تقارير وأبحاث

“الوطني”: تعافي الاقتصاد الكويتي إلى حجمه المسجل قبل الجائحة بسرعة أكبر مما كان متوقع

مطلوب زيادة التركيز على الاستثمارات الرأسمالية لسد فجوة الأداء مع اقتصادات دور الجوار

من الضروري إجراء تغييرات في تركيبة الإنفاق العام لتحقيق الأثر

 يجب توسيع نطاق الدور الذي يلعبه القطاع الخاص مع توفير الحكومة للأدوات التنظيمية والحوافز

  انخفاض الناتج المحلي في الربع الرابع من 2023 نتيجة تراجع القطاع النفطي

 الحكومة الجديدة مهتمة بالتركيز على تحديد أولويات الإصلاحات المالية والاقتصادية وتسريع تنفيذ مشاريع خطة التنمية

ذكر تقرير صادر عن البنك الوطني أن التقديرات الأولية تشير لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2023، بتحسن هامشي مقارنة بنتائج الربع السابق والبالغة -5.8%. وبقي القطاع النفطي مقيداً بتخفيضات حصص الإنتاج التي فرضتها منظمة الأوبك، في حين سجل القطاع غير النفطي انخفاضاً أكثر حدة مما كان عليه في الربع السابق. وبالنسبة لعام 2023 ككل، انكمش الاقتصاد غير النفطي للعام الثاني على التوالي. وأظهرت بيانات الناتج حسب مكونات الإنفاق أن حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي بلغت ما نسبته 17% من الناتج في عام 2022 (آخر بيانات متاحة)، وهو البند الذي يمكن رفعه لمستويات أعلى بكثير في ظل مساعي الحكومة الجديدة الرامية لتحقيق أهداف التنويع والتنمية.   

القطاع النفطي يدخل منطقة الانكماش رغم إمكانية تقليص تخفيضات الانتاج بدءاً من الربع الرابع من عام 2024 

وأشارت البيانات لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي النفطي في الربع الرابع من 2023 بنسبة 6.4% على أساس سنوي، في تحسن هامشي عن المستويات المسجلة في الربع السابق، مع بقاء الانتاج النفطي عند مستوى 2.55 مليون برميل يومياً، بما يتسق مع التزاماتها بخطة منظمة الأوبك وحلفائها لخفض حصص الإنتاج (الرسم البياني 2). وبالنسبة لعام 2023 بأكمله، انكمش الناتج المحلي النفطي بنسبة 4.3% في تحول ملحوظ عن النمو القوي الذي شهده في عام 2022 عندما ساهم تشديد أوضاع سوق النفط في دفع الكويت ونظرائها من الدول الأعضاء في الأوبك إلى زيادة الإنتاج.

إلا أن الأداء الإيجابي للنفط في عام 2022 جاء خلافاً للتوقعات، إذ كان نمو القطاع النفطي سلبياً في سبع من السنوات العشر الماضية، وكانت هذه التقلبات مرتبطة مع سياسة أوبك الإنتاجية التي اضطرتها إلى التكيف مع معطيات الفترة التي أعقبت وفرة إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة وتزايد الضغوط الهبوطية على أسعار النفط، مما اضطرها لخفض الإنتاج في كثير من الأحيان بدلا من رفعه. وبالتالي فإن إنتاج الكويت من النفط الخام في عام 2023 (2.59 مليون برميل يومياً) كان أقل بنحو 10% مما كان عليه في عام 2014 (2.87 مليون برميل يومياً).

أما بالنسبة للنظرة المستقبلية، فمن المرجح أن يبدأ نمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي في الارتفاع اعتباراً من الربع الرابع من عام 2024 بعد أن أعلنت الأوبك وحلفائها في يونيو أن تخفيضات الإنتاج الطوعية للدول الأعضاء لعام 2024، والتي تبلغ حصة الكويت منها 135 ألف برميل يومياً، سيتم إلغائها تدريجياً على مدار عام بدءاً من شهر أكتوبر القادم. وتشير تقديراتنا إلى أن الناتج المحلي النفطي سيرتفع بنسبة 0.9% على أساس ربع سنوي في الربع الرابع من عام 2024 وبنسبة 4.0% في عام 2025 كاملاً إذا تمت استعادة هذا الإنتاج بالكامل كما هو مخطط له، وعلى الرغم من أن الأوبك تركت المجال مفتوحاً أمام إمكانية أن تتوقف مؤقتاً أو حتى تعكس زيادة الامدادات التي أعلنت عنها إذا اضطرتها ظروف السوق لذلك.

تراجع النشاط غير النفطي في الربع الرابع من عام 2023، وانكماش القطاع للعام الثاني في 2023

بقي الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي في منطقة الانكماش عند -2.3% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2023، متراجعاً للربع الخامس على التوالي. وبالنسبة لعام 2023 ككل، انخفض النشاط غير النفطي بنسبة 2.9%، متراجعاً بذلك للعام الثاني على التوالي بعد انخفاضه في عام 2022 بنسبة 0.1% (تم تعديله بالخفض من +0.3%). وتعتبر هذه النسبة من أضعف المستويات المسجلة في سلسلة القراءات المتاحة وأقل بكثير من المتوسط المسجل خلال الفترة الممتدة ما بين 2011-2019 والبالغ + 3.3% سنوياً.

تأثر الأداء على المستوى القطاعي في عام 2023 بصورة رئيسية بقطاع النقل والتخزين (+20%) والفنادق والمطاعم (+17.4%) والعمالة المنزلية (+13.1 %) (الرسم البياني 3). وأشارت البيانات الصادرة عن هذا القطاع الأخير إلى تزايد الطلب على العمالة المنزلية في حين أن تحسن إنتاجية قطاع الضيافة، للسنة الثانية على التوالي، لا يقتصر فقط على الإشارة إلى قوة الاستهلاك، بل أيضاً إلى الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتطوير وتوسيع القدرة المحلية للقطاع. إلا أن أداء القطاعات الأكبر، كالتصنيع (-17% على أساس سنوي)، والتي كان أداؤها ضعيفاً في السنوات الأخيرة رغم المكاسب القوية التي سجلها إنتاج تكرير النفط، والتجارة (-2.8%) والخدمات والعقارات الأخرى (-2 %)، كانت أكثر سلبية بشكل ملحوظ في عام 2023 مقارنة بعام 2022.

الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لمكونات الإنفاق يشير إلى تراجع الاستثمار بالقرب من أدنى مستوياته المسجلة تاريخياً

كما نشرت الادارة المركزية للإحصاء البيانات المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي حسب مكونات الإنفاق حتى عام 2022 والتي ألقت الضوء على نمو الاقتصاد الكويتي من منظور مختلف. ويمكن ملاحظة أنه في عام 2020، في خضم الجائحة، انخفض الاستهلاك الخاص (-11%) وإجمالي الاستثمار (-36%) بشكل حاد، مما ساهم في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5% تقريباً في ذلك العام (الرسم البياني 5). واحتل الاستهلاك الخاص والحكومي الصدارة من حيث تسجيله لأعلى معدلات الانتعاش في عام 2021، بينما لم يشهد الاستثمار تغيراً كبيراً (+1.8%). وكانت الصادرات هي المحرك الرئيس لاستمرار التعافي في عام 2022، وهو العام الذي سجل فيه إنتاج النفط وصادرات النفط في الكويت نمواً ملحوظاً لموازنة تشديد أوضاع السوق التي تأثرت سلباً جراء غزو روسيا لأوكرانيا. من جهة أخرى، ارتفع الاستثمار أيضاً بنسبة 44% في عام 2022 – إلا أن ذلك النمو كان انطلاقاً من قاعدة الأساس المنخفضة المتأثرة بتداعيات الجائحة، إذ بقي الاستثمار الحقيقي أقل بكثير من المستويات المسجلة في سنوات ما قبل الجائحة. وقد تجلى ذلك بوضوح في خفض النفقات الرأسمالية للموازنات الحكومية المتعاقبة، إذ انخفض هذا البند من مستويات الذروة البالغة 3.8 مليار دينار في السنة المالية 2019/2020 إلى 2.5 مليار دينار في السنة المالية 2023/2024. كما أنه يعزز ما حصلنا عليه من بيانات أخرى حول شكل الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة، والذي اعتمد في الغالب على الإنفاق الاستهلاكي والصادرات النفطية. وسيتطلب الأمر زيادة إجمالي الاستثمار (العام والخاص)، الذي شكل نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، بصورة كبيرة إذا أرادت الحكومة تحقيق أهداف الإصلاح والتنويع الاقتصادي بنجاح.

تعافى الاقتصاد إلى حجم ما قبل الجائحة في عام 2021، في وقت أبكر مما كان يعتقد في الأساس

وتؤكد بيانات الناتج المحلي على تعافي الاقتصاد الكويتي إلى حجمه المسجل قبل الجائحة بسرعة أكبر مما كان يعتقد في الاساس. إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 42.9 مليار دينار (143 مليار دولار) في عام 2021 مقابل 33.6 مليار دينار في عام 2020، بزيادة بلغت نسبتها 28% على أساس سنوي، فيما يعزى بصفة رئيسية لارتفاع أسعار النفط التي دفعت الناتج المحلي الإجمالي النفطي لتسجيل نمواً تخطى أكثر من 67% (الرسم البياني 6). إلا أنه في عام 2023، تراجع الناتج المحلي الإجمالي، ووصل إلى 50.3 مليار دينار (-9.8%)، مما يعكس مرة أخرى التغيرات التي طرأت على الناتج المحلي الإجمالي النفطي. وانعكس هذا الانخفاض، إلى جانب زيادة التعداد السكاني (+2.3% على أساس سنوي وفقاً للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية) على دخل الفرد من الناتج، والذي انخفض إلى 33.7 ألف دولار في عام 2023.

الحكومة تضع الإصلاحات الاقتصادية والتنمية في صدارة أولوياتها في ظل الأداء الضعيف للقطاع غير نفطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى