وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. تأتي هذه الجهود في إطار رؤية “كويت الجديدة 2035” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.
في عام 2023، بلغ حجم التداولات العقارية في الكويت حوالي 10 مليارات دولار أمريكي، مما يعكس نشاطًا ملحوظًا في هذا القطاع. بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي الذي يُقدّر بحوالي 78.6 مليار دولار أمريكي، فإن حجم التداولات العقارية يمثل حوالي 12.74% من الناتج المحلي. هذه النسبة تدل على أهمية القطاع العقاري كأحد المكونات الحيوية للاقتصاد الكويتي، حيث تساهم في تعزيز الاستثمارات وتنشيط الأنشطة الاقتصادية. كما يعكس الارتفاع المستمر في حجم التداولات العقارية مرونة السوق وقدرته على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والطلب المتزايد على العقارات.
أحد المبادرات الرائدة في هذا المجال هو إطلاق “برنامج المقيم العقاري المعتمد (ج)”، الذي يجري تنفيذه برعاية وزارة التجارة ومعهد الدراسات المصرفية. يهدف هذا البرنامج إلى تطوير قدرات المهنيين العاملين في قطاع التقييم العقاري من خلال تزويدهم بالمعرفة النظرية والمهارات التطبيقية في ضوء المعايير المحلية والدولية.بالإضافة إلى ذلك، أعلن بنك بيت التمويل الكويتي “بيتك” عن برنامج التقييم العقاري بالتعاون مع جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، حيث يتاح البرنامج لعموم العاملين والمهتمين في مجال العقار بالكويت.
أقدم وأعرق برنامج تقييم عقاري في العالم هو برنامج Royal Institution of Chartered Surveyors (RICS)، المعروف أيضًا باسم Red Book. تم تأسيس RICS في المملكة المتحدة عام 1868، ويُعتبر من أبرز الهيئات المهنية في مجال المساحة والتقييم العقاري. وقد تم نشر معايير الكتاب الأحمر العالمية لأول مرة في عام 1976، ويتم تحديثها بانتظام لتعكس تغيرات السوق وتطوراتها. وهي معترف بها عالميًا كواحدة من أكثر مجموعات المعايير صرامة للتقييم، وبالتالي، تعمل كمرجع رئيسي للمستخدمين وأصحاب المصلحة العالميين من قبل RICS كجزء من التزامها بتعزيز ودعم المعايير العالية في تقديم التقييم في جميع أنحاء العالم. يعرض الكتاب الأحمر تفاصيل الممارسات الإلزامية لأعضاء المعهد الملكي للمساحين القانونيين الذين يقومون بخدمات التقييم. كما أنه يوفر مصدرًا مرجعيًا مفيدًا لمستخدمي التقييم وأصحاب المصلحة الآخرين.
تتسارع وتيرة الاهتمام المحلي والعالمي بالتقييم العقاري في البلدان المتقدمة، لما يحققه من استقرار ناشئ عن نشاط اقتصادي حقيقي. تسعى الدول إلى اعتماد معايير ومنهجية لتحديد قيمة الأصول العقارية، وتزداد الأهمية مع دخول قوانين الرهن العقاري في العديد من البلدان والحصول على التسهيلات الائتمانية، والحاجة المتزايدة لتقييم العقارات والأصول في ضوء المعايير المحاسبية الدولية المستجدة. كما يُقدم التقييم العقاري حلولًا للشركات في حالات التأسيس والدمج والتصفية والمزادات العقارية وصناديق الاستثمار، مما يسهم في تخفيف حدة المخاطر والمنازعات القانونية للأفراد والشركات على حد سواء.
أهمية التقييم العقاري
يلعب التقييم العقاري دورًا حيويًا في استقرار السوق العقاري، حيث يُعتمد عليه في اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالتمويل والرهن العقاري، بالإضافة إلى تقييم الأصول لأغراض تأسيس الشركات أو دمجها أو تصفيتها. كما يمثل التقييم أداة أساسية في الحد من المخاطر القانونية والاستثمارية التي قد تواجه الأفراد والشركات.
التحديات والفرص
على الرغم من أهمية هذا القطاع، يواجه السوق العقاري الكويتي تحديات متزايدة تتعلق بضمان الشفافية والحوكمة في عمليات التقييم. ومن هنا، تبرز أهمية مبادرة وزارة التجارة ومعهد الدراسات المصرفية لتعزيز الخبرات وبناء القدرات لدى العاملين في هذا المجال من خلال توفير برامج تعليمية وتدريبية متخصصة.
أهداف برنامج المقيم العقاري المعتمد (ج)
تتمثل أهداف البرنامج في فهم أساسيات التقييم وأدواته وآليات عمله، واستيعاب طرق التقييم المختلفة، بالإضافة إلى معرفة نشأة وتطوير المعايير الدولية للتقييم العقاري. كما يسعى البرنامج إلى التعرف على التشريعات والنظم والأخلاقيات المنظمة للتقييم العقاري في الكويت، وفهم كيفية استخدام معايير التقييم في المؤسسات المختلفة. يهدف أيضًا إلى إتقان مهارات التقييم العقاري وكتابة التقارير المختلفة، وفهم أهم المستجدات في عالم التمويل والاستثمار والمحاسبة في مجال التقييم العقاري.
برنامج RICS Valuation (Red Book)
يُعتبر برنامج RICS واحدًا من أعرق البرامج الدولية في مجال التقييم العقاري والذي تم إطلاقه RICS Valuation (Red Book) من المعهد الملكي للمساحين القانونيين في المملكة المتحدة في عام 1980. يهدف إلى تعزيز معايير التقييم العقاري وضمان دقتها وموضوعيتها. يتضمن البرنامج مبادئ أساسية للتقييم، بما في ذلك الأنواع المختلفة من التقييم (مثل التقييم السوقي والتقييم وفقا للتكلفة) وكيفية تطبيق المعايير الدولية. يشمل أيضًا خطوات إجراء التقييم من جمع البيانات إلى إعداد التقارير، مع التركيز على المخاطر المرتبطة بالتقييم وطرق إدارتها. يقدم البرنامج أيضًا دراسات حالة عملية لتعزيز الفهم ويعزز فرص التعليم المستمر للممارسين. يمتد البرنامج على مدى عدة أشهر ويعتبر مرجعًا شاملاً للمهنيين في هذا المجال، مما يسهم في تحسين الشفافية والمصداقية في السوق العقاري.
انعكاس البرنامج على السوق العقاري الكويتي
يُعد برنامج المقيم العقاري المعتمد (ج) خطوة مهمة نحو تحسين كفاءة وشفافية السوق العقاري في الكويت، حيث يسهم في بناء منهجية معتمدة للتقييم العقاري تعكس حالة العرض والطلب في السوق بشكل واقعي. كما يعزز البرنامج من قدرات المهنيين في السوق الكويتي، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات العقارية وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
التوجهات المستقبلية
مع التوجه نحو تطبيق معايير التقييم الدولية في الكويت، يبدو أن السوق العقاري مهيأ للنمو بشكل أكبر في السنوات القادمة. تشكل هذه الجهود المتواصلة لتنظيم السوق وتطوير الكوادر البشرية ركيزة أساسية لتحقيق نقلة نوعية في قطاع العقارات، سواء من حيث الشفافية أو من حيث جذب الاستثمارات.
الاستفادة من الخبرات السابقة في تأهيل المقيمين العقاريين
هناك خبرات دولية عقارية عريقة يمكن الاستفادة منها لتطوير التعليم المستجد في مجال التقييم العقاري، حيث تشمل الشهادات الرائدة عالميًا مثل RICS Valuation (Red Book) من المعهد الملكي للمساحين القانونيين في المملكة المتحدة، وCertified General Appraiser (CGA) من معهد التقييم الأمريكي، وCertified Residential Appraiser (CRA) من معهد التقييم الكندي. كما تشمل برامج أكاديمية متخصصة مثل Masters in Real Estate Valuation من جامعة ريدنج البريطانية وCertified Valuation Analyst (CVA) من الرابطة الوطنية للمقيّمين المعتمدين.
في منطقة الخليج، تشمل الشهادات المهمة RICS Accreditation في السعودية والإمارات، وشهادة التقييم العقاري من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين “تقييم”. جميع هذه البرامج تهدف إلى تعزيز الشفافية والحوكمة في السوق العقاري الخليجي وتزويد المتخصصين بالمهارات والمعرفة اللازمة لتقييم الأصول العقارية.
تطوير البحث العلمي في مجال العقار والتقييم
يتطلب البحث العلمي في مجال العقار والتقييم مزيدًا من التطوير من خلال إصدار مجلات علمية متخصصة، حيث يُعتبر التقييم العقاري وسوق العقارات من المجالات الحيوية التي تحتاج إلى دراسات وأبحاث مستمرة لتطوير السياسات وتعزيز الشفافية. لذا، نقترح ما يلي:
1. إصدار مجلة علمية متخصصة في التقييم العقاري: مجلة فصلية أو نصف سنوية تتناول أحدث الأبحاث والدراسات في مجال التقييم العقاري، بما في ذلك تقنيات التقييم والمعايير الدولية.
2. دعم الأبحاث المحلية والإقليمية: تشجيع الأكاديميين والمهنيين في منطقة الخليج على تقديم أبحاث علمية تغطي المواضيع المتعلقة بسوق العقارات المحلي.
3. إنشاء قسم خاص بالتقييم العقاري في المجلات الاقتصادية الحالية: تحتوي المجلات الاقتصادية الحالية على أقسام مخصصة لمقالات وأبحاث عن التقييم العقاري.
4. تشجيع الدراسات التطبيقية والتقارير السوقية: تضمين تقارير فصلية عن تطورات سوق العقارات في الخليج.
5. إدراج أبحاث طلاب الدراسات العليا: تشجيع طلاب الماجستير والدكتوراه على نشر أبحاثهم في المجلات المقترحة، تمهيدا لإدراج بكالوريوس في مجال الاستثمار العقارى والتقييم في الجامعات الكويتية.
علاقة البنوك الكويتية بالتقييم العقاري
وفي النهاية فإن البعض ولاسيما من غير المتخصصين قد يتسأل ماهو علاقة البنوك بالأنشطة العقارية وما أهمية التقييم العقاري لها؟ ولماذا يتصدي معهد الدراسات المصرفية لتقديم برامج متخصصة للمقيمين العقاري؟ والحقيقة أن علاقة البنوك الكويتية بالتقييم العقاري علاقة مؤكدة وتتمحور حول عدة جوانب أساسية تتعلق بالتمويل والرهن العقاري وتقييم الأصول العقارية التي تمثل ضمانات للقروض، مع وجود أدوات إسلامية في التعامل العقاري بما يضمن التقييم العادل للأصول ومتابعة دقيقة من البنوك وبنك الكويت المركزي لمؤشرات الأسعار العقارية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي وضبط السيولة والتحكم في التضخم، وفيما يلي أبرز الجوانب التي تربط البنوك الكويتية بالتقييم العقاري:
1. التمويل العقاري: البنوك تقدم قروضاً عقارية للأفراد والشركات، ويُعتبر التقييم العقاري شرطاً أساسياً لمنح هذه القروض، حيث يساعد في تحديد قيمة العقار المراد تمويله.
2. الرهن العقاري: يقوم العميل برهن العقار كضمان للقرض، مما يتطلب تقييمًا دقيقًا لضمان حقوق البنك.
3. تقييم الأصول: تستخدم البنوك التقييم العقاري في محفظتها لتقييم الأصول والممتلكات العقارية.
4. الحوكمة والمخاطر: يساعد التقييم العقاري في إدارة المخاطر المرتبطة بالاستثمار في العقارات.
وبهذه العلاقة الوثيقة، يسهم التقييم العقاري في تعزيز الاستقرار المالي للبنوك الكويتية وتوفير الضمانات اللازمة لاستمرار نمو السوق العقاري.
الخاتمة
في الختام، يُعد السوق العقاري الكويتي ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث يشهد نموًا متسارعًا واهتمامًا متزايدًا من الجهات الحكومية والقطاع الخاص. تُعتبر مبادرات تحسين التقييم العقاري جزءًا حيويًا من هذا التطور، حيث تسهم في تعزيز الشفافية والمصداقية في السوق.
كما أن تطبيق المعايير الدولية للتقييم يعكس التزام الكويت بتحقيق أفضل الممارسات العالمية، مما يعزز من جاذبية السوق للمستثمرين المحليين والدوليين. ويُعتبر برنامج المقيم العقاري المعتمد (ج) خطوة هامة نحو تأهيل الكوادر البشرية وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لتعزيز السوق ستتبعها خطوات لتطوير برنامجين جدد (أ) و(ب) بما يحقق برنامج متكامل مكون من ثلاث مراحل متدرجة.
من خلال تبني منهجيات علمية متقدمة واستثمار الخبرات الدولية، يُمكن للكويت أن تواصل تطوير قطاعها العقاري وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، كما إن الاستفادة من التجارب الناجحة في مجال التقييم العقاري تعزز من قدرة السوق على مواجهة التحديات المستقبلية.