فعالية دور أعضاء مجلس الإدارة المستقلين: بين النظرية والتطبيق

بقلم المحامي الدكتور سعود ناصر الطامي
محكم وموفق محلي لدى مركز الكويت للتحكيم التجاري
منذ إصدار قانون هيئة أسواق المال رقم 7 لسنة 2010 وتعديلاته، بدأت الكويت بتعزيز ممارسات حوكمة الشركات، وكان من أبرز هذه الجهود التأكيد على تعيين أعضاء مستقلين في مجالس إدارات الشركات المدرجة في البورصة، بهدف حماية حقوق المساهمين وتعزيز الشفافية والرقابة. لكن، يبرز هنا سؤال جوهري:
هل أعضاء مجلس الإدارة المستقلين في هذه الشركات فعلاً مستقلون من الناحية العملية، أم أن استقلالهم مجرد صفة شكلية تُستوفى ورقياً لتتوافق مع المتطلبات التنظيمية؟
تعريف العضو المستقل حسب التشريع الكويتي
وفقاً لمواد اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، يُعرَّف العضو المستقل بأنه:
“الشخص الذي لا يرتبط بأي علاقة مالية أو إدارية أو قرابة أو غيرها من العلاقات التي قد تؤثر على قراراته.”
شروط الاستقلالية حسب ما ورد في اللائحة التنفيذية لهيئة أسواق المال:
يُشترط في عضو مجلس الإدارة المستقل أن يتمتع بالاستقلالية التامة، وألّا تربطه بالشركة، أو بالإدارة التنفيذية، أو بملاكها، أو بمجلس إدارتها أي علاقة قد تؤثر على قدرته في اتخاذ قرارات حيادية. ومما ينافي شرط الاستقلالية – على سبيل المثال لا الحصر – ما يلي:
1- أن يكون المرشح مالكاً أو ممثلاً لمالكٍ يمتلك ما نسبته 5% أو أكثر من أسهم الشركة المرشح لعضوية مجلس إدارتها.
2- أن تكون له صلة قرابة من الدرجة الأولى مع أحد أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية في الشركة أو في أي من شركاتها التابعة أو الزميلة.
3- أن يكون عضواً في مجلس إدارة شركة أخرى لها علاقة رئيسية مع الشركة أو مع أي من شركات مجموعتها.
4- أن يكون موظفاً لدى الشركة أو لدى أي من شركاتها التابعة أو الزميلة أو لدى أحد أصحاب المصالح فيها.
5- أن يكون موظفاً لدى شخص اعتباري يمتلك حصة سيطرة في الشركة.
الهدف من وجود عضو مستقل في مجلس الإدارة للشركات
يُعد وجود عضو مستقل في مجلس الإدارة من الركائز الأساسية لتعزيز الحوكمة المؤسسية الرشيدة في الشركات، لما له من دور حيوي في تحقيق التوازن والرقابة، وضمان اتخاذ قرارات تصب في مصلحة جميع المساهمين وأصحاب العلاقة. وفيما يلي أبرز الأهداف من وجود عضو مجلس إدارة مستقل:
1- تعزيز النزاهة والحيادية في اتخاذ القرار:
يتميز العضو المستقل بعدم ارتباطه بالإدارة التنفيذية أو المساهمين الرئيسيين، ما يضمن تحرّره من المصالح الشخصية والضغوط الداخلية. هذا الاستقلال يسمح له بالمشاركة في اتخاذ قرارات موضوعية تصب في مصلحة الشركة ككل.
2- تمثيل مصالح صغار المساهمين:
يسهم العضو المستقل في حماية حقوق المساهمين الأقلية، من خلال مراقبة مدى عدالة القرارات الصادرة عن المجلس وضمان عدم انحيازها لصالح فئة دون أخرى.
3- دعم الرقابة والمساءلة:
يشكل العضو المستقل جزءًا فاعلاً من منظومة الرقابة الداخلية، حيث يشارك في تقييم أداء الإدارة التنفيذية، ويراقب التزام الشركة بالأنظمة والقوانين، ما يعزز من الشفافية والمساءلة.
4- المساهمة في اللجان المتخصصة:
غالبًا ما يُطلب من الأعضاء المستقلين ترؤس أو الانضمام إلى لجان أساسية مثل لجنة التدقيق، ولجنة الحوكمة، ولجنة الترشيحات والمكافآت، نظرًا لاستقلاليتهم ومهنيتهم، ما يعزز من فعالية هذه اللجان.
5- تقليل تضارب المصالح:
من خلال وجود صوت مستقل في المجلس، يمكن تقليص فرص اتخاذ قرارات تخدم مصالح ضيقة أو شخصية، خاصة في المعاملات ذات العلاقة، وبالتالي حماية سمعة الشركة وحقوق أصحاب العلاقة.
6- تحسين الثقة والاستقرار المؤسسي:
إن وجود أعضاء مستقلين في المجلس يعزز من ثقة المستثمرين والجهات الرقابية في الشركة، ويرسّخ الانطباع بأن قراراتها تتسم بالمهنية والاستقلالية والحوكمة السليمة.
واقع الاستقلالية في الشركات الكويتية: دراسة حالة وتحليل ميداني
أولا: طريقة التعيين: استقلال على الورق فقط؟
رغم أن اللوائح تفرض معايير صارمة، فإن واقع الممارسة يُظهر أن غالبية التعيينات تتم بترشيح مباشر من كبار المساهمين أو الإدارة التنفيذية. وغالباً ما يكون العضو المستقل:
* صديقاً أو زميلاً سابقاً لأحد المؤسسين أو المديرين.
* معيناً بعد تنسيق غير معلن مع ملاك كبار.
* ذا مصالح غير معلنة (مثل استشارات سابقة أو شراكات غير مباشرة).
وسوف يؤدي ذلك إلى وجود تضارب محتمل بين المظهر القانوني للاستقلالية والممارسة الواقعية.
ثانيا: غياب آليات تقييم الاستقلالية بعد التعيين
رغم أن التعيين يخضع لمراجعة شكلية من هيئة أسواق المال، إلا أن:
* لا توجد آلية فعلية لتقييم الأداء الدوري للعضو المستقل.
* لا توجد أدوات رقابية تفاعلية لمتابعة مدى تأثيره الفعلي في قرارات المجلس.
* تُكتفى بإقرارات كتابية دون تحقق فعلي.
وبالتالي نستنتج أن الاستقلال يُقاس بشكل استباقي فقط، دون مراجعة لاحقة.
ثالثا: محدودية مشاركة الأعضاء المستقلين في لجان استراتيجية
في عدة شركات مدرجة (وفق مراجعة بيانات مجالس الإدارة في 10 شركات كويتية من قطاعات البنوك والصناعة والخدمات بين 2022-2024)، لوحظ بأن:
* العضو المستقل غالباً لا يشارك في اللجان المحورية مثل لجنة الاستثمار أو الحوكمة أو اللجان التي تحتاج لصوت
* يُكتفى بإشراكه في لجنة التدقيق، ولجنة الترشيحات والمكافآت وكثيراً ما يكون ذلك شكلياً دون مساهمة مؤثرة.
ويكون هناك تهميش غير معلن للعضو المستقل مما يُضعف من استقلاليته وتأثيره.
الأسباب المحتملة لانخفاض فعالية الاستقلال
* الاعتماد على العلاقات الشخصية في الترشيح.
* القصور في آليات المساءلة والمراجعة الدورية.
* ثقافة الحوكمة غير الناضجة في بعض الشركات.
* نقص الكوادر المؤهلة فعلياً لشغل هذا الدور بمعايير صارمة.
مقترحات لتعزيز استقلالية الأعضاء المستقلين
1- تفعيل التقييم السنوي لأداء الأعضاء المستقلين من قبل لجنة الحوكمة أو لجنة الترشيحات ومشاركة نتائج التقييم مع الهيئة.
2- إعادة تعريف الاستقلالية بشكل أعمق ليشمل النزاهة الفكرية، وليس فقط المعايير الشكلية.
3- تمكين المساهمين الأقلية من ترشيح عضو مستقل واحد على الأقل.
4- نشر السيرة الذاتية والتاريخ المهني للأعضاء المستقلين بشفافية على موقع الشركة.
وعلى الرغم من الجهود التشريعية والتنظيمية التي تبذلها هيئة أسواق المال الكويتية لترسيخ مفهوم الاستقلال في مجالس الإدارة، إلا أن التطبيق الواقعي لا يزال يعاني من التشوهات العملية والثقافية التي تحد من جدوى هذه الآلية.
ولذلك، فإن الطريق نحو تعزيز فعالية الأعضاء المستقلين لا يكمن فقط في التشريع، بل في تغيير ثقافة الحوكمة وتعزيز الشفافية وتمكين الأطراف المستقلة فعلاً من أداء دورهم الرقابي والموضوعي