السوق النفطية: هل نحن على أعتاب فائض وانخفاض في الأسعار في 2025؟

تشير الإحصائيات إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمثل نحو ثلث إنتاج النفط العالمي، حيث أنتجت 30,743 ألف برميل يوميًا في عام 2022، بزيادة سنوية قدرها 9.2%، مما يعادل 32.8% من إجمالي الإمدادات. تليها أمريكا الشمالية بنسبة 27%، ودول كومنولث الدول المستقلة (CIS) بـ 14.9%. في المقابل، تشهد أوروبا تراجعًا ملحوظًا إلى 3% فقط من الإنتاج، نتيجة التحولات نحو الطاقة النظيفة وتشديد التشريعات البيئية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تُعد أكبر منتج للنفط عالميًا، إلا أنها لا تزال تستورد كميات ضخمة لتلبية احتياجاتها. منظمة أوبك تسيطر على نحو 35% من الإنتاج العالمي، وترتفع النسبة إلى أكثر من النصف عند إضافة تحالف أوبك+.
تصريحات ترامب وتأثيرها على السوق
في الآونة الأخيرة، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدة تصريحات تتعلق بإنتاج النفط. ففي 20 يناير 2025، أعلن ترامب عن خطط لزيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى خفض أسعار الطاقة للمستهلكين الأمريكيين وتعزيز صادرات الطاقة الأمريكية إلى الأسواق العالمية. كما انتقد ترامب سياسات الاتحاد الأوروبي التجارية، مهددًا بفرض رسوم جمركية لدعم صادرات الطاقة الأمريكية.
إلى جانب ذلك، دعا ترامب منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى خفض أسعار النفط، مشيرًا إلى أن ذلك قد يسهم في إنهاء الصراع في أوكرانيا. وقال: “لقد طلبت من السعودية ودول أوبك خفض أسعار النفط، وهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن… إذا خفضوا الأسعار، ستنتهي حرب أوكرانيا سريعًا”.
هذه التصريحات أثرت على أسواق النفط، حيث أنهت أسعار النفط الأسبوع الماضي بانخفاض، مما أنهى سلسلة من المكاسب الأسبوعية المتتالية. جاء هذا التراجع بعد إعلان ترامب عن خطط لزيادة الإنتاج المحلي ومطالبته لأوبك بخفض الأسعار.
التحكم في نمو الطلب
ساهمت زيادة كفاءة استهلاك الوقود وانتشار المركبات الكهربائية في تقليص استهلاك البنزين، مما ضغط على الطلب العالمي للنفط. على سبيل المثال، انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) من 85 دولارًا في يوليو إلى 70 دولارًا حاليًا، كما انخفض خام برنت من 90 دولارًا إلى حوالي 75 دولارًا. ومع ذلك، يُعتقد أن التوقعات بحدوث فائض كبير قد تكون مبالغًا فيها، حيث يُتوقع أن تستمر الصين في تخفيض مخزوناتها، وقد يقلل المنتجون في الغرب من إنتاجهم. بناءً على ذلك، نتوقع أن يستقر خام WTI عند 75 دولارًا للبرميل في الأشهر المقبلة.
ما هو الفائض السوقي؟
يحدث الفائض في السوق عندما يتجاوز العرض الطلب، مما يؤدي عادةً إلى انخفاض الأسعار. وقد شهد العالم أربعة فوائض نفطية منذ عام 1985، صاحبتها زيادات في الإنتاج وتراجعات في الطلب. حاليًا، يسهم انخفاض الطلب في تزايد المخاوف من تكرار هذه الحالة.
ما الذي يضعف الطلب؟
خفضت وكالة الطاقة الدولية (IEA) توقعاتها للطلب العالمي بين يونيو وأكتوبر 2024، مع تقليل الطلب للربع الرابع من 2024 بمقدار 0.5 مليون برميل يوميًا، وللربع الرابع من 2025 بمقدار 0.6 مليون برميل يوميًا. ويُعزى ذلك إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني الناتج عن أزمة العقارات وتراجع الإنفاق الاستهلاكي.
المرونة الإنتاجية ودور النفط الصخري
يظل قطاع النفط الصخري الأمريكي منتجًا رئيسيًا بفضل قدرته على زيادة أو خفض الإنتاج سريعًا استجابةً لتغير الأسعار. تسهم هذه المرونة في تقليل تأثير الصدمات على أسعار النفط، مما يجعل أي ارتفاع كبير في الأسعار غير مستدام لفترات طويلة.
العوامل الجيوسياسية وأثرها
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، توقفت الدول الغربية عن شراء النفط من روسيا، إلا أن دولًا مثل الصين والهند عوضت الطلب بأسعار منخفضة. وإذا واجهت إيران صعوبات أكبر في بيع نفطها، فقد تتبع نهجًا مشابهًا. وتبقى منظمة أوبك قادرة على سد أي فجوات إنتاجية ناتجة عن التغيرات الجيوسياسية، حيث تمتلك طاقة احتياطية تقارب 5% من الإنتاج العالمي.
تغيرات استهلاك البنزين
شهدت كفاءة استهلاك الوقود تحسينات ملحوظة؛ إذ ارتفعت الأميال المقطوعة لكل جالون بنسبة 26.2% منذ عام 2013، مع زيادة انتشار المركبات الكهربائية والهجينة. وقد أدى ذلك إلى تقليص الطلب على البنزين.
استهلاك البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية
خلال الفترة من 2013 إلى 2023، شهد الاقتصاد الأمريكي تطورًا في عدة عوامل أثرت على استهلاك البنزين، حيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5%، مما يعكس نموًا اقتصاديًا ملحوظًا. وعلى الرغم من هذا النمو الاقتصادي، والذي عادة ما يُتوقع أن يزيد من استهلاك البنزين، أسهمت بعض العوامل الأخرى في الحد من هذا التأثير.
ارتفع عدد السكان بنسبة 8.7%، بينما زاد عدد المركبات بنسبة 17.4%، وارتفعت المسافات المقطوعة على أساس متحرك لمدة 12 شهرًا بنسبة 8.8%، مما يعكس زيادة الاعتماد على المركبات للسفر والتنقل. كما ارتفع متوسط عمر المركبات بنسبة 9.4%، مما يشير إلى استخدام المركبات لفترة أطول.
لكن من ناحية أخرى، ساهمت الكفاءة الطاقية بارتفاع بنسبة 26.2% (زيادة في عدد الأميال المقطوعة لكل جالون من البنزين)، وارتفعت نسبة السيارات الكهربائية ضمن إجمالي الأسطول، مما ساهم بشكل كبير في تخفيض استهلاك البنزين.
على مدار عقود، تطور سوق النفط والغاز دون وجود أي منافسة حقيقية. ورغم وجود منافسة بين منتجي النفط، لم يكن هناك بدائل قابلة للتطبيق لتكنولوجيا محركات الاحتراق الداخلي. ولكن الأمور تغيرت مع إدخال المركبات الكهربائية والهجينة في الألفينات. حيث دفعت هذه البدائل الصديقة للبيئة محركات الوقود إلى تحسين كفاءتها في استهلاك الطاقة. ثم ازدادت الضغوط بسبب الحوافز الحكومية، وارتفاع أسعار الوقود، والمعايير البيئية الأكثر صرامة، وازدياد وعي المستهلكين بتغير المناخ والمخاطر المرتبطة بالحصول على النفط من الشرق الأوسط.
شهدت كفاءة الطاقة تحسنًا طوال العقد الثاني من الألفية، مع تحقيق مكاسب أكثر وضوحًا منذ عام 2019. ومع التوقعات بمزيد من التطور، يُحتمل أن يكون الطلب على البنزين قد بلغ ذروته بالفعل في الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى. في الواقع، تعتمد توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على هذا الأساس.
مخاطر النفط وآفاق الأسعار
رغم ارتفاع الأسعار مؤخرًا بسبب التوترات في الشرق الأوسط، لا تزال احتمالية استمرار هذا الارتفاع محل شك. يتراوح سعر النفط حاليًا بين 70 و90 دولارًا، وهو نطاق معتدل يتأثر بالمرونة الإنتاجية في النفط الصخري الأمريكي والطاقة الاحتياطية لدى أوبك، مما يجعل زيادات الأسعار المؤقتة أقل استدامة.
التغيير الهيكلي في الطلب على النفط
تطورت صناعة النفط على مدار عقود دون منافسة كبيرة. ولكن مع انتشار المركبات الكهربائية وتزايد الوعي بالمخاطر البيئية، بدأت تظهر بدائل قابلة للتطبيق. وقد دفعت هذه التغيرات المنتجين إلى تحسين كفاءة استهلاك الوقود، خاصة مع الدعم الحكومي وزيادة الوعي البيئي.
مخاطر النفط وآفاق الأسعار
رغم ارتفاع الأسعار مؤخرًا بسبب التوترات في الشرق الأوسط، تظل احتمالية استمرار هذا الارتفاع محدودة. يتراوح سعر النفط حاليًا بين 70 و90 دولارًا، وهو نطاق متوازن يتأثر بالمرونة الإنتاجية للنفط الصخري والطاقة الاحتياطية لدى أوبك.
توقعات أسعار النفط في 2025
تشير توقعات بنك ديجاردان إلى أن أسواق النفط قد تواجه فائضًا في المعروض في عام 2025، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى ما بين 70 و75 دولارًا للبرميل، في ظل تراجع الطلب العالمي نتيجة التحول نحو الطاقة المتجددة واستمرار الضغوط الاقتصادية.
الخلاصة
مع استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على إنتاج النفط وتصديره، يُتوقع أن يتجه السوق إلى فائض في عام 2025. ومع ذلك، فإن مستقبل سوق النفط في 2025 وتحدياته يظل محط جدل، حيث يتطلب متابعة دقيقة للمؤشرات الاقتصادية والسياسية لفهم اتجاه الأسعار في الأشهر المقبلة.