مقالات

الصين تتحدى إنفيديا… بداية كسر الاحتكار أم سباق طويل الأمد؟

بقلم – ليما راشد الملا

في السنوات الأخيرة، تحوّلت رقائق الذكاء الاصطناعي إلى “نفط جديد” يحدد موازين القوى الاقتصادية والتكنولوجية بين الدول والشركات الكبرى. وفي قلب هذا السباق، تقف شركة إنفيديا الأميركية بوصفها اللاعب الأهم، حيث سيطرت على أكثر من 80% من سوق معالجات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تدريب النماذج العملاقة. غير أن الرياح بدأت تأخذ اتجاهاً جديداً مع دخول الشركات الصينية العملاقة مثل علي بابا وبايدو إلى ميدان تطوير الرقائق الخاصة بها، في خطوة تؤكد إصرار بكين على تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية، وإعادة رسم خريطة المنافسة العالمية.

هل بدأ مشوار الصين نحو الاستقلال الكامل في مجال الرقائق؟

بحسب ما نقلته صحيفة ذا إنفورميشن، فإن “علي بابا” بدأت منذ مطلع 2025 تدريب نماذجها الصغيرة على رقاقة محلية مطورة داخلياً، بينما تعمل “بايدو” على اختبار رقاقة أخرى لتدريب نسخ جديدة من نموذجها الشهير Ernie. هذه التطورات ليست مجرد تجارب معملية، بل تؤكد تحولاً استراتيجياً يتناغم مع توجه الصين في تعزيز استقلاليتها التكنولوجية، خصوصاً بعد سلسلة من القيود الأميركية على تصدير الرقائق المتقدمة.

ورغم أن إنفيديا ما تزال تمتلك أفضلية واضحة بفضل معالجها H20، الذي يعد أقوى رقاقة مسموح بتصديرها إلى الصين، فإن وجود بدائل محلية – حتى لو كانت أقل كفاءة حالياً – يحمل في طياته إشارات مهمة لمرحلة مقبلة قد تشهد تقليص الفجوة التكنولوجية.

إلى أي حد ستسهم القيود في دفع الصين نحو الاكتفاء الذاتي؟

من المفارقات أن السياسات التنافسية  ، الهادفة إلى إبطاء تقدم الصين عبر فرض قيود صارمة على تصدير المعالجات المتطورة، قد تكون ساهمت في تسريع جهود بكين لتحقيق الاكتفاء الذاتي. فكل حظر أو قيود جديدة شكلت دافعاً إضافياً للشركات الصينية للاستثمار في تطوير بدائل محلية. هذه الديناميكية تشبه ما حدث في مجالات أخرى مثل صناعة الاتصالات وشبكات الجيل الخامس، حين دفعت العقوبات الأميركية شركات مثل هواوي إلى تسريع ابتكاراتها.

رئيس “إنفيديا” ذاته كان قد حذّر سابقاً من أن منع الصين من الوصول إلى أحدث الرقائق لن يوقفها، بل سيحفزها على بناء منظومة مستقلة قد تصبح في المستقبل منافساً شرساً للسوق الأميركية. واليوم، يبدو أن هذه التوقعات بدأت تتحقق بالفعل.

 

أيّهما يحدد مصير الرقائق: الكفاءة أم السرعة؟

السؤال الجوهري يتمثل في: هل تستطيع الصين فعلاً منافسة إنفيديا في المدى القريب؟ رغم الزخم الصيني، تبقى الفجوة واضحة، إذ تملك إنفيديا رصيداً طويلاً من الخبرة وهيمنة راسخة على البرمجيات المرتبطة بمعالجاتها، فضلاً عن شبكة عملاء عالمية واسعة. ومع ذلك، فإن المحاولات الصينية تشكّل محطة أولى محورية، حيث تتمثل قوة بكين في قدرتها على المزج بين سوق محلي ضخم، ودعم حكومي كبير، وإمكانات تصنيعية هائلة.

إذا استطاعت الشركات الصينية الاستمرار في تحسين كفاءة الرقائق وخفض تكلفتها، فقد تتمكن من الاستحواذ تدريجياً على حصة كبيرة من السوق الداخلي. وهذا بدوره سيمنحها موارد مالية وخبرة كافية لتوسيع المنافسة نحو الأسواق الدولية.

 

إلى أي مدى ستتأثر الأسواق العالمية بهذا التحول؟

توسع الصين في مجال الرقائق يعني إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية للذكاء الاصطناعي. الشركات الأميركية قد تجد نفسها مضطرة لمراجعة استراتيجياتها، سواء من حيث التسعير أو الابتكار، لتبقى في الصدارة. أما على المستوى الجيوسياسي، فإن نجاح الصين في تطوير بدائل منافسة سيضعف ورقة الضغط الأميركية ويقلص من اعتماد بكين على الخارج، ما يعزز استقلاليتها التكنولوجية ويزيد من قدرتها على فرض رؤيتها في الاقتصاد الرقمي.

 

الخلاصة: هل نحن أمام بداية سباق لا عودة عنه؟

قد لا تكون الصين قادرة على كسر هيمنة إنفيديا في الوقت الراهن، لكن المؤكد أن السباق قد بدأ فعلاً. والرهان الأكبر لا يتعلق فقط بالقدرة على إنتاج رقاقة تضاهي H20، بل بقدرة الصين على بناء منظومة متكاملة تشمل التصميم، التصنيع، والبرمجيات الداعمة. ما نراه اليوم هو “البداية” لا “النهاية”، لكن البداية وحدها كافية لتغيير قواعد اللعبة.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستبقى إنفيديا سيدة العرش بلا منازع، أم أن التنين الصيني قادر على قلب الطاولة في السنوات المقبلة؟ الإجابة ستتضح مع مرور الوقت، لكن المؤكد أن عصر الاحتكار المطلق في عالم الرقائق يقترب من نهايته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى