وسائل التواصل الاجتماعي في 2024: تحول رقمي يعيد تشكيل المجتمعات

شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تطورًا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. في عام 2024، تتجلى هذه التحولات في هيمنة منصات كبرى، مثل Meta (فيسبوك، إنستغرام، واتساب)، ويوتيوب، وظهور منصات جديدة قد تغير مجرى اللعبة في المستقبل. لكن، على الرغم من النجاحات الباهرة، تواجه هذه المنصات تحديات متزايدة، منها النزاعات التنظيمية، والأزمات الاقتصادية، وتغير تفضيلات المستخدمين.
تطور عدد المستخدمين وتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى منصات اقتصادية قوية
منذ بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، شهدنا تحولًا كبيرًا في دور هذه المنصات. لم تعد هذه المنصات مجرد أدوات تواصل اجتماعي، بل أصبحت منصات اقتصادية قوية تلعب دورًا محوريًا في التجارة الرقمية والإعلانات. فقد أصبحت هذه الشبكات محركات رئيسية للاقتصاد الرقمي على مستوى العالم.
تطور عدد المستخدمين
في 2024، أظهرت البيانات أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم تجاوز 5.5 مليار شخص، أي ما يعادل نحو 71% من سكان العالم. من بين هؤلاء، تظل فيسبوك (التي تضم منصات مثل إنستغرام وواتساب) في المقدمة مع أكثر من 2.9 مليار مستخدم نشط شهريًا، تليها يوتيوب وتيك توك، حيث يملك يوتيوب أكثر من 2.5 مليار مستخدم نشط شهريًا، بينما ينمو عدد مستخدمي تيك توك بشكل سريع ليصل إلى 1.1 مليار مستخدم في 2024.
أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد أظهرت الدراسات أن أكثر من 90% من سكان الإمارات يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، في حين تتراوح النسبة في السعودية والكويت بين 60% إلى 70%، مما يعكس التزايد المستمر في استخدام هذه المنصات في المنطقة.
التحول من منصات اجتماعية إلى منصات اقتصادية
بدأت منصات مثل فيسبوك، إنستغرام، وتيك توك في التحول من مجرد منصات ترفيهية تواصلية إلى منصات اقتصادية قوية تسهم بشكل كبير في النمو التجاري. في 2023، بلغ الإنفاق الإعلاني الرقمي العالمي 400 مليار دولار، حيث استحوذت Meta (فيسبوك وإنستغرام) على 66% من هذا الإنفاق، بما يعادل أكثر من 264 مليار دولار، مما يثبت قوتها الاقتصادية الكبيرة.
أصبحت هذه المنصات تتحكم في جزء كبير من السوق الإعلاني، حيث تعمل الشركات على استهداف الجماهير بشكل دقيق باستخدام أدوات الإعلان المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن تيك توك قد شهد نمواً كبيراً في الإيرادات الإعلانية، حيث تمثل 9.5% من سوق الإعلانات الرقمية في 2024، مع تسجيل نمو سنوي قدره 19%. كما أن تطبيقات التجارة الإلكترونية مثل إنستغرام قد أصبحت منصة أساسية للتسوق، حيث أن 70% من مستخدمي إنستغرام يتابعون علامات تجارية.
حجم الشركات التي تقف خلف المنصات
فيما يتعلق بالحجم الاقتصادي للشركات التي تقف وراء هذه المنصات، نجد أن الشركات الكبرى مثل Meta (التي تملك فيسبوك وإنستغرام) و Google (التي تملك يوتيوب) تحقق أرباحًا ضخمة. في 2023، حققت Meta إيرادات بلغت 116 مليار دولار، بينما كانت إيرادات Google من إعلانات يوتيوب تقدر بحوالي 30 مليار دولار سنويًا. أما TikTok، فشركتها الأم ByteDance تقدر قيمتها السوقية بأكثر من 200 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أقوى الشركات التكنولوجية في العالم.
هيمنة منصات التواصل الكبرى: بين الابتكار والتحفظ
منصات مثل Meta لا تزال متربعة على عرش وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استحوذت في النصف الأول من 2024 على 63.8% من الإنفاق الإعلاني الرقمي في الولايات المتحدة، أي ما يعادل 75 مليار دولار.
فيسبوك وإنستغرام بمفردهما قد جذبا نحو 69.8 مليار دولار من الإنفاق الإعلاني، ما يبرز قدرتهما على جذب المعلنين من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي تتيح استهدافًا دقيقًا للجماهير. وفي وقت يتفوق فيه يوتيوب في مشاركة الفيديوهات، يواجه TikTok النمو السريع، لكنه لا يزال في صراع للحفاظ على توازنه في ظل التحديات التنظيمية العالمية، خاصةً في الولايات المتحدة.
لكن إذا نظرنا إلى النمو السريع لهذه المنصات الكبرى، نجد أن تيك توك قد أصبح واحدًا من الأسماء التي تهيمن على الشباب في شتى أنحاء العالم. رغم أن حصته الإعلانية تبلغ 9.5% فقط من السوق، فإنه يشهد نموًا سنويًا قدره 19%. ولكن في الوقت نفسه، فإنها تواجه ضغوطًا بسبب علاقاتها مع الصين، ما يفتح بابًا لتساؤلات حول مستقبل المنصة في ظل المتغيرات السياسية.
منصات جديدة وصعودها
المنصات البديلة، مثل BeReal و Mastodon، ظهرت كبدائل للمنصات الكبرى. هذه المنصات تقدم تجارب جديدة، تركز على الخصوصية والصدق، في حين تبتعد عن التأثيرات التجارية، التي هي سمة منصات مثل فيسبوك وإنستغرام. لكن بالرغم من هذه المزايا، فإن قدرتها على منافسة الشبكات الكبرى في حجم المستخدمين والتأثير لا تزال محدودة.
التحولات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في منطقة الخليج
تعتبر دول الخليج العربية من الأسواق الناشئة الهامة في هذا المجال، حيث يزداد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستمر. ففي الإمارات، على سبيل المثال، يستخدم أكثر من 99% من السكان وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها واحدة من أعلى المعدلات في العالم. في السعودية، يتمتع 60% من السكان بحسابات على منصات مثل إنستغرام وتويتر، وهي نسب تُظهر اعتمادًا عاليًا على منصات التواصل، خاصة في مجال التجارة الإلكترونية والإعلانات. هذا التوجه يعكس التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة، حيث تمثل هذه المنصات أسواقًا حيوية للمعلنين والمستهلكين على حد سواء.
الأثر الاقتصادي والتجاري
من خلال هذه البيانات، يمكننا أن نرى كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي محركًا رئيسيًا للاقتصاد الرقمي في دول الخليج. منصات مثل فيسبوك وإنستغرام تستقطب غالبية الإنفاق الإعلاني، مما يعزز النمو في السوق الرقمي. الشركات المحلية والدولية تستفيد من هذه المنصات للوصول إلى جمهور مستهدف، معتمدين على الأدوات المتقدمة مثل الإعلانات المدفوعة والمحتوى الموجه.
أما تيك توك، فيعد عامل جذب للمعلنين في دول الخليج، خاصة بين الفئات العمرية الأصغر، مما يجعلها وجهة أساسية لمختلف العلامات التجارية.
التحديات التي تواجه وسائل التواصل الاجتماعي
رغم النجاح الكبير، يواجه قطاع وسائل التواصل الاجتماعي في 2024 العديد من التحديات. أبرزها:
• الميتافيرس: رغم الطموحات الكبرى التي تسعى إليها Meta للاستثمار في الميتافيرس، فإن الواقع يشير إلى صعوبة جذب المستخدمين لهذه الفكرة. تكلفة الأجهزة المرتفعة ونقص البنية التحتية في بعض البلدان تحد من انتشار هذه التقنيات. والميتافيرس (Metaverse) هو مفهوم يشير إلى بيئة رقمية شاملة ومترابطة تمزج بين الواقع الافتراضي (VR)، الواقع المعزز (AR)، والعالم الرقمي. يُعرف بأنه عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، يمكن للمستخدمين التفاعل فيه عبر شخصيات رقمية (أفاتار) للمشاركة في أنشطة اجتماعية، تعليمية، اقتصادية، وترفيهية
• التهديدات التنظيمية: منصات مثل TikTok و Twitter (أو X) تواجه تهديدات تنظيمية، ما قد يؤثر على قدرتها على جذب الاستثمارات.
مخاوف الخصوصية:
أصبحت مخاوف الخصوصية قضية رئيسية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. يتم جمع بيانات المستخدمين بشكل كبير، مثل بيانات الموقع والتفاعلات الشخصية، مما يعرضها لخطر الانتهاك أو الاستخدام غير القانوني. الحاجة ملحة لتحليل عميق لهذه القضية وتطوير آليات تنظيمية وتشريعية لتعزيز حماية البيانات، بما في ذلك قوانين مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في أوروبا.
2. التأثير الاجتماعي:
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تشكيل المجتمعات، لكنها تثير آثارًا اجتماعية متعددة، منها:
• الصحة العقلية: يُربط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المفرط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب نتيجة المقارنات الاجتماعية أو التنمر الإلكتروني.
• الاستقطاب: تسهم الخوارزميات التي تعرض محتوى مشابهًا لما يفضله المستخدم في تعزيز الاستقطاب الفكري وتقليل التعرض لوجهات نظر مغايرة.
• انتشار المعلومات المضللة: تُعد منصات التواصل وسيلة رئيسية لنشر الأخبار الكاذبة والشائعات، مما يؤثر سلبًا على المجتمعات والديمقراطية.
3. تعديل المحتوى:
مع النمو الهائل في حجم المحتوى على هذه المنصات، يواجه مشرفو المحتوى تحديات كبيرة في إدارة المحتوى الضار أو المضلل. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في هذه المهمة، لكنه يواجه مشاكل تتعلق بالدقة والتحيزات المبرمجة فيه.
• على سبيل المثال، قد تُظهر أنظمة الذكاء الاصطناعي صعوبة في تحديد السياق الثقافي أو التمييز بين المحتوى الساخر والضار.
4. الاستدامة البيئية:
تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي على مراكز بيانات ضخمة تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتخزين البيانات وتشغيل الخوارزميات. ينتج عن ذلك بصمة كربونية متزايدة، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحسين كفاءة الطاقة لتقليل الأثر البيئي
آفاق النمو: ماذا ينتظرنا في المستقبل؟
من المتوقع أن يستمر نمو وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية والعالم في السنوات القادمة. التوجهات المستقبلية قد تشمل:
1. تزايد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين استهداف الإعلانات وتحليل بيانات المستخدمين.
2. نمو منصات جديدة قد تغير النظام الحالي للهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي.
3. توسيع استخدام الميتافيرس بشكل تدريجي، خاصة في أسواق مثل دول الخليج، التي تعتبر من الأسواق المهيأة لاحتضان هذه التكنولوجيا.
في النهاية، وسائل التواصل الاجتماعي في 2024 تعد أكثر من مجرد منصات ترفيهية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الرقمي والثقافة الاجتماعية. مع استمرار التطورات التكنولوجية والنمو المستمر في المنطقة، فإن منصات التواصل الاجتماعي ستكون في قلب التحولات القادمة، سواء كانت في الخليج أو على مستوى العالم.
الخلاصة
يجب أن نتوقع أن تستمر وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير بشكل غير مسبوق على حياتنا، من خلال التغيرات الثقافية والتجارية والاجتماعية. ومع استمرار الهيمنة من قبل المنصات الكبرى مثل Meta و TikTok، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه المنصات من الحفاظ على قوتها وسط الابتكارات المستقبلية، أم أن التغيير قادم لا محالة؟