مقالات

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الوظائف

بقلم – ليما راشد الملا

لم تعد البطالة في الولايات المتحدة مجرد رقم في جداول الإحصاءات، بل أصبحت مؤشراً على تحولات عميقة في الاقتصاد العالمي. ففي أحدث بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي (BLS)، ارتفع معدل البطالة من 4.2% إلى 4.3%. قد يبدو هذا التغير محدوداً، لكنه في اقتصاد ضخم مثل الاقتصاد الأميركي يعني فقدان عشرات آلاف الوظائف، ويوضح في العمق دخول ثورة الذكاء الاصطناعي لاعباً رئيسياً في سوق العمل.

ارتفاع البطالة في أميركا يدق ناقوس الخطر

منذ مطلع 2023 وحتى منتصف 2025، خسر سوق العمل الأميركي أكثر من 200 ألف وظيفة مكتبية وإدارية على إثر إدخال الأنظمة الآلية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 30% من الشركات الأميركية الكبرى دمجت الذكاء الاصطناعي في عملياتها، وهذه الخطوة أدت إلى رفع الإنتاجية بنسبة تراوحت بين 5% و20%، لكنها أسهمت في تقليص الاعتماد على التدخل البشري.

تفاقم التحديات في أوروبا مع نسب غير مسبوقة

الوضع في أوروبا يبدو أكثر صعوبة. فمعدل البطالة في منطقة اليورو يناهز 6% في المتوسط، أي أعلى بنقطتين تقريباً من المعدل الأميركي. ويرجع ذلك إلى بطء النمو الاقتصادي، إضافة إلى اعتماد قطاعات واسعة على أعمال روتينية معرّضة للاستبدال. البنك الأوروبي للاستثمار يتوقع أن تكون 12 مليون وظيفة في القارة قابلة للاستبدال بالتشغيل الآلي بحلول 2030، وهذا التحول يزيد الضغط على الحكومات لتطوير استراتيجيات تدريبية عاجلة.

الخليج بين انخفاض الأرقام وارتفاع القلق

أما في دول الخليج، فإن الصورة مختلفة. معدلات البطالة الرسمية غالباً ما تتراوح بين 2% و3%، وهي من بين الأدنى عالمياً. ويرجع ذلك إلى مزيج من وفرة الوظائف الحكومية، الإنفاق العام الكبير، وسياسات استقدام العمالة الوافدة. لكن التحدي الحقيقي يكمُن في خلق وظائف نوعية للمواطنين مستقبلاً، خاصة مع التحولات الرقمية وتزايد اعتماد الشركات الخليجية على الأنظمة الآلية. تقارير صندوق النقد الدولي تحذّر من أن الاعتماد المفرط على النفط والقطاع العام قد يجعل المنطقة أكثر عرضة لهزات سوق العمل عند تسارع موجة الذكاء الاصطناعي.

الأرقام العالمية تكشف أزمات… وتلوّح بفرص

التقديرات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي تشير إلى أن 44% من المهام الوظيفية الحالية في العالم معرضة الأتمتة (Automation) خلال العقد المقبل. أما في الاقتصادات النامية، فقد تصل النسبة إلى 60% بسبب اعتمادها الكبير على الأعمال اليدوية والروتينية. وفي الصين وحدها، يتوقع استبدال 80 مليون وظيفة بحلول 2035، أي ما يعادل تقريباً حجم القوة العاملة في فرنسا وألمانيا مجتمعتين.

التكلفة الاجتماعية والاقتصادية

كل 1% زيادة في البطالة يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2%، وفق قاعدة “أوكُن”. وبذلك فإن ارتفاع البطالة الأميركية الأخير (من 4.2% إلى 4.3%) قد يُترجم إلى خسارة عشرات مليارات الدولارات في الناتج. أما في أوروبا، فإن استمرار البطالة فوق 6% يضغط على المالية العامة والإنفاق الاجتماعي. وفي الخليج، فإن أي ارتفاع طفيف قد يثير حساسية سياسية واجتماعية، بالنظر إلى طبيعة التعاقد الاجتماعي القائم على توفير فرص عمل مستقرة للمواطنين.

ما الطريق إلى المعالجة؟

١-في أميركا: الاستثمار في إعادة تدريب العمالة وتطوير التعليم الرقمي.

 

٢-في أوروبا: تحفيز الابتكار لتجاوز بطء النمو التقليدي وتقليص الفجوة التقنية.

 

٣-في الخليج: تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط وتعزيز القطاع الخاص لتوليد وظائف نوعية للمواطنين.

خلاصة القول

ارتفاع البطالة الأميركية إلى 4.3% ليس مجرد رقم، بل مؤشر على مرحلة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي. أوروبا تواجه تحدياً أكبر مع معدل 6%، فيما تبدو أرقام الخليج منخفضة نسبياً عند 2–3% لكنها تخفي هواجس مستقبلية تتعلق بقدرة المنطقة على التكيّف مع التحول الرقمي. العالم أمام مفترق طرق: إما استثمار في المهارات والبنية الاقتصادية يحوّل الذكاء الاصطناعي إلى فرصة، أو مواجهة بطالة هيكلية قد تعصف بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى