مقالات

(يا هلا)… بالاحتكار!

حين نقول (“يا هلا”… بالاحتكار!)، لا نقصد الترحيب به حرفيًا، بل نختصر قصة معقّدة من التدافع القانوني والاقتصادي، فمنذ فترة ليست ببعيدة، بدأت الساحة القانونية والاقتصادية في الخليج عمومًا، وفي الكويت خصوصاً، تشهد حراكًا لافتًا بشأن السباق نحو التفرّد في تقديم الخدمة أو السلعة، وهذا التفرّد يكون مبرراً إذا كان مصاحباً لبراءة اختراع أو حقوق ملكية فكرية أو وكالة تجارية أو عقد توزيع أو عقد امتياز، لكن ما هو ليس مبرر عندما يكون هذا التفرّد من خلال الحصول على حقوق حصرية لنشاط تنظيم المناسبات والاحتفالات الوطنية الكبرى عن طريق تراخيص تجارية دون المرور ببوابة المنافسة والشفّافية والعدالة، وقد يبدو الموضوع في ظاهره قانونيًا صرفًا، لكنه –في الحقيقة– يمسُّ روح الاقتصاد والتجارة، وعدالة السوق، وطموحات المستثمرين، إضافةً إلى جيب المستهلك العادي.
وعند سماع كلمة “احتكار”، يخيّل إلينا مشهدٌ تشوبه الشكوك حول إمكانية التلاعب بالسوق، وارتفاع الأسعار، وتضييق الخناق على الشركات، لكن في الوقت نفسه، قد يرى البعض في الاحتكار المنظَّم وسيلةً لإدارة قطاعات تجارية أو حيوية أو حتى ضمان استقرار الخدمات، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى إمكانية اعتبار الاحتكار ركيزةٌ للتنمية أم عقبةٌ أمام المنافسة؟ في هذه المقالة سوف نفتح الآفاق لكلا الاحتمالين، في محاولةٍ للإجابة على هذا السؤال.
ويستند هذا السؤال إلى المشاهدات العمليّة في الساحة الاقتصاديّة الكويتيّة، وبخاصّة تلك التي تتعلّق بمنح تراخيص حصريّة في أنشطةٍ قد يعتبرها البعض “ذات نفعٍ عام”، بينما يراها البعض الآخر ليست إلا مساسًا بعدالة السوق وإهدارًا لمبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة، ويُستَدَلّ في التحليل على النصوص الدستوريّة والقوانين ذات الصلة، لا سيما المادة (153) من دستور الكويت، وقانون حماية المنافسة، وقانون البيع بالأسعار المخفضة والدعاية والترويج للسلع والخدمات، واللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك وفقا للتسلسل التالي:
أولًا: الأساس الدستوري لحظر الاحتكار
تؤكّد المادة (153) من دستور الكويت بأنّ “كل احتكارٌ لا يمنح إلا بقانونٍ وإلى زمنٍ مُحدّد”، ما يعكس قاعدة دستوريّة أصيلة بمنع الاحتكار من حيث المبدأ، مع إفساح المجال لاستثناءاتٍ مشروطة. ويُستنتج من ذلك أن:

  1. منع الاحتكار أصلٌ دستوري: يهدف إلى تحقيق العدالة في ممارسة الأنشطة الاقتصاديّة، وصون حقوق المستهلكين والشركات من هيمنة جهةٍ واحدةٍ على سلعةٍ أو خدمة.
  2. جواز الاستثناء: سمحت المادة (153) من الدستور بإمكان منح الاحتكارٍ لفترةٍ زمنيّةٍ محدّدة، شريطة أن يستند إلى قانونٍ ينظّم حدوده وآليّات رقابته، ممّا يجعل المساس بمبدأ حرية السوق مرهونًا بتحقّق مصلحةٍ عامّة بيّنة وواضحة.
    ثانيًا: تنظيم المنافسة وأطر الاستثناء في القانون رقم (72) لسنة 2020
    تأسّس جهاز حماية المنافسة بمقتضى القانون رقم (72) لسنة 2020 بوصفه هيئةً مستقلّة رقابيّة تتصدّى لأي ممارسة قد تُخلّ بمبدأ المنافسة الحرّة، سواء كان باتفاق أفقي أو اتفاق رأسي أو إساءة استغلال وضع مهيمن (أنظر المواد 5، 6، 7، 8 من قانون حماية المنافسة)، ويُمكن أن نلتمس دور الجهاز من خلال نصّ المادة (18) التي تسمح له بإبداء الرأي في كل تشريعٍ أو سياسةٍ أو قرار من شأنه الإضرار بالمنافسة، فمن جهة لما كان للجهاز اختصاص إرشادي فإن يتعيّن على الجهات الحكوميّة المعنيّة استطلاع رأي جهاز حماية المنافسة قبل إصدار أي قرارات تتضمن منح أي تراخيص حصريّة لأي نشاطٍ قد يكون خارج نطاق الاستثناءات المنصوص عليها، ومن جهة أخرى إذا بدأت الشركة أو الجهة المرخَّص لها بممارساتٍ تسيء من وضعها المهيمن وتهدف لتقييد المنافسة، فإنّ الجهاز يمارس دوره في حماية السوق واتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة.
    وفوق ذلك، فقد كرّس القانون رقم (72) لسنة 2020 في شأن حماية المنافسة مبدأ عدم تقييد حرية المنافسة في السوق الكويتيّة، حيث يهدف القانون إلى حماية السوق من أي ممارساتٍ من شأنها الإضرار بالمنافسة أو تقييدها أو الحد منها، وفي الوقت ذاته، أورد المشرّع استثناءاتٍ تسمح للدولة بعدم تطبيق أحكام قانون حماية المنافسة على أنشطة المرافق العامة والشركات المملوكة للدولة التي تقدّم السلع والخدمات الأساسيّة للجمهور، والتي يُحدَّد نطاقها بقرارٍ من مجلس الوزراء.
    ولعلّ مبررات هذا الاستثناء تكمن في ضمان إدارةٍ موحّدة لبعض القطاعات الحيويّة كالكهرباء والمياه والمنشآت النفطيّة، بحيث يتسنّى الحفاظ على استقرار الخدمات وتوحيد المعايير الفنّية والرقابيّة، غير أنّ إسباغ صفة الاحتكار على قطاعاتٍ أو أنشطةٍ لا تندرج ضمن مفهوم “الخدمة ذات النفع العام” قد يُثير اعتراضًا كبيرًا لما يترتّب عليه من تقييدٍ لفرص التنافس.
    ثالثا: قانون البيع بالأسعار المخفضة والدعاية والترويج للسلع والخدمات
    استوقفتنا المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (2) لسنة 1995 بشأن البيع بالأسعار المخفضة والدعاية والترويج للسلع والخدمات حيث قررت بأنه “رُئي استحداث أحكام ملائمة للواقع الاقتصادي في البلاد تلافيًا للكثير من أوجه القصور… مراعاةً لتطور حاجات الأفراد وتغيرها ولتكفل للأفراد الطمأنينة والثقة عند إجراء أي عملية تجارية”، ومما لا شك فيه أن العمليات التجارية لا تكون مع شخص واحد فقط، وإنما تكون مع العديد من مزودي الخدمات والسلع.
    وفي ضوء المادة (2) من قانون البيع بالأسعار المخفضة والدعاية والترويج للسلع والخدمات، التي تشترط الحصول على ترخيص مسبق من وزارة التجارة والصناعة قبل البدء بتنفيذ أي من الأعمال المنصوص عليها، نجد أنّ المشرّع الكويتي قد حرص على توفير إطار قانوني واضح وشفّاف يرسّخ الثقة والطمأنينة في المعاملات التجارية، ويضمن حماية المستهلك وتحقيق العدالة بين المنشآت التجارية على اختلافها.
    وقد أكدت المذكرة الإيضاحية للقانون حرص المشرّع على مراعاة التطور الاقتصادي وتلبية احتياجات الأفراد وحماية ثقتهم عند إجراء العمليات التجارية، ومن ثمّ، فإنّ أي نهج من شأنه تقييد المنافسة أو حصر الأنشطة التجارية في جهة واحدة يتعارض مع الأساس الذي استند إليه المشرّع عند إصدار هذا القانون، ويظهر من مبادئ القانون التجاري وممارسات المنافسة الحرّة أنّ السماح بتعدد الجهات التي يمكنها الحصول على ترخيص للقيام بالتخفيضات يضمن خدمة أفضل للمستهلك بأسعار تنافسية وجودة ملائمة.
    وتقتضي دواعي المصلحة العامة ومبدأ المساواة بين المستثمرين في السوق ألا تنفرد جهة واحدة بامتيازات الترخيص دون غيرها؛ فمنح جهة بعينها ترخيصًا حصريًا للقيام بالتخفيضات وإلزام بقية الشركات بالتعامل معها فقط يخلق وضعًا احتكاريًا، ويعوق حرية المنافسة التي تشكل أحد مقومات النمو الاقتصادي، فالهدف الرئيسي من القوانين المتعلقة بالتخفيضات هو تنظيم الأسواق وضمان حقوق المستهلك وحماية الأنشطة التجارية من الانحراف، فإذا ما حُصر النشاط في شخصٍ واحد، فلا شك أنّ هذه الغاية ستُنتقص، إذ ستتضاءل فرص الابتكار وتقلّ الإمكانات الترويجية للعروض البديلة.
    أما عن دور وزارة التجارة والصناعة – وفقًا للقانون – فدورها الرقابي مهم جدا، حيث يتمثّل في فحص طلبات التراخيص للتخفيضات وضبط سوق التخفيضات والترويج وفق ضوابط عادلة، وعليها في هذا الإطار مراعاة تحقيق التوازن بين الجهات المختلفة، وإعطاء فرص متساوية لكل من يتقدّم للحصول على ترخيص، بعيدًا عن أي استثناءات غير مبرّرة، ومن ثَمّ، يتعيّن على الوزارة رفض أي طلب ترخيص يُحصَر في جهةٍ واحدة ويُلزِم بقية المتعاملين بالسوق بالعمل من خلالها؛ لأنّ ذلك يمثل إلغاء ضمنيا للقانون، وتبعا لذلك يُلغي حقّ المنافسة ويُخلّ بمنظومة تكافؤ الفرص.
    وقد ينطوي منح الترخيص الحصري على مخالفات قانونية قد تصل إلى حدّ بطلان القرارات التي تُلزم المتعاملين بالعمل حصريًا مع جهة واحدة، كما قد تتعرض الجهة المستفيدة من الترخيص الحصري – إذا تجاوزت حدودها واحتكرت السوق – للمساءلة لدى جهاز حماية المنافسة، وذلك ينسجم مع القواعد العامة في القانون التجاري التي تنادي بحرية ممارسة التجارة وتشجيع التنافسية ومنع الاحتكار.
    رابعا: اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك
    من المبادئ المستقرة في المنظومة التشريعية مبدأ المشروعية الذي يُقصد به خضوع جميع سلطات الدولة للقانون، بحيث لا يجوز لأي لائحة تنفيذية أن تُنشئ التزامًا أو حقًّا لم ينصّ عليه المشرّع في نص القانون، فإذا لم يتضمّن القانون نصًّا يُجيز منح تراخيص حصرية، فلا يجوز للائحة التنفيذية أن تضيف مثل هذا الحكم، والأصل أن دور اللائحة التنفيذية يقتصر على تفصيل الأحكام الموجودة في القانون وتناول الإحالات التشريعية المنصوص عليها، أو وضع ضوابط إجرائية لإنفاذ النص التشريعي، ويُعدّ تجاوزًا منحُ سلطة جديدة أو حقٍّ حصري غير منصوص عليه في القانون.
    وفي هذا الصدد لم نقف على أي إحالة في القانون رقم (39) لسنة 2014 في شأن حماية المستهلك يجيز النص على منح التراخيص بشكلٍ حصري كما جاء في المادة (40) مكرر من اللائحة التنفيذية للقانون، حيث إن التراخيص الحصرية تتعارض وغاية هذا القانون المتمثلة في حماية المستهلك وصيانة حقوقه، عبر إرساء قواعد الشفافية والتنافسية العادلة في الأسواق، حيث إن منح الحصرية قد يؤدي إلى:
  3. تقليص دائرة التنافس، حيث إن حصر تقديم التخفيضات أو العروض التسويقية في يد جهةٍ واحدة أو بعدد محدود من الجهات قد يحرم المستهلك من تعددية العروض وجودة الخدمات والمزايا السعرية.
  4. إهدار مبدأ العدالة والشفافية، إذ ينطوي الترخيص الحصري على تمكين جهة واحدة من السيطرة على نوع معيّن من العروض أو الحملات الدعائية، وهو ما يتعارض مع حق بقية الأشخاص التجارية أو الخدمية في الوصول إلى المستهلكين بشروط عادلة.
    أما عن حدود سلطة وزارة التجارة والصناعة في منح الترخيص الحصري، أو قيامها بإلغاء التراخيص الممنوحة سلفاً في أي وقت يثير إشكاليتين قانونيتين:
  5. غياب الأركان الموضوعية لسحب الترخيص: قد يشكّل هذا النص تهديدًا لاستقرار المراكز القانونية للجهات المصرّح لها، فضلًا عن كونه يفتح باب التأويل الواسع ويخلّ بمبدأ المشروعية.
  6. افتقار الأساس القانوني: لا يمكن إسناد سلطة المنح الحصري أو الإلغاء المطلق إلى جهة تنفيذية إلّا إذا كانت هناك إجازة صريحة في القانون، وهو ما لا يبدو منسجمًا مع أحكام قانون حماية المستهلك.
    وفي ضوء ما سبق، يتضح أنّ تضمين نص في اللائحة التنفيذية يمنح ترخيصًا حصريًا فيما يخص تنظيم المناسبات والاحتفالات الوطنية الكبرى؛ يُعدّ مخالفة لمبدأ المشروعية وغايات قانون حماية المستهلك الرامية إلى تحقيق المنافسة العادلة وحماية حقوق المستهلك. كما يمثّل خروجًا على الأسس الدستورية التي تكفل حرية التجارة وتمنع الاحتكار غير المبرّر، ومن هنا، وجب الوقوف عند حدود القانون، وعدم تحميل اللوائح التنفيذية ما لا تستطع تحمله نصوصاً وأهدافاً.
    خامسا: التطبيقات العمليّة وتحدّي التراخيص الحصريّة
    قد يختلف البعض بين مؤيد ومعارض للتراخيص الحصرية، وعليه سنقوم بدراسة ظاهرة التراخيص الحصريّة الممنوحة لنشاطٍ معيّن، وذلك من خلال بحث الترخيص الحصري الممنوح لنشاط تنظيم المناسبات والاحتفالات الوطنية الكبرى أو ما يعرف عمليا بمهرجان الكويت للتسوق”يا هلا”، ويمكن تناول هذه الحالة للتدليل على التباين في وجهات النظر، وذلك على النحو الآتي:
  7. قد يرى البعض أنّ منح ترخيصٍ حصري في نطاقٍ محدّد ولمدةٍ زمنيّةٍ معروفة لا يعد احتكارا، وإنما مجرد تنظيم للقطاع وتنسيق الجهود الرقابيّة ومنع تداخل الاختصاصات، وذلك إذا ما اعتُبرت الخدمة المقدّمة ذات نفعٍ عام (أو جزءًا من بنيةٍ تحتيةٍ أو خدمةٍ وطنيّةٍ مهمّة)، وبالتالي فهو وسيلةً ناجعة للحدّ من العشوائيّة وضبط الجودة.
  8. أما البعض الآخر فقد ينتقدون منح أي صلاحياتٍ حصريّة من دون الاستناد إلى أساس قانوني يُحدّد مدّة الاحتكار ونطاقه بدقّة، وقد يؤدّي ذلك إلى إقصاء المنافسين المحتملين من شركاتٍ ناشئةٍ أو صغيرةٍ أو حتى شركات أجنبيّة، ممّا يعيق تدفّق رؤوس الأموال ويُقلّل من الفرص المتاحة للمستثمرين، كما سترتفع احتماليّة استغلال “الوضع المهيمن” من قِبَل الشخص الذي يتمتع بالحصرية، ولا سيّما في فرض أسعارٍ أعلى وشروطٍ قاسية، وهو ما يُلحِق الضرر بالمستهلكين والشركات الأخرى على حدّ سواء.
    سادساً: تأثير الاحتكار على البيئة الاستثماريّة ورؤية الكويت 2035
    تسعى رؤية الكويت 2035 إلى تنويع الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وتعزيز تنافسية القطاع الخاص، ومن ثمّ، فإنّ أيّ منحٍ للاحتكار أو الحصريّة دون ضوابطٍ قد يُفضي إلى:
  9. تراجع البيئة التنافسيّة: يُعدّ وجود عدّة شركاتٍ منافسة حافزًا للابتكار وتخفيض الأسعار، أمّا الحصريّة المطلقة فقد تؤدّي إلى جمود السوق.
  10. إحجام المستثمرين: من شأن التضييق على المنافسة أن يُضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ممّا ينعكس سلبًا على تدفق رؤوس الأموال وتحقيق النمو المطلوب في القطاعات غير النفطيّة.
    سابعا: التوصيات الإصلاحيّة
    لتحقيق التوازن المطلوب بين مقتضيات القانون ومصلحة الاقتصاد الوطني، نعرض الاقتراحات التالية:
  11. استطلاع رأي جهاز حماية المنافسة مسبقًا: يتعيّن على الجهة المانحة لأي ترخيصٍ حصري أن تطلب رأي الجهاز قبل إصدار الترخيص، للتأكّد من مواءمته لأحكام قانون حماية المنافسة.
  12. تعزيز الشفافيّة عبر المناقصات أو المزايدات: بدلًا من منح ترخيصٍ حصري لشركةٍ واحدة، يمكن اللجوء إلى مناقصةٍ أو مزايدةٍ عامة أو محدودة، مع اعتبار أن النشاط يتعلق بخدمةٍ عامة أو نشاطٍ ذي نفعٍ عام، وبهذه الطريقة تتنافس الجهات المؤهلة، وتُقدّم عروضًا أفضل للدولة والمستهلك.
  13. صون حقوق المستهلك: قد لا يلمس المستهلك أثر هذا النوع من التراخيص بشكل مباشر، لكنه مع الوقت سيفتقد إلى تنوع خياراته في إيجاد السوق البديلة أو بدائل الخدمة، ويضطر لدفع مبالغ أعلى مقابل خدمات أقل جودة، فالتنافس يُجبر الجميع على تقديم الأفضل بالسعر الأنسب.
  14. مواءمة الترخيص مع رؤية الكويت 2035: ينبغي ربط أي ترخيصٍ حصري بأهدافٍ تنمويّةٍ واضحة، بحيث يحقّق قيمة مضافة للاقتصاد الكويتي ويشجّع على نقل المعرفة والتكنولوجيا، بدلًا من مجرّد إرساء وضعٍ احتكاريّ دون عائدٍ حقيقي.
    الخلاصة: توزان صعب … وفرص واعدة
    إنّ الاحتكار المنظّم —إذا ما اقتصر على القطاعات الحيويّة واستند إلى أسسٍ قانونيّةٍ واضحة ومددٍ زمنيّةٍ محدّدة— قد يوفّر منافعًا تنظيميّةً مؤقتة، غير أنّه لا ينبغي إغفال أهميّة المنافسة الحرّة بوصفها ركيزةً أساسيّة لخلق الحيويّة الاقتصاديّة، وتطوير أداء الشركات، وإتاحة خياراتٍ متنوّعةٍ أمام المستهلك، فالرهان الحقيقي لإنجاح أيّ تجربةٍ احتكاريّةٍ مؤقّتة يكمن في توفير أدوات رقابيّةٍ رادعة تحول دون تمادي المحتكر وإخلاله بالتوازن المنشود.
    وبناءً عليه، تمثّل قضيّة الاحتكار أو التراخيص الحصريّة اختبارًا حقيقيًّا لمدى التزام دولة الكويت بمبادئ حرية الاقتصاد وعدالة المنافسة، في ظلِّ التوجيه الدستوري والتشريعي الواضح نحو حظر الاحتكار أو تقييده باستثناءاتٍ محدودة، ولئن كانت بعض الأنشطة أو القطاعات تستلزم توحيد الإدارات والأعمال، فلا ينبغي أن يُتّخذ ذلك ذريعةً لتعطيل النشاط التنافسي كلّيًّا أو تقييده بدرجةٍ تفوّت على السوق المعنية فرص الاستفادة من التنوع والإبداع والابتكار، فالمسألة لا تقتصر على حماية المستهلك فحسب، بل تتعدّاها لتشمل ضمان نموٍّ اقتصاديٍّ مستدامٍ يتوافق مع رؤية الكويت 2035، وبالتالي، فإن أن الضرورة تنادي بإعادة النظر في الأسس القانونية والاقتصادية التي تُبنى عليها هذه التراخيص، فليس للجهات المنظّمة إغماض العين عن أي ممارساتٍ تحتكر السوق أو تفرض قيودًا باهظة، فالمستقبل يملك وعودًا هائلة؛ لكنّها لن تتحقّق إلا إذا كنا نؤمن جميعًا بأنّ المنافسة المتوازنة هي المحرّك الأساسي لأي تقدّم اقتصادي أو مجتمعي.

الدكتور/ محمد عبدالله رباح المطيري
أستاذ القانون التجاري المشارك
كلية الحقوق – جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى