الموارد البشرية وحوكمة الشركات: شراكة استراتيجية لتعزيز الكفاءة المؤسسية في سوق الما
بقلم: تامر عبد العزيز
أمين سر – مدير إدارة الموارد البشرية
تشهد بيئة الأعمال في دولة الكويت تطورًا متسارعًا في ظل التوجه نحو ترسيخ مبادئ الحوكمة المؤسسية التي أصبحت اليوم أحد أهم عناصر الاستدامة والشفافية والنزاهة في الشركات، وخاصة في قطاع الوساطة المالية الذي يخضع لرقابة دقيقة من هيئة أسواق المال ووزارة التجارة والصناعة والجهات التنظيمية الأخرى.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري الذي تؤديه إدارة الموارد البشرية في دعم تطبيق متطلبات الحوكمة، ليس فقط من خلال الإجراءات الإدارية، بل كعنصر استراتيجي يسهم في تحقيق الالتزام المؤسسي وبناء ثقافة تنظيمية واعية ومسؤولة.
إن حوكمة الشركات لا يمكن النظر إليها بمعزل عن العنصر البشري، فهي تعتمد في جوهرها على كفاءة الأفراد ومدى التزامهم بالقيم والسياسات المعتمدة. وهنا يأتي دور الموارد البشرية في نشر الوعي المؤسسي بمفاهيم الحوكمة، عبر برامج التدريب والتطوير والتثقيف الداخلي التي تضمن أن جميع الموظفين، على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، على دراية تامة بالقوانين والتعليمات الصادرة من هيئة أسواق المال، واللوائح الداخلية المنظمة لعمل الشركة. فالموظف الواعي والمدرّب يمثل خط الدفاع الأول أمام أي خلل تنظيمي أو مخالفة محتملة.
كما تسهم الموارد البشرية في تعزيز مبادئ العدالة والشفافية والمساءلة من خلال وضع سياسات واضحة في مجالات التوظيف، والتقييم، والترقية، وإدارة الأداء، بما يتماشى مع متطلبات الحوكمة الواردة في الكتاب الخامس من اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، والتي تؤكد على ضرورة ضمان تكافؤ الفرص ومنع تضارب المصالح داخل بيئة العمل.
ومن هذا المنطلق، تصبح الموارد البشرية شريكًا رئيسيًا في ترسيخ القيم المؤسسية التي تضمن بيئة عمل مستقرة ومنتجة.
ووفقًا لما ورد في الكتاب الخامس من اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة، فإن من أبرز متطلبات الحوكمة تعزيز بيئة العمل الإيجابية التي تدعم استمرارية الكفاءات وتحفّز الأداء المتميز.
وعليه، يتعين على الشركات الاستمرار في تطوير برامج الحوافز الوظيفية والمعنوية للعناصر المميزة داخل المؤسسة، والعمل على الاحتفاظ بالكوادر البشرية لضمان الاستقرار التنظيمي واستدامة الأداء.
فهذا التوجه لا يحقق فقط رضا الموظفين، بل يعكس التزام الشركة بروح الحوكمة وجودة أدائها الرقابي والإداري.
ولا يخفى أن سوق المال الكويتي يشهد نموًا وتطورًا كبيرين في السنوات الأخيرة، بفضل الإصلاحات التنظيمية والرقابية المستمرة، مما يفرض على الشركات تبني فكر استراتيجي شامل يضمن الالتزام الكامل بمتطلبات الجهات الرقابية.
فمع تزايد حجم المتطلبات والتقارير والإفصاحات التي تفرضها هيئة أسواق المال ووزارة التجارة والصناعة، أصبح من غير الممكن أن تتحمل إدارة واحدة أو وحدة تنظيمية بمفردها مسؤولية تطبيق كل هذه المتطلبات.
بل يتعين أن يكون هناك تكامل بين الإدارات كافة — القانونية، المالية، التشغيلية، والموارد البشرية — لضمان توافق الأداء المؤسسي مع معايير الحوكمة، وتحقيق الأهداف الرقابية والاقتصادية في الوقت نفسه.
وتُعد التجارب في أسواق المال بدول مجلس التعاون الخليجي مثالًا واضحًا على أهمية هذا التكامل، حيث تتظافر فيها الجهود بين الإدارات لتحقيق أعلى مستويات الالتزام والتميز المؤسسي.
وهذا ما نشهده اليوم في دولة الكويت الحبيبة، التي تخطو بثبات نحو تعزيز بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة، تجمع بين الالتزام الرقابي والمرونة التشغيلية، وهو توجه يستحق الإشادة لما يعكسه من وعي مؤسسي وتطور تنظيمي يعزز من مكانة السوق الكويتي إقليميًا ودوليًا.
في النهاية، يمكن القول إن حوكمة الشركات والموارد البشرية وجهان لعملة واحدة، فنجاح الأولى يعتمد على وعي وكفاءة الثانية.
إن إدارة الموارد البشرية ليست مجرد جهة تنفيذية للإجراءات، بل هي شريك استراتيجي في بناء الثقافة المؤسسية التي تدعم النزاهة والمساءلة والاستدامة، وتسهم في رفع كفاءة الأداء العام، وتضمن أن تبقى الشركات الكويتية في موقع الريادة والتميز في سوق المال المحلي والإقليمي.
عزيزي القارئ المسؤول:
احرص كل الحرص على وجود ميزانية أساسية وثابتة داخل المؤسسة، لتطوير مهارات وإمكانيات الكوادر البشرية التي تعد حاضرها ومستقبلها وكما قيل سابقاً:
- طور موظفينك ولا تدفع ثمن أخطائهم عقبين.




