هل نعيش ولادة “ذهب القرن الجديد”… أم فقاعة براقة ستنفجر قريباً؟

بقلم – ليما راشد الملا
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الفضة محور الحديث في الأسواق العالمية بعد قفزات سعرية مذهلة تجاوزت 70% خلال فترة وجيزة. المحالّ خالية من السبائك، والمستثمرون يتسابقون لاقتناص كل غرام متاح، وكأن العالم يستيقظ على معدن جديد يعيد رسم موازين الثروة. لكن خلف هذا البريق الخادع، تقبع حقائق اقتصادية دقيقة، قد تجعل من الفضة استثماراً مثيراً بقدر ما هو خطير.
لماذا ارتفعت أسعار الفضة بهذه القوة؟
الجواب لا يقتصر على المضاربة فقط. الفضة لم تعد اليوم مجرد معدن ثانوي أو بديل رخيص للذهب، بل أصبحت مكوناً أساسياً في التطور التكنولوجي الحديث.
أكثر من نصف الإنتاج السنوي العالمي من الفضة يُستهلك في الصناعات الحديثة — تُستخدم الفضة اليوم في كل شيء تقريباً: من الألواح الشمسية والرقائق الإلكترونية الدقيقة إلى البطاريات والسيارات الكهربائية. ومع هذا الطلب الضخم، أصبحت تكنولوجيا المستقبل تستهلك الفضة أسرع مما تستطيع المناجم إنتاجها، وتسبب هذا الطلب الواسع في نقص مستمر في المعروض للعام الخامس على التوالي، بحسب تقرير Silver Institute.
وهنا تبدأ القصة الحقيقية:
الطلب الصناعي المتزايد يتقاطع مع موجة من الطلب الاستثماري الهائل، مدفوعاً بالخوف من الديون العالمية والتضخم. فالمستثمرون يبحثون عن ملاذ يحمي أموالهم، والفضة تبدو مغرية بثمنها الأقل مقارنة بالذهب، وإمكاناتها الصناعية المتنامية.
ولكن… الخطر في التفاصيل
بحسب تحليل Goldman Sachs، فإن سوق الفضة أصغر بعشر مرات من سوق الذهب — تريليون دولار فقط مقارنة بـ 25 تريليون دولار للذهب. هذا الفارق يعني أن أي تدفق مفاجئ أو خروج سريع لرؤوس الأموال يمكن أن يهز السوق بالكامل خلال ساعات، مسبباً تقلبات سعرية هائلة.
الفضة كذلك لا تحظى بدعم البنوك المركزية. الذهب، مثلاً، يحتفظ بجزء من قيمته واستقراره لأن البنوك المركزية حول العالم تشتريه بشكل منتظم كأصل احتياطي. أما الفضة، فهي تُترك لتتأرجح وحدها في مواجهة تقلبات السوق، دون “شبكة أمان” مؤسسية.
النتيجة؟
الفضة تشبه حصاناً جامحاً في مضمار مالي ضيّق: قد تصل إلى القمة بسرعة مذهلة، لكنّ أي تعثر طفيف قد يُسقطها سقوطاً مؤلماً.
ما وراء المضاربة
من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل الطابع العاطفي في سوق الفضة. فالمستثمرون الصغار على منصّات التواصل الاجتماعي يتعاملون معها كفرصة “انتقام مالي” من النخب التي احتكرت الذهب والعقارات. هذا الحماس الشعبي يزيد الطلب، لكنه يزيد من فوضوية السوق، لأن قرارات الشراء والبيع تُبنى غالباً على العواطف لا على التحليل الاقتصادي.
أما على المستوى الصناعي، فإن استمرار العجز في الإمدادات قد يُعيد تشكيل سلاسل الإنتاج التكنولوجي. بعض الشركات بدأت فعلاً في البحث عن بدائل معدنية أو تحسين كفاءة استخدام الفضة لتقليل الاعتماد عليها، وهو ما قد يخفف الطلب الصناعي مستقبلاً، ويؤدي إلى تصحيح حاد في الأسعار.
بين الطموح والمجازفة
الفضة، إذن، تقف عند مفترق طرق:
من جهة، تتغذى على طموحات المستقبل الأخضر والتحول الصناعي العالمي، ومن جهة أخرى تواجه هشاشة سوقها المحدود وتقلبات المستثمرين.
الاستثمار فيها اليوم يشبه السير على حبل مشدود بين الربح الكبير والخسارة السريعة. من يقرأ اتجاهات التكنولوجيا والمناخ جيداً قد يحقق مكاسب مذهلة، أما من ينجذب فقط إلى العناوين البراقة فقد يجد نفسه في فخ “الفقاعة الفضية”.
الخلاصة
الفضة لم تعد معدن الحلي البسيط، بل أصبحت مؤشراً حساساً على تحولات الاقتصاد العالمي. ارتفاعها السريع ليس مجرد موجة مضاربة، بل نتيجة مزيج معقد من العجز الصناعي، والمخاوف المالية، والطموحات البيئية.
لكن كلما ازداد البريق، ازداد الخطر. فكما ارتفعت الفضة بسرعة، يمكن أن تهبط بنفس الاندفاع عندما يبرد الحماس أو تتغير السيولة في الأسواق.
والسؤال الأهم يبقى:
هل نحن فعلاً على أبواب ولادة “ذهب جديد” يقود اقتصاد المستقبل، أم أن الفضة مجرد فقاعة لامعة صنعتها التكنولوجيا وستنفجر عند أول هزة في السوق؟