من قاعة الاجتماعات إلى خطوط التنفيذ: “القيادة التي تصنع النزاهة “
بقلم/ عمرو علاء
مسؤول مطابقة والتزام
في كل مؤسسة ناجحة، لا تكفي القرارات التي تُتخذ داخل قاعة مجلس الإدارة إن لم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي داخل أروقة الشركة. وهنا يظهر الدور الحقيقي للإدارة التنفيذية، فهي الجسر الذي تعبر من خلاله رؤية المجلس إلى أرض الواقع، واليد التي تحول الخطط إلى أفعال، والسياسات إلى ممارسة حقيقية.
الإدارة التنفيذية ليست مجرد منفذ للتوجيهات، بل هي العصب الحي لمنظومة الحوكمة، فهي التي تزرع بذور الالتزام في نفوس الموظفين، سواء عبر القدوة الحسنة في السلوك والقرار، أو من خلال فرض الانضباط والمساءلة عندما يتطلب الأمر، فالقائد الحقيقي لا يكتفي بأن يلهم الآخرين، بل يعرف أيضًا كيف يحاسبهم ويقودهم نحو ثقافة الالتزام الجماعي.
في الماضي، ربما كان بإمكان بعض المؤسسات أن “تستوفي الأوراق” بشكل روتيني لتغطية متطلبات الجهات الرقابية، لا من منطلق الإيمان بالحوكمة، بل تجنبًا للعقوبات. لكن هذا الزمن انتهى،اليوم لم يعد الامتثال مجرد ملفات تُرتب على الرفوف أو نماذج تُوقّع في الاجتماعات.
التطور السريع في الأسواق، وتشديد الرقابة، وتزايد تعقيدات بيئة الأعمال جعلت الحوكمة ضرورة تشغيلية لا مفر منها، وليست التزامًا شكليًا. وأصبح مجلس الإدارة يضغط أكثر من أي وقت مضى على الإدارة التنفيذية لتطبيق تعليمات الجهات الرقابية، وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة، ما جعل دور الإدارة التنفيذية أكثر أهمية… وأكثر خطورة في الوقت ذاته.
وقد رأينا مؤخرًا كيف يمكن لضعف الرقابة الداخلية أو غياب المتابعة الفعّالة أن يقود إلى مخالفات جسيمة في القطاع المالي، كما حدث في الغرامة التاريخية التي فرضها البنك المركزي المصري على أحد البنوك الكبرى بسبب سوء استخدام التسهيلات الائتمانية الممنوحة.
هذه الواقعة لم تكن مجرد خطأ إداري، بل رسالة واضحة بأن الحوكمة ليست ترفًا تنظيميًا، بل خط الدفاع الأول لحماية المؤسسات من نفسها، وأن ضعف الإدارة التنفيذية في الرقابة أو الالتزام قد يكلّف المؤسسة سمعتها ووجودها معًا.
من لا يطور سياساته وإجراءاته اليوم ليواكب هذه التحولات، سيجد نفسه خارج المنافسة عاجلًا أم آجلًا، وربما عرضة لمخالفات رقابية جسيمة. فالعصر الحالي لا يرحم المؤسسات التي ما زالت تعيش بعقلية الأمس.
لقد أصبحت النزاهة مهارة قيادية تقاس بمدى قدرة الإدارة التنفيذية على ترجمة التوجهات العليا إلى واقع ملموس.
فمن قاعة الاجتماعات… إلى خطوط التنفيذ، لا بد من قيادة تؤمن أن الحوكمة ليست عبئًا تنظيميًا، بل أسلوب إدارة يخلق النزاهة قبل أن يفرضها القانون.




