القطار السريع الخليجي … لماذا كل هذا الاهتمام وهل أصبح حلم يتحول إلى واقع؟

• شهدت اليابان في الستينيات من القرن الماضي طفرة في مجال القطارات السريعة.
• القطار الخليجي يربط دول مجلس التعاون الخليجي في شبكة واحدة.
• الكلفة الإجمالية للشبكة قد تصل إلى نحو 15 مليار دولار أمريكي.
• أهميّته لا تقتصر على المنافع التجارية، بل تشمل أهدافاً استراتيجية وتكاملية وجيوسياسية بعيدة المدى.
• نحو 224 اتفاقية تجارة حرة على مستوى العالم، ودول الخليج الأقل مشاركة في هذه الاتفاقيات.
• من المتوقع أن تصل سرعة قطارات الركاب إلى 220 كلم/ساعة.
• سرعة قطارات البضائع ستتراوح ما بين 80 و120 كلم/ساعة.
• مشروع قطارات حفيت، الذي يربط أبوظبي بصُحار في سلطنة عمان، هو الجزء الأول من مشروع قطار الخليج.
• القطارات السريعة ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي صمام أمان للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من أين بدأت الحكاية؟ رحلة عبر الزمن: من البخار إلى المغناطيسي (الطلقة)
منذ أن انطلقت أولى القطارات البخارية في القرن التاسع عشر، وأثارت دهشة العالم بسرعتها التي كانت تعد قفزة نوعية في عالم النقل، لم يتوقف الإنسان عن السعي إلى تطوير وسائل النقل وتسريعها.
تُعد القطارات السريعة من أبرز وسائل النقل الحديثة، حيث بدأت هذه التكنولوجيا في الظهور لأول مرة في اليابان في عام 1964 مع انطلاق خدمة “شينكانسن”، التي تمثل القاطرة الأولى لهذا النوع من القطارات المبتكرة. منذ ذلك الحين، انتشرت أنظمة القطارات السريعة في العديد من الدول مثل فرنسا وألمانيا والصين، حيث تُعتبر هذه الأنظمة من أبرز الابتكارات التي جابت العالم، مطورة بذلك مفاهيم النقل السريع والفعال. واليوم، ومع التطور التكنولوجي الهائل، وصلنا إلى مرحلة جديدة في تاريخ النقل، حيث وصلت سرعة القطارات إلى ما يزيد عن 500 كيلومتر في الساعة بينما تصل بعض النماذج الحديثة مثل “فاست” في الصين إلى سرعات تصل إلى 600 كيلومتر في الساعة أو القطار المغناطيسي أو قطار الطلقة، بين الكويت والعاصمة السعودية الرياض حيث تبلغ المسافة بين الكويت والعاصمة السعودية الرياض 700 كيلومتر تقريباً، ومن المتوقع بعد إنجاز مشروع «القطار»، سيكون من الممكن قطع المسافة من الكويت إلى الرياض أو العكس في مدة تتراوح ما بين 120 الى 150 دقيقة تقريباً. تكمن أهمية هذه السرعة في تقليل زمن الرحلات، مما يسهم في تعزيز الحركة التجارية والسياحية بين المدن والبلدان. يمثل توفير الوقت ميزة كبيرة، خاصةً في عصرنا الحالي حيث يزداد الطلب على وسائل النقل الفعالة والموثوقة.
القطار الخليجي: حلم يتحول إلى واقع
أما بخصوص قطار الخليج، فقد تم الاتفاق على بنائه ليعزز الروابط بين دول مجلس التعاون الخليجي. يُتوقع أن يُسهم هذا المشروع في تعزيز التجارة وحركة الأفراد بين دول المنطقة، مما يعزز من التواصل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. إن تنفيذ هذا المشروع يمثل خطوة مهمة نحو التكامل الإقليمي، ليس فقط من ناحية البنية التحتية، بل أيضاً من زاوية التعاون الاستراتيجي بين الدول الأعضاء. يأتي مشروع القطار الخليجي ليربط دول مجلس التعاون الخليجي في شبكة واحدة، مما يساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب خطة المجلس، ستصل سرعة نقل الركاب بالقطارات إلى 220 كلم/ساعة، فيما ستتراوح سرعة نقل السلع ما بين 80 و120 كلم/ساعة. أما الكلفة الإجمالية للشبكة عند إنجازها، فقد تصل إلى نحو 15 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتقديرات وزراء اقتصاد دول مجلس التعاون.
التكامل مع المشروعات والأهداف الاستراتيجية الكبرى (العراق “طريق التنمية”، بريكست، والاتحاد الأوروبي)
يتكامل مشروع “قطار الخليج” مع الكثير من المشروعات والأهداف الاستراتيجية على المستوى الإقليمي، وبما يخدم مصالح الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. فعلى سبيل المثال، يعمل العراق منذ يوليو 2023 على تحقيق مشروع “طريق التنمية” الذي يهدف إلى جعل الأراضي العراقية ممراً لنقل السلع ومصادر الطاقة من الكويت جنوباً إلى تركيا شمالاً، ومنها إلى أوروبا. وبهذا الشكل، يصبح مشروع قطار الخليج جزءاً مكمّلاً لمسار تجاري يصل إلى حدود الاتحاد الأوروبي شمالاً، عبر العراق. ولهذا السبب تجد جهود حثيثة واهتمام أوروبي وخليجي بمناقشة التجارة الحرة ما بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي منذ مايو 2024، خصوصا في الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر. فهناك نحو 224 اتفاقية تجارة حرة على مستوى العالم، ودول الخليج تعد الأقل مشاركة في هذه الاتفاقيات الكبرى، وهو ما تعزز فرص نموه انعقاد القمة الخليجية الأوروبية. وفعلا فقد تم اجتماع مهم لأول قمة خليجية أوروبية منذ تدشين العلاقات الرسمية بين الجانبين منذ عام 1989، وبمشاركة 33 رئيس دولة ورئيس وزراء يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر 2024م، في العاصمة البلجيكية بروكسل. فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج 2 تريليون دولار، فيما بلغ الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي 16 تريليون دولار، ليشكلا معا نحو 20% من الاقتصاد العالمي، ويمثلا نحو 17.5% من التجارة العالمية. وهناك مشروع استراتيجي آخر يتكامل بدوره مع مشروع قطار الخليج، وهو مشروع الممر الاقتصادي الذي تم توقيع اتفاقيّته في قمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2022. هذا المشروع، يُفترض أن يفضي في النهاية إلى ربط الهند بأوروبا تجارياً، عبر شبكة من الموانئ والسكك الحديدية والمراكز اللوجستية، التي تمرّ بدول مجلس التعاون والتي ستحتاج إلى بنى تحتية متصلة بوسائط الشحن البحري. وهذا ما يجعل قطار الخليج جزءاً مكمّلاً لمشروع الممر الاقتصادي الذي سيحتاج حتماً إلى استثمارات إضافية في مجال التخزين وإعادة الشحن على طول مساره. بهذا المعنى، يمكن القول إنّ ولادة مشروع الممر الاقتصادي الذي أُعلن عنه في اجتماع مجموعة العشرين، ساهم في إحياء فكرة قطار الخليج. كما باتت السعودية -بسبب مشروع الممر الاقتصادي- معنية أكثر من السابق بتسهيل إنجاز مشروع قطار الخليج ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي.
أهمية القطار الخليجي لرؤية الكويت 2035
يمثل مشروع القطار الخليجي أحد الركائز الاستراتيجية التي تدعم تحقيق رؤية الكويت 2035، والتي تسعى إلى تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري إقليمي ودولي، وتحقيق التنمية المستدامة على جميع الأصعدة. يعتبر هذا المشروع الحيوي جزءاً من خطة طموحة لتعزيز التكامل الاقتصادي والبنية التحتية بين دول مجلس التعاون الخليج. فمن من خلال هذا المشروع، ستتمكن دولة الكويت من تعزيز موقعها الإقليمي، تحقيق التنمية الاقتصادية، وتوفير وسائل نقل مستدامة تخدم الأجيال القادمة.
مشروع قطارات حفيت
يُعتبر مشروع قطارات حفيت، والذي سوف يربط أبوظبي بصُحار في سلطنة عمان، الجزء الأول من مشروع قطار الخليج الذي يصل إلى مرحلة التلزيم وبدء التنفيذ وسيمثّل أوّل عملية ربط عابرة للحدود للسكك الحديدية في دول مجلس التعاون. ومن المقدّر حالياً أن تبلغ كلفة المشروع الإجمالية نحو 3 مليار دولار، بينما يعمل مجلس إدارة شركة حفيت للقطارات على وضع الجدول الزمني لتنفيذ الأعمال التي تم تلزيمها لمقاولين إماراتيين وعمانيين.
الخلاصة:
إن مشروع القطار الخليجي يمثل قفزة نوعية في مجال النقل في المنطقة، وهو مشروع طموح يسعى إلى تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. فبالرغم أن جميع المصالح تدفع باتجاه تنفيذ مشروع قطار الخليج، يبقى من المهم الإشارة أن هناك تحديات لوجيستية وبيئية وإجرائية التي قد تعرقل تقدمه خلال السنوات المقبلة. ولكن مع التطور المستمر في تكنولوجيا القطارات، يمكننا أن نتوقع أن نشهد في المستقبل القريب تسهيلات وتطورات أكبر وأكثر إثارة في هذا المجال، حيث أن مجلس التعاون الخليجي يُعد قصة نجاح عربية فريدة في مجال التكامل الإقليمي. وعلى الرغم من التحديات، فإن الإنجازات التي حققها مجلس التعاون في المجالات الاقتصادية، الأمنية، والاجتماعية تُبرز أهميته كإطار يعزز من استقرار وتنمية المنطقة وسيظل المجلس نموذجًا ملهمًا لأي تجارب وحدة وتكامل عربية أخرى.