مقالات

الشويخ الصناعية ومستقبل المناطق الصناعية في الكويت: دروس مستفادة من المدينة الصناعية الثانية بالرياض

 

بقلم/ الخبيرة العقارية سبيكة محمد البحر

مجموعة سبيكة البحر وعماد الفرج العقارية، عضو اتحاد الوسطاء العقاريين وعضو جمعية المقيمين العقاريين الكويتية

 

تُعد منطقة الشويخ الصناعية واحدة من أقدم وأهم المناطق الاقتصادية في الكويت، إذ تأسست في منتصف القرن العشرين لتكون مركزًا للورش الصناعية الصغيرة والمستودعات والخدمات اللوجستية. ومع مرور الزمن، تغيرت طبيعة النشاط داخل المنطقة، وانتقلت العديد من الأنشطة من الصناعات التقليدية إلى مزيج من الخدمات التجارية والخدمات اللوجستية، فضلاً عن الورش الصغيرة ومعارض السيارات وبعض المكاتب. هذا التحول الطبيعي في الاستخدام خلق فجوة بين الواقع الفعلي للمنطقة وبين التنظيمات والاشتراطات الرسمية القديمة، ما انعكس على قدرة المستثمرين على اتخاذ قرارات طويلة الأمد، وأدى إلى تراجع الإقبال على الاستثمار طويل المدى فيها.

أحد أبرز التحديات التي تواجه الشويخ الصناعية اليوم هو تجميد تحويل الملكية وحقوق الانتفاع. هذه المشكلة ليست مجرد إجراء إداري، بل تمثل حجر عثرة أمام المستثمرين، إذ لا يمكنهم بيع ممتلكاتهم أو إدخال شركاء، أو استخدام العقارات كضمان للحصول على التمويل. هذا الجمود أثر على السوق العقاري بأكمله، حيث تراجعت السيولة، وتوقفت الكثير من عمليات التطوير، وجعل المنطقة أقل جذبًا للاستثمارات الجديدة. كما أن هذا التعليق خلق حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل المنطقة، خاصة فيما يتعلق بتحديد هويتها: هل ستظل منطقة صناعية تقليدية، أم ستتحول إلى منطقة تجارية وخدمية، أم ستعاد هيكلتها بالكامل ضمن رؤية مستقبلية وتضاف إلى هذه التحديات مشكلة البنية التحتية القديمة، إذ أن الشوارع غير منظمة، والطرق ضيقة لا تستوعب حركة الشاحنات والمركبات الكبيرة، وتفتقر المنطقة لمواقف كافية، كما أن شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي بحاجة إلى تطوير عاجل. هذه المشاكل تشكل عائقًا أمام تحديث المنشآت القائمة أو استقطاب مشاريع جديدة، وتجعل المستثمرين مترددين في ضخ رؤوس الأموال. كما أن افتقار المنطقة إلى تخطيط شامل ومتوازن للأراضي والمساحات العامة يزيد من صعوبة تنظيم الأنشطة الصناعية والخدمية بشكل يحقق الفاعلية الاقتصادية ويضمن استدامة المنطقة على المدى الطويل.

مقارنة مع المنطقة الصناعية الثانية بالرياض

المنطقة الصناعية الثانية بالرياض تمثل نموذجًا متطورًا لإدارة المدن الصناعية. إلى جانب البنية التحتية المتكاملة من طرق رئيسية وفرعية، وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، وتسهيلات لوجستية وخدماتية، بدأت الرياض في إدخال مركز الثورة الصناعية الرابعة  (4IR) كمثال على دمج التقنيات الحديثة في البيئة الصناعية. هذا المركز لا يمثل مجرد مكان لتطبيق تقنيات التصنيع الذكي، بل يعكس نهجًا شاملًا لتطوير الصناعة: من التخطيط العمراني، توفير المساحات المناسبة، البنية التحتية القوية، وصولًا إلى دمج التكنولوجيا والابتكار في العمليات الصناعية.

المدينة الصناعية الثانية تضم كل ما تحتاجه المنشآت الصناعية للعمل بكفاءة: بنية تحتية حديثة، شبكة طرق تربطها بمحاور رئيسية، مرافق لوجستية، حقوق انتفاع واضحة، وتنظيم إداري مركزي يدير الأمن والصيانة والمعايير الصناعية. مع 4IR، المصانع لا تكتفي بالأنشطة التقليدية، بل تعتمد على تقنيات ذكية، وأتمتة، وتحليل بيانات، ما يزيد من كفاءتها ويجعلها أكثر تنافسية وجاذبية للاستثمار.

هذا يقدم درسًا مهمًا لأي منطقة صناعية حديثة أو قيد التطوير: يجب أن يكون هناك تخطيط متكامل يجمع بين البنية التحتية، الخدمات اللوجستية، مرافق الدعم، والتقنيات الحديثة، مما يعزز القدرة التنافسية، جذب الاستثمار، وضمان استدامة الأنشطة الصناعية على المدى الطويل. تطبيق هذا النهج في الشويخ الصناعية، سواء من خلال تطوير البنية التحتية أو إدخال تقنيات التصنيع الذكي، يمكن أن يحوّل المنطقة إلى بيئة صناعية أكثر كفاءة وجاذبية، مماثلة لما نجح به النموذج في الرياض

البدائل للشويخ الصناعية:

يمكن النظر إلى عدة بدائل لإعادة تنشيط الشويخ الصناعية وإعادة تنظيمها، مع إعطاء كل بديل استثماريًا متمايزًا:

* النقل إلى مناطق صناعية خارج المدينة مثل الشدادية أو النعايم

هذه البدائل توفر مساحات أكبر، بنية تحتية حديثة، إمكانية توسعة المشاريع، وتقليل الضغط على الشويخ الصناعية داخل العاصمة، مما يسهم في استدامة النشاط الصناعي بعيدًا عن الاختناقات العمرانية، أو تحويل الشويخ إلى منطقة تجارية–خدمية مختلطة Mixed-Use Industrial District

حيث يشمل هذا النموذج مزيجًا من المستودعات، والورش الصغيرة، ومراكز التوزيع، والمكاتب التجارية وتحديث البنية التحتية، وتهيئة المنطقة للاستثمار طويل الأمد، بما يضمن مرونة النشاط الصناعي وتنوع مصادر الدخل للمنطقة.

 

* تطوير مناطق جديدة صديقة للصناعات والخدمات اللوجستية

إنشاء مناطق صناعية حديثة مجهزة بالكامل خارج المدينة لاستيعاب الصناعات الثقيلة والمتوسطة، مع استغلال الأراضي المحررة داخل الشويخ لإقامة مشاريع تجارية وخدمية عالية القيمة، ما يعزز التوازن بين الأنشطة الصناعية والخدمية ويزيد من العوائد الاقتصادية.

 

* إعادة هيكلة الملكية وحق الانتفاع داخل الشويخ

إصدار وثائق ملكية واضحة، تمديد عقود الانتفاع، وإعادة هيكلة العقود القديمة وفق نظام موحد يدعم التمويل والاستثمار، بما يعزز استقرار السوق ورفع ثقة المستثمرين، ويتيح لهم التخطيط لمشاريع طويلة الأمد دون مخاطر تنظيمية أو قانونية.

 

* الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية والخدمات

يمكن الاستفادة من نموذج Public-Private Partnership (PPP) لتطوير البنية التحتية والخدمات في الشويخ، من خلال إنشاء مجمعات صناعية حديثة تشمل مستودعات لوجستية، مواقف متعددة الطوابق، مرافق متطورة للطاقة والمياه، وأنظمة أمان متقدمة، مع الحفاظ على المساحات الخضراء والخدمات العامة. هذا النهج يتيح للحكومة استثمار الموارد بشكل فعال، ويمنح القطاع الخاص دورًا في التطوير والإدارة، ما يسرّع تنفيذ المشاريع ويزيد من جاذبية المنطقة للمستثمرين.

ومع المقارنة والاستنتاج بين الشويخ الصناعية في الكويت والمنطقة الصناعية الثانية بالرياض الفروق الواضحة في التخطيط العمراني، البنية التحتية، وآلية الملكية وحق الانتفاع. وتعكس هذه المقارنة الحاجة الماسة إلى إعادة تنظيم الشويخ الصناعية وتطوير بنيتها التحتية بشكل متكامل، سواء من خلال نقل بعض الأنشطة إلى بدائل صناعية حديثة، أو تطوير المنطقة نفسها عبر شراكات وآلية المطور العقاري، أو إعادة هيكلة الملكية وحقوق الانتفاع. إن اعتماد هذه البدائل بشكل مدروس سيمنح الشويخ الصناعية القدرة على الاستفادة من موقعها الاستراتيجي وتحقيق استدامة النشاط الصناعي والتجاري، مع رفع جاذبية المنطقة للاستثمارات المحلية والخارجية، بما يجعلها نموذجًا متطورًا يمكن أن يعكس تجربة مشابهة للنجاح الذي تحقق في المنطقة الصناعية الثانية بالرياض.

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى