ترامب في سباق مع الزمن: أول 100 يوم في ولايته الثانية

يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، تحديات ضخمة في تنفيذ أجندته السياسية والاقتصادية. مع كون ترامب أكبر رئيس منتخب في التاريخ الأمريكي وأول رئيس يتم انتخابه لولاية غير متتالية، كانت أول 100 يوم من ولايته الثانية بمثابة فترة زمنية حرجة لاختبار قدرته على مواجهة التحديات القانونية والسياسية والاقتصادية. يشكل هذا المقال استعراضًا لأبرز التطورات التي شهدتها فترة أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية، بما في ذلك تداعيات سياساته الاقتصادية والعلاقات التجارية مع الدول الكبرى، بالإضافة إلى توجهات الرأي العام الأمريكي.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ظل التحديات المتعددة
منذ أول يوم له في منصب الرئيس للمرة الثانية، كانت أولوياته واضحة: إعادة تشكيل النظام السياسي الأمريكي بشكل يتماشى مع رؤيته الاقتصادية والاجتماعية. بعد خسارته في انتخابات 2020 ونجاته من محاولة اغتيال خلال حملة انتخابات 2024، كانت العودة إلى البيت الأبيض بمثابة فرصة ثانية نادرة للقيام بإصلاحات شاملة. هذه الفرصة تتزامن مع انتخابات التجديد النصفي في 2026، ما يزيد من إحساسه بالإلحاح لتنفيذ أجندته قبل أن يتعرض لخطر فقدان الأغلبية في الكونغرس.
أوامر تنفيذية بعيدة المدى
خلال أول 100 يوم من ولايته الثانية، وقع ترامب أكثر من 140 أمرًا تنفيذيًا، وهو رقم يفوق أي رئيس أمريكي حديث. ركزت هذه الأوامر على مجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من إصلاح البيروقراطية الحكومية، مرورًا بإعادة تشكيل العلاقات التجارية مع الشركاء التقليديين، وصولاً إلى استعادة سلطات الفرع التنفيذي. الأوامر التنفيذية كانت وسيلة فعالة لتنفيذ بعض السياسات بسرعة، لكن على الرغم من قوتها، فإنها تظل عرضة للطعن القانوني إذا تم اعتبارها تتجاوز الصلاحيات القانونية للرئيس.
مواجهة مع الكونغرس والمحاكم
فيما يتعلق بالعلاقة مع الكونغرس، فإن الجمهوريين أبدوا اهتمامًا ضئيلًا بكبح جماح أجندته الطموحة. فقد تم تمرير بعض التشريعات الأساسية بسرعة، مثل تمديد تخفيضات الضرائب لعام 2017. أما المحاكم، فقد كانت أكثر حذرًا، إذ تدخلت بشكل انتقائي لإبطاء بعض الأوامر التنفيذية أو وقفها، ما يضيف طبقة من التعقيد أمام تحركات الرئيس. ورغم ذلك، لم تخرج معظم القوانين التي سعى ترامب لتمريرها إلى النور، بسبب صعوبة الموافقة على تشريعات مع الأغلبية الضئيلة في الكونغرس.
التعريفات الجمركية والتجارة العالمية
لا يمكن الحديث عن أول 100 يوم في ولاية ترامب الثانية دون التطرق إلى ملف التجارة. حيث كانت التعريفات الجمركية على رأس أولوياته، والتي أدت إلى ارتفاع المعدل الفعلي للتعريفات إلى حوالي 25% على الواردات في عام 2024. هذه الزيادة الكبيرة في الرسوم الجمركية أثرت بشكل مباشر على العلاقات التجارية مع دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي، ما جعل التجارة مع الصين غير مجدية اقتصاديًا. رغم التحديات الاقتصادية، يستمر ترامب في الدفاع عن سياساته التجارية، مؤكدًا أنها ضرورية لتحقيق “أمريكا أولاً”.
الاقتصاد الأمريكي: بين التفاؤل والقلق
خلال الفترة الأولى من ولاية ترامب الثانية، شهد الاقتصاد الأمريكي حالة من النمو الملحوظ، حيث سجلت أسواق الأسهم مستويات قياسية جديدة. هذا النمو كان جزئيًا نتيجة للآمال في تخفيف الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية التي فرضتها الإدارة السابقة. ومع ذلك، لم تخلُ تلك الفترة من تحديات اقتصادية، حيث تراجعت الشعبية العامة لترامب بسبب الارتباك الناتج عن إعلان التعريفات الجمركية العشوائية، وخفض الإنفاق الحكومي، وسياسات الهجرة الصارمة.
تحديات الهجرة وقوانين العمل
على صعيد الهجرة، أعلن ترامب حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية، وهو ما ساهم في تقليص عدد المواجهات على الحدود بشكل كبير. وقد أدى ذلك إلى تخفيض الهجرة غير النظامية، لكن ذلك قد يؤثر أيضًا على سوق العمل الأمريكي في النصف الثاني من 2025 بسبب نقص العمالة. هذه السياسة قد تساهم في تعزيز التضخم على المدى القريب، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بالتعريفات الجمركية ونقص العمالة.
التوقعات المستقبلية: التقلبات مستمرة
من المتوقع أن تستمر التقلبات الاقتصادية في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها الرئيس ترامب. مع الانتخابات النصفية في 2026 التي قد تهدد الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، فإن سرعة تنفيذ الأجندة السياسية تعد عاملًا رئيسيًا في استقرار إدارته. في الوقت ذاته، لا تزال الأسئلة حول تأثير التعريفات على الاقتصاد الأمريكي قائمة، حيث يتوقع العديد من المحللين أن يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية إلى زيادة الضغوط التضخمية، وهو ما يضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.
الشعبية والتحديات الداخلية
وفقًا للاستطلاعات الأخيرة، انخفضت شعبية ترامب إلى 45%، بعدما كانت 52% في بداية يناير. وتباينت الآراء بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث أبدى 93% من الديمقراطيين استياءهم من أداء ترامب، مقارنة بـ 75% من الجمهوريين الذين أيدوه. هذا التباين يعكس انقسامًا سياسيًا عميقًا في البلاد قد ينعكس في الانتخابات القادمة.
الخاتمة
في الختام، كانت أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية محورية في تحديد مسار ولايته. ومع سلسلة من القرارات الاقتصادية والسياسية الهامة، سيظل ترامب في سباق مستمر مع الزمن لتحقيق أهدافه قبل أن تبدأ تداعيات سياساته في الظهور على المدى الطويل.