سياسات ترامب للطاقة: بين الطموح والواقع

يسعى الرئيس ترامب إلى تعزيز هيمنة الطاقة الأمريكية من خلال زيادة إنتاج النفط والغاز. وقد وقع أوامر تنفيذية لتبسيط عملية إصدار التصاريح، وفتح الوصول إلى الأراضي الفيدرالية، وإزالة العديد من الحواجز التنظيمية. ومع ذلك، فإن السوق الأمريكية مشبعة بالإمدادات، والأسعار المنخفضة للنفط تقلل من جدوى عمليات الحفر الجديدة. يفضل المنتجون الربحية والعوائد للمستثمرين، مما يحد من إمكانية نمو الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، السوق العالمية مشبعة بالإمدادات، مما يحافظ على انخفاض الأسعار. لذلك، سيكون تأثير تدابير تخفيف التنظيم وزيادة الوصول إلى الأراضي الفيدرالية محدودًا على الإنتاج في الأجل القصير.
طموحات ترامب للطاقة
يسعى الرئيس ترامب إلى إعادة تأكيد هيمنة أمريكا في مجال الطاقة، معتقدًا أن طريقه لتحقيق ذلك يكمن في تكثيف إنتاج النفط والغاز المحلي. وفي أول يوم له في المنصب، وقع مجموعة من المذكرات والأوامر التنفيذية التي تضمنت مبادرة “إطلاق العنان للطاقة الأمريكية” وإعلان “حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة”، والتي ألغت عددًا من اللوائح البيئية التي يعتبرها عائقًا أمام الإنتاج.
ورغم هذه الطموحات، يجدر بالذكر أن الولايات المتحدة ليست في أزمة طاقة مشابهة لتلك التي حدثت في أوروبا عام 2022 بسبب الحرب في أوكرانيا. فالولايات المتحدة تتمتع باكتفاء ذاتي من النفط إلى حد كبير، مع سوق مشبعة بالإمدادات وغياب أزمات استهلاكية كبيرة. ومع ذلك، فإن التركيز على الحفر وإنتاج المزيد من النفط في سوق يعاني من فائض عالمي يجعل هذه السياسات طموحة، ولكنها بعيدة عن الواقع.
تحديات السوق المحلية والعالمية
منذ انهيار أسعار النفط في 2014-2015، ركز المنتجون الأمريكيون على تحقيق الربحية وتقديم عوائد قوية للمستثمرين بدلاً من زيادة الإنتاج بشكل مفرط. على سبيل المثال، تشير البيانات إلى أن بعض المناطق المنتجة مثل “برميان باسين” تحتاج إلى أسعار أعلى من 70 دولارًا للبرميل لتغطية تكاليف الإنتاج، مما يجعل الإنتاج في ظل الأسعار الحالية غير مربح. بالإضافة إلى ذلك، فإن المخزونات التجارية الأمريكية من النفط مرتفعة، مما لا يشجع على زيادة العرض.
على الصعيد العالمي، السوق مشبعة بالإمدادات، مع توقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) فائضًا يبلغ 0.7 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2025. هذا الفائض يضع ضغطًا إضافيًا على الأسعار، مما يحد من تأثير السياسات المحلية التي تهدف إلى زيادة الإنتاج.
التعريفات الجمركية واعتماد النفط الكندي
كندا، التي تعد أكبر مورد للنفط الخام الثقيل إلى الولايات المتحدة، تلعب دورًا محوريًا في تلبية احتياجات المصافي الأمريكية. تشير البيانات إلى أن حوالي 52% من واردات النفط الخام الأمريكية في عام 2019 جاءت من كندا، مما يبرز الاعتماد الكبير للمصافي الأمريكية على هذا النوع من النفط. ورغم أن فرض التعريفات الجمركية قد يبدو وسيلة لتعزيز الإنتاج المحلي، فإن الواقع مختلف. تعتمد العديد من المصافي الأمريكية على النفط الكندي الثقيل، وهو ما يجعل الاستغناء عنه خيارًا مكلفًا وغير عملي.
بدائل مثل تعديل المصافي لتتمكن من معالجة النفط الأمريكي الخفيف يتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلاً. في المقابل، فرض التعريفات على النفط الكندي يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وهو ما قد ينعكس سلبًا على المستهلك الأمريكي بارتفاع أسعار البنزين.
النفط الصخري بين الطموحات والتحديات
يُعد النفط الصخري الأمريكي أحد أعمدة الإنتاج المحلي، لكنه يواجه تحديات اقتصادية كبيرة. تكاليف الاستخراج المرتفعة، التي تختلف بشكل كبير حسب المناطق، تجعل إنتاج النفط الصخري أقل قدرة على المنافسة مقارنة بالنفط التقليدي. على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن نقطة التعادل لبعض الحقول الصخرية قد تصل إلى أكثر من 70 دولارًا للبرميل، مما يجعل تحقيق الربحية أمرًا صعبًا في ظل الأسعار الحالية.
هذه التحديات تأتي في وقت يتسم فيه السوق العالمي بفائض في المعروض وانخفاض في الطلب. حتى مع تخفيف اللوائح وزيادة الوصول إلى الأراضي الفيدرالية، فإن تأثير هذه السياسات على الإنتاج المحلي سيكون محدودًا على المدى القصير.
تأثير سياسات ترامب على السوق
رغم تخفيف القيود التنظيمية وزيادة الوصول إلى الأراضي الفيدرالية، يبقى التأثير على المدى القصير محدودًا. السوق العالمية لا تزال تعاني من فائض في الإمدادات، والأسعار المنخفضة تجعل زيادة الإنتاج مخاطرة اقتصادية غير مضمونة. ورغم أن سياسات ترامب تهدف إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية، فإن السوق العالمية وقوى العرض والطلب تلعب دورًا أكبر في تحديد الجدوى الاقتصادية لهذه السياسات.
الخاتمة
في ضوء هذه التحديات الهيكلية والاقتصادية، يبدو أن سياسات إدارة ترامب في مجال الطاقة تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها الطموحة. وبينما قد تحقق بعض النجاحات على المدى القصير، فإن الحلول طويلة الأجل تتطلب تحولًا استراتيجيًا نحو التنويع في مصادر الطاقة، خاصة المتجددة، بدلًا من التركيز على الحفر في سوق متشبع بالإمدادات.
ربما يكون شعار “احفر بأي ثمن” دلالة على الطموح، لكنه في الواقع أقرب إلى حلم بعيد المنال، في ظل انخفاض الأسعار، الاعتماد على النفط الكندي، وقيود السوق العالمية. تحقيق الهيمنة الأمريكية على قطاع الطاقة يتطلب رؤية أشمل تأخذ في الاعتبار تطورات السوق العالمية وتحديات الطاقة المستدامة.