الإفصاح والشفافية

بقلم/ د. محمد غازي المهنا
دكتوراة في الرقابة القانونية على هيئة سوق المال
يُعَدّ الإفصاح والشفافية من أهم المبادئ التي يقوم عليها التعامل بين جمهور المستثمرين والشركات التجارية، والتي تعتمد أسواق المال على نشاطها. فالشركات تُعَدّ عصب الحياة الاقتصادية، ولا يمكن أن تتحقق أهدافها في تنمية المجتمع والنهوض بالاقتصاد القومي إلا إذا تأكد المستثمرون أنهم يوجّهون أموالهم إلى المكان المناسب والنشاط الأفضل.
وسنخصّص هذه المساحة لسلسلة من الكتابات التي تتناول موضوع الإفصاح بشكلٍ مفصّلٍ وعميق.
ماهية الإفصاح وطبيعته القانونية
تعريف الإفصاح
يُعَرَّف الإفصاح بأنه عرض المعلومات الهامة للمستثمرين والمساهمين والدائنين وغيرهم، بطريقة تسمح بالتنبؤ بقدرة الشركة على تخصيص الأرباح في المستقبل ومدى قدرتها على سداد التزاماتها. وعليه، فإن الإفصاح يعني أن تتضمّن التقارير المالية معلومات عادلة وواضحة وموثوقة، وأن تُظهِر القوائم المالية للشركة كافة المعلومات الجوهرية التي تهمّ الفئات الخارجية عن الشركة، والتي تساعدها على اتخاذ قراراتها الاقتصادية تجاه الشركة بصورة واقعية وحقيقية.
فالإفصاح هو نشر البيانات والمعلومات والتقارير والإعلان عنها ووصولها إلى المساهمين والمستثمرين والعاملين في سوق الأوراق المالية، ونقلها إليهم بوسائل تمكّنهم من الاطلاع عليها بصفة دورية، وكذلك في الحالات الاستثنائية الطارئة التي تتعرض لها الشركة أو الجهة ذات العلاقة بتلك البيانات والمعلومات والتقارير.
ويُعرَّف الإفصاح كذلك بأنه الكشف عن المعلومات التي تهمّ المستثمرين وتؤثر في تحديد سعر الورقة المالية، ويجب أن يكون الإفصاح عامًّا وشاملًا للجمهور كافة، وليس فقط لحملة الأوراق المالية. ويتم ذلك عادةً من خلال الصحف اليومية أو عبر تصريح أو إعلان من الجهات المختصة.
وينقسم الإفصاح إلى نوعين:
1. إفصاح دوري: يتم خلال فترات محددة مرتبطة بالنسب المالية واللجان ذات العلاقة.
2. إفصاح فوري: يتم عند حدوث المعلومة وبأسرع وقت ممكن.
الإفصاح في الأسواق المالية
يُعَدّ الإفصاح في الأسواق المالية الآلية الأساسية لضبط السلوك ومنع انحرافه، كما يساعد في تقييم الإجراءات والنتائج بموضوعية وواقعية، ومن خلاله يمكن السيطرة على العوامل السلبية وغير المرغوبة.
في المجال الاقتصادي، تلعب المعلومات المالية دورًا بارزًا، إذ يعتمد النشاط الاقتصادي على العديد من المتغيرات التي يصعب السيطرة عليها، مما يدفع العاملين في هذا المجال إلى استخدام الاحتمالات والتوزيعات المستقبلية وإجراء التقييمات والخطط استنادًا إلى هذه التوقعات، والتي تتحقق كلما كانت دقيقة وقريبة من النتائج الفعلية.
وتتحقق الدقة والموضوعية لهذه التوقعات من خلال توفر بيانات ذات محتوى معلوماتي مناسب تمكّن من اتخاذ القرارات الصحيحة. ويقصد بالمحتوى المعلوماتي قيمة ما تحتويه التقارير أو القوائم من معلومات اقتصادية ذات صلة بالمشروع.
كما أن الإفصاح عن المعلومات في مجال الاستثمارات المالية، ولا سيما في أسواق الأوراق المالية، يلعب دورًا محوريًا في رفع سرية الاستثمارات وتنشيط بيئتها، ويساعد المستثمرين على اتخاذ قراراتهم على أسس علمية ومهنية سليمة.
فالمعلومات في الأسواق المالية تمثّل المحرّك الأساسي للأسعار، إذ إن تسعير الورقة المالية ينبع أساسًا من التقييمات المختلفة لسعرها، والتي تنعكس بدورها في شكل عروض وطلبات تظهر على شاشات التداول في البورصات.
ويعود الاختلاف بين هذه التقييمات للورقة المالية الواحدة إلى اختلاف وجهات نظر المستثمرين تجاه المعلومات ذاتها، تبعًا لأساليب تحليلهم وتقييمهم وتوقعاتهم المستقبلية المتفائلة أو المتشائمة حول الورقة.
وبالتالي، فإن القيمة العادلة بالنسبة لمستثمرٍ ما تختلف عن قيمتها بالنسبة لمستثمر آخر، نظرًا لاختلاف الخلفية والافتراضات التي يعتمدها كلٌّ منهما.
ولا يوجد إجماع بين فئات المستثمرين على قيمة واحدة، إذ لو وُجِد هذا الإجماع لاختفى الفارق بين القيمة والسعر السوقي، لأن القيمة لا تُحسب من أرقام ومعادلات ثابتة، بل من افتراضات وتوقعات ومشاعر تختلف من مستثمر لآخر.
عناصر الإفصاح الجوهري
ينبغي أن يتضمّن الإفصاح المعلومات الجوهرية التالية:
1. النتائج المالية والتشغيلية للشركة.
2. أهداف الشركة.
3. حقوق الأغلبية من حيث المساهمة وحقوق التصويت.
4. أعضاء مجلس الإدارة والمديرون التنفيذيون والرؤساء، مع بيان مؤهلاتهم وأسس اختيارهم والمرتبات والمزايا الممنوحة لهم.
5. العمليات المرتبطة بالأطراف ذات العلاقة.
6. عوامل المخاطرة المنظورة.
7. المسائل المادية المتعلقة بالعاملين وغيرهم من أصحاب المصالح.
8. هياكل وسياسات الحوكمة.
المعايير والإجراءات
ينبغي إعداد وتدقيق المعلومات والإفصاح عنها وفق معايير المحاسبة المعترف بها دوليًا وذات جودة عالية، سواء في الإفصاح المالي أو غير المالي.
ويجب أن تتم عملية التدقيق السنوي من قبل مدقّق مستقل ومدرَّب ومؤهَّل، بهدف تقديم تأكيد خارجي وموضوعي لمجلس الإدارة والمساهمين بشأن طريقة إعداد وعرض القوائم المالية.
وعلى المدقّق الخارجي أن يُبدي العناية المهنية الكاملة عند تدقيق حسابات الشركة، ويكون مسؤولًا أمام مجلس الإدارة والمساهمين.
كما يجب أن تضمن قنوات توزيع المعلومات إمكانية حصول مستخدميها عليها في الوقت المناسب وبتكلفة معقولة.
ويُطلب من المحللين والوسطاء وغيرهم من مقدّمي التحليل والنصح للمستثمرين أن يُفصحوا عن أي أمور جوهرية قد ينشأ عنها تضارب في المصالح، وأن يُظهروا بوضوح الإجراءات المتبعة لإدارة مثل هذه النزاعات، حفاظًا على نزاهتهم ومهنيتهم.
				



