مقالات

غاية الشركة في القانون الكويتي: بين جمود النص وروح العدالة

 

بقلم المحامي هشام الفهد

 

في نسيج عالم المال والأعمال، يمثل عقد الشركة حجر الزاوية الذي ترتكز عليه صروح التجارة والاقتصاد. هو بمثابة الروح للجسد؛ إن صلحت، استقام الكيان وازدهر، وإن حادت عن مسارها، تخبط وتعثر. وفي قلب هذا العقد، تكمن “غاية الشركة” أو غرضها، تلك البوصلة التي توجه مسيرتها وتضبط إيقاع قراراتها.

لقد أدرك المشرع الكويتي بحكمة أهمية هذا الركن الجوهري، فأرسى في قانون الشركات مبدأ أساسيًا يقضي بضرورة أن يكون للشركة غرض محدد وواضح ومشروع. هذا المبدأ ليس مجرد حبر على ورق، بل هو أساس الشرعية الذي تستند إليه الشركة في كل معاملاتها.

فالقانون يفرض ألا يكون الغرض من تأسيس الشركة فضفاضًا أو غامضًا، فلا يكفي القول بأنها أُسست “لمزاولة التجارة”، بل يجب تحديد النشاط بدقة، كـ ”تجارة المواد الغذائية” أو “مقاولات البناء”. كما يفرض القانون أن تكون هذه الغاية مشروعة، فلا تخالف النظام العام أو الآداب، وإلا كان مصير عقد الشركة البطلان.

والأهم من ذلك، وضع القانون إطارًا لمعالجة تجاوز الشركة لغرضها المحدد. فإذا أبرمت الشركة صفقة خارج نطاق نشاطها المنصوص عليه، فإن هذا التصرف لا يكون نافذًا في حقها، مما يمنحها الحق في عدم الالتزام به. لكن، واستجابة لمتطلبات استقرار المعاملات، منح المشرع السلطة العليا للمساهمين، ممثلة في الجمعية العامة، صلاحية إجازة هذا التجاوز وإقراره، ليصبح نافذًا وملزمًا.

القضاء الكويتي: فارس العدالة وروح القانون

لم يقف القضاء الكويتي موقف المتفرج أمام هذه النصوص، بل نفخ فيها من روح العدالة ما يواكب متطلبات العصر. ففي تفسيراته الحديثة، تجاوز ظاهر الحروف إلى عمق المقاصد، فأصدر أحكامًا قضائية تعد اليوم منارات تهتدي بها الشركات:

* توسيع مفهوم “الغرض”: في حكم بارز، قضت محكمة التمييز بأن استثمار الشركة لفوائضها المالية في شراء أسهم، حتى وإن لم يكن منصوصًا عليه كغرض أساسي، لا يعد خروجًا عن غايتها، بل يدخل في “الهامش المشروع” لإدارة أموالها وحسن استغلالها.

* حماية الغير حسن النية: رسخ القضاء مبدأ عظيمًا، فلا تستطيع الشركة التملص من التزاماتها تجاه طرف خارجي بحجة أن العقد يخرج عن أغراضها، طالما كان هذا الطرف “حسن النية”، أي يجهل هذا التجاوز ولم يكن بإمكانه أن يعلم به.

إن فهم هذه المبادئ التي أرساها القانون وعمّقتها أحكام القضاء لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة حتمية لكل شركة تسعى للنمو الآمن. فهو الضمانة لسلامة التأسيس، وأداة فعالة لإدارة المخاطر، ودرع واقٍ يحفظ للشركة سمعتها وأموالها في بحر التعاملات المتلاطم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى