مقالات

لماذا تنخفض الفوائد مع احتدام المنافسة… وما البدائل أمام المودعين والمستثمرين؟

بقلم – ليما راشد الملا  

ملف الفائدة على العملات في العالم معقد وله حسابات وتوازنات تعلق بالطلب في السوق على التمويل وبالتالي يشتد  الطلب من المصارف على ودائع العملاء لتلبية طلبات العملاء .

المنافسة في هذا السوق لها وجهان عندما تشتد المنافسة على تقديم السيولة والقروض للعملاء نتيجة وفرة المنسوب تتراجع هوامش الفائدة وتكون هي السلاح ، عندما ترتفع المنافسة على طلب السيولة ترتفع الفائدة والإغراءات للعملاء لإيداع سيولتهم في ودائع وهكذا المنافسة حسب المرحلة.

مؤخراً تلمس  عملاء خلال الأشهر الماضية تراجعًا نسبيًا في مستويات الفائدة على الودائع، وهو ما أثار نقاشاً واسعًا بين المودعين والمستثمرين. فبعد أن وصلت الفوائد في عامي 2022 و2023 إلى ذروة تقارب 5% مع تشدد السياسة النقدية الأميركية، أصبحت مستويات الفائدة المعروضة حاليا تتراوح بين  بين 3.375% و4.106% فقط للودائع طويلة الأجل بالدينار الكويتي. هذه المعدلات موزعة كالآتي: بين أسبوع تبدأ من 2.842% و12 شهر 4.106 وفقاً لبيانات يوليو الصادرة عن البنك المركزي، فيما يقدر مصرفيون بأن أجل فترات 24 شهرًا عند 3.375%، 36 شهرًا عند 3.500%، 48 شهرًا عند 3.625%، و60 شهرًا عند 3.750%. ورغم أن هذه النسب تبدو مقبولة مقارنة ببعض الأسواق العالمية، إلا أنها أقل مما اعتاد عليه المودع المحلي في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع عودة النشاط للسوق المالي وهو ما يستوجب نظرة على الأسباب والخيارات المتاحة :

أولاً: لماذا نزلت الفوائد؟

الانخفاض ليس وليد قرار محلي فقط، بل نتيجة تداخل عدة عوامل مترابطة وتؤثر على بعضها البعض:

١- السياسة النقدية العالمية: حيث هناك ترابط مع سلة عملات يمثل الدينار نصيب وافر منها ، وهذا الأمر يجعلها تتأثر نسبياً  بقرارات الاحتياطي الفيدرالي ويمكنها أن تصمد وتخالف القرار كما سبق وفعلها المركزي أكثر من رمة . بعد دورة رفع قوية للفائدة بين 2022 و2023 لمواجهة التضخم، بدأ الفيدرالي الأميركي يتجه إلى التثبيت ثم الخفض التدريجي لتفادي الركود. هذا التحول كان له تأثيراته المتباينة على البنوك المركزية في المنطقة كل حسب رؤيته في الحفاظ على توطين العملة المحلية للحفاظ على الاستقرار.

٢- فائض السيولة المحلية: من العوامل المهمة التي لها بصمة في التأثير على قرارات الزيادة والخفض للفائدة حيث الأسواق الأكثر تمتعاً بالسيولة  تكون أكثر استقراراً وأهدى في التسعير، ونسبة القروض إلى الودائع أقل من 80%، ما يقلل حاجتها إلى رفع العوائد لجذب المزيد من الأموال. خلافًا لذلك، فهي تسعى لتخفيض تكلفة التمويل لديها، وهو ما يضغط على أسعار الفوائد .

٣- تراجع التضخم: بعد أن تجاوزت موجات الغلاء مستويات مقلقة في سنوات سابقة، استقر التضخم حاليًا عند نحو 3%. هذا التراجع أعطى الرقيب  هامشًا أوسع لتثبيت الفائدة ومنح البنك هامش المنافسة في المساحة المتاحة له  دون الخوف من فقدان السيطرة على الأسعار.

٤- أسعار الإقراض لا تعكس انخفاض الودائع: خلافًا للاعتقاد الشائع، لم يؤدِّ تراجع الفوائد على الودائع إلى خفض كبير في أسعار القروض. إذ يبلغ سعر الفائدة على القروض الاستهلاكية والإسكانية تتجاوز في بعض مستوياتها هامش 6% سنويًا في بنوك مختلفة بعضها يقوم  باحتسابها على أساس الرصيد المتناقص. كما سجّل معدل الإقراض المصرفي نحو 5.06% في الربع الثاني من عام 2025، وهو معدل مرجعي يختلف عن الأسعار الفعلية في البنوك التجارية. هذا التباين يعني سياسة البنوك في تحقيق التوازن بين حماية هوامش أرباحها وتقديم تمويل يتماشى مع التعليمات.

ثانياً: أثر الانخفاض على المودعين

كان لهذه التطورات أثار متباينة على المودعين:

١- عوائد أقل: من يودع 100 ألف في بنك لمدة 60 شهرًا يحصل على 3,750 دينار فقط كعائد سنوي، بعدما كان يحصل سابقًا على ما يقارب 5,000 دينار.

٢- عوائد حقيقية شبه معدومة: مع تضخم يقترب من 3%، يصبح العائد الحقيقي على الودائع (3.75% – 3% = 0.75%) فقط، أي أن المدخرات بالكاد تحافظ على قيمتها الشرائية.

٣- التزام زمني طويل: كلما طالت مدة الإيداع ارتفعت الفائدة قليلًا، لكن ذلك يجمّد أموال المودع ويقلل مرونته المالية.

ثالثاً: البدائل أمام المودعين والمستثمرين

١- تنويع الودائع: المودع الذكي يوزع أمواله بين ودائع قصيرة الأجل لضمان السيولة وودائع طويلة للاستفادة من نسب الفائدة الأعلى نسبيًا.

٢- الاستثمار في البورصة الكويتية: أسهم تشغيلية في قطاعات مثل البنوك والاتصالات تحقق توزيعات نقدية بين 5% و7%، وهو معدل أعلى من عوائد الودائع.

٣- الصناديق الاستثمارية والعقارية المدرة: تتيح هذه الصناديق عوائد دورية بين 5% و6%، مع إدارة احترافية تقلل من المخاطر مقارنة بالاستثمار الفردي المباشر.

٤- السندات والصكوك: بعض الأدوات المحلية والخليجية تمنح عوائد ثابتة تصل إلى 4%–5%، وهي بديل مستقر للمودع الباحث عن أمان نسبي.

٥- المنتجات البنكية المبتكرة: بعض البنوك تقدم ودائع مرتبطة بمؤشرات أو عملات أجنبية، ما يمنح عوائد محتملة أعلى، لكنها تحمل مخاطر تقلبات السوق.

٦- الاستثمار الخارجي: في أسواق إقليمية قوية أمنة مشابهة لظروف السوق الكويتي في الأمان مثل السعودية أو الإمارات.

 

وفي الختام، الودائع البنكية عموماً  اليوم تمنح عوائد تتراوح بين 3.375% و3.750% تصل إلى مستويات أعلى حسب قوة العميل وملائته وتصنيفة بالسنبة للبنك ، وهي نسب أقل من ذروة الأعوام السابقة  نسبياً لكنها تبقى ضمن نطاق آمن ومستقر. غير أن المودع الذي يبحث عن نمو حقيقي لمدخراته لا يمكنه الاعتماد على الودائع وحدها. الحل يكون في تنويع المحفظة الاستثمارية بين ودائع قصيرة الأجل، أدوات دخل ثابت، وأسهم تشغيلية قوية. بهذه الطريقة يمكن للمودع الكويتي أن يحافظ على رأس ماله من التآكل، وفي الوقت نفسه يحقق عوائد تفوق التضخم وتساعده على تنمية ثروته بمرور الوقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى