مسؤولية مديري الشركات: سيف العدالة ودرع الحوكمة
بقلم الدكتور المستشار وسيم العبدالله
في سباق الاقتصاد المحموم، قد يدفع السعي الحثيث نحو الأرباح بعض مديري الشركات إلى سلوك دروب محفوفة بالمخاطر، متناسين أن كل قرار يتخذونه يقع تحت طائلة القانون ورقابة القضاء. هنا، تبرز “مسؤولية المديرين” كصمام أمان رئيسي، وحجر زاوية في صرح حوكمة الشركات، يضمن حماية حقوق المساهمين والدائنين، ويعزز ثقة المستثمرين.
لقد وضع المشرع الكويتي في قانون الشركات إطارًا قانونيًا صارمًا لهذه المسؤولية، مؤكدًا أن أعضاء مجلس الإدارة يسألون بالتضامن عن جميع أعمال الغش، وإساءة استعمال السلطة، ومخالفة القانون أو عقد الشركة، وعن أي خطأ يرتكبونه في الإدارة.
هذا المبدأ القانوني، على وجازته، يؤسس لمنظومة مسؤولية متعددة الأوجه وشديدة الأثر وفق الآتي:
1– مسؤولية ثلاثية الأبعاد وتضامنية: لا تقتصر المساءلة على الشركة وحدها، بل تمتد لتشمل المساهمين إذا لحقهم ضرر شخصي، والغير (كالبنوك والدائنين والعملاء). والأهم أنها مسؤولية “تضامنية”، مما يمنح المتضرر الحق في مطالبة أي مدير منفردًا، أو جميع المديرين مجتمعين، بالتعويض عن كامل الضرر.
2– مسؤولية واسعة الأركان: لا تقتصر المساءلة على أعمال الغش الواضحة ومخالفة القانون الصريحة، بل تمتد لتشمل مفهوم “الخطأ في الإدارة”، وهو مجال واسع يشمل كل تقصير أو إهمال لا يرتكبه المدير الحريص في إدارة شؤون شركته، كالتهور في الدخول في استثمارات غير مدروسة أو إفشاء أسرار الشركة.
3- حصانة محدودة: قطع القانون الطريق على أي محاولة للتهرب من المسؤولية عبر الحصول على “إبراء ذمة” شكلي من الجمعية العامة، مؤكدًا أن هذا الإبراء لا يمنع من إقامة دعوى المسؤولية إذا شابته عيوب أو أُخفيت بسببه حقائق جوهرية.
اجتهادات القضاء: معيار “الرجل الحريص”
أخذت المحاكم الكويتية هذه المبادئ وطورتها في تطبيقاتها، مرسخةً معايير حديثة تتجاوز التفسير الحرفي الضيق:
* توسيع مفهوم “خطأ الإدارة”: لم تعد المحاكم تكتفي بالأخطاء الجسيمة، بل أصبحت تطبق “معيار الرجل الحريص”. ففي قضايا حديثة، تمت مساءلة مديرين ليس لأنهم احتالوا، بل لأنهم أهملوا إجراء دراسة كافية لمشروع استثماري أدى إلى خسائر، معتبرةً أن هذا التقصير بحد ذاته “خطأ في الإدارة” يستوجب المساءلة.
* مسؤولية المدير غير التنفيذي: قضت المحاكم بأن عضوية مجلس الإدارة ليست منصبًا شرفيًا. فمجرد الغياب المتكرر عن الجلسات، والسلبية في اتخاذ القرارات المصيرية، يمكن أن يشكل خطأ تقصيريًا يرتب المسؤولية.
إن الثقافة القانونية لم تعد خيارًا، بل استثمار استراتيجي لا غنى عنه. ففهم المدير لحدود مسؤوليته التي رسمها القانون وعمّقها القضاء، ليس مجرد وقاية له من المساءلة، بل هو تعزيز لحوكمة الشركة، وصقل لسمعتها، وضمانة لاتخاذ قرارات رشيدة تحقق مصالحها على المدى الطويل.




