ماذا لو أُغلق مضيق هرمز؟ هل تكفي خطوط الأنابيب لإنقاذ العالم من أزمة نفطية؟!

منذ العصور القديمة، يعتبر المضيق نقطة عبور استراتيجية للقوافل التجارية بين الشرق والغرب.
مضيق هرمز كان موضع تنافس بين الإمبراطوريات الفارسية والعربية والبرتغالية والبريطانية.
يُعرف مضيق هرمز باسم “فك الأسد”، في إشارة إلى موقعه الاستراتيجي الحاسم ضمن شبكات الملاحة والتجارة في القرن السادس عشر.
ازدادت أهمية المضيق خلال الحرب العراقية-الإيرانية، حيث تعرضت ناقلات النفط لهجمات متكررة فيما عُرف بـ “حرب الناقلات”.
يعتبر مضيق هرمز واحداً من أبرز شرايين التجارة العالمية
20% من تجارة النفط والغاز العالمية يومياً (20 مليون برميل يومياً) تمر من المضيق، وأي إغلاق قد يؤثّر في أسعار النفط.
مضيق هرمز: شريان العالم النفطي تحت التهديد
أولاً: الخلفية التاريخية والجغرافية لمضيق هرمز
الموقع والأهمية الجغرافية
يقع مضيق هرمز بين الخليج العربي وخليج عمان، ويبلغ عرضه في أضيق نقطة حوالي 33 كيلومترًا فقط، بينما يبلغ عمق الممرات الملاحية فيه نحو 60 مترًا. يُعد المضيق الممر البحري الرئيسي لصادرات النفط من دول الخليج إلى الأسواق العالمية وواحداً من أبرز شرايين التجارة العالمية، ويمر عبره ما يقارب نحو 20% من تجارة النفط والغاز العالمية يومياً (20 مليون برميل يومياً)، مما يجعله أحد أهم الشرايين الحيوية للاقتصاد العالمي. ويعني ذلك أن أي إغلاق قد يؤثّر بدون أي شك في أسعار النفط. يستوعب المضيق من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا، وتصدر السعودية 88% من إنتاجها النفطي عبر هذا المضيق، والعراق 98%، والإمارات 99%، وكل نفط إيران والكويت وقطر. كما أن اليابان هي أكبر مستورد للنفط عبر مضيق هرمز.
لمحة تاريخية:
إرث حضاري وممر استراتيجي: مضيق هرمز من نافذة التاريخ
لا تقتصر أهمية مضيق هرمز على دوره الحيوي في التجارة العالمية والاقتصاد الجيوسياسي، بل يتعداها إلى كونه معلماً جيولوجياً وتاريخياً عريقاً يُجسد حضارات مرّت عبر العصور، ويُعد من أبرز الشواهد الحية على عمق التفاعل الإنساني والحضاري في منطقة الخليج.. فمنذ أكثر من ستة قرون، شكّل هذا الممر البحري نقطة وصل رئيسية على طريق التجارة العالمية، غير أن جذوره التاريخية تعود إلى أبعد من ذلك بكثير؛ إذ تشير الأدلة الأثرية إلى مرور السومريين عبره في الألف الثالث قبل الميلاد، كما تؤكد النقوش الحجرية المكتشفة على سفوح منطقة قدا في ولاية خصب، وغمضاء في ولاية بخاء بسلطنة عمان، والتي تُصوّر نماذج من السفن التي استخدمها السومريون آنذاك.. وتُعزز هذه الدلالات باكتشاف أثري هام آخر في ولاية مدحاء عام 1993، حيث تم العثور على درهم إغريقي يحمل صورة الإسكندر المقدوني، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، مما يؤكد استمرار استخدام المضيق كممر تجاري وتاريخي عبر العصور، وذلك وفقًا للبوابة الإعلامية لسلطنة عمان. ويُعرف مضيق هرمز كذلك باسم “فك الأسد”، في إشارة إلى موقعه الاستراتيجي الحاسم ضمن شبكات الملاحة والتجارة في القرن السادس عشر، إذ يُمثل المنفذ البحري الرئيسي للخليج العربي نحو المحيط الهندي وغرب آسيا، ما يمنحه قدرة حاسمة على التحكم في حركة السلع والموارد بين الشرق الأدنى القديم والعالم الخارجي.
أما بشأن أصل التسمية، فتتعدد الروايات التاريخية. تُرجع بعض المصادر الاسم إلى جزيرة هرمز الواقعة عند مدخل المضيق، والتي كانت في السابق مركزًا للحكم الساساني، ويحمل الاسم دلالة على خمسة من ملوكهم الذين عرفوا باسم “هرمز”.
– بينما تشير مصادر أخرى إلى أن الاسم أُشتق من التسمية القديمة “هرمزد” التي تعود إلى عهد الملك الفارسي قوروش، حيث تم لاحقًا حذف حرف “الدال” لتيسير النطق، ليتحول الاسم إلى “هرمز”، فيما لا تزال بعض لهجات فارس تنطقه حتى اليوم بـ “هرموز”..
* العصور القديمة: كان المضيق منذ العصور القديمة نقطة عبور استراتيجية للقوافل التجارية بين الشرق والغرب، وموضع تنافس بين الإمبراطوريات الفارسية والعربية والبرتغالية والبريطانية.
* القرن العشرين: مع اكتشاف النفط في الخليج، ازدادت أهمية المضيق، خاصة خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980–1988) حيث تعرضت ناقلات النفط لهجمات متكررة فيما عُرف بـ “حرب الناقلات”.
* الألفية الجديدة: تصاعدت التوترات مع البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الدولية، ما جعل المضيق مركزًا للتهديدات المتبادلة بين إيران والدول الغربية.
ثانيًا: القوى المسيطرة على المضيق
الدول المطلة على المضيق
* إيران: تسيطر على الساحل الشمالي للمضيق، وتتمتع بقدرات عسكرية بحرية كبيرة، وتستخدم المضيق كورقة ضغط سياسية واقتصادية.
* سلطنة عمان: تسيطر على الساحل الجنوبي للمضيق، وتلعب دورًا محايدًا نسبيًا، وتحرص على استقرار الملاحة الدولية.
* دول الخليج العربي (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين) تعتمد بشكل شبه كامل على المضيق لتصدير النفط والغاز، ولها مصالح استراتيجية في حماية حرية الملاحة.
* القوى الدولية: (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، والصين)، تملك قواعد بحرية أو وجودًا عسكريًا في الخليج لضمان أمن المضيق.
أبرز اللاعبين في السيطرة:
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة لإغلاق المضيق
كيف يمكن أن يحدث الإغلاق؟
* هجمات مباشرة: زرع ألغام بحرية، استهداف ناقلات النفط أو السفن التجارية بالصواريخ أو الزوارق الانتحارية.
* تهديدات غير مباشرة: إعلان إيران عدم ضمان أمن الملاحة كرد فعل على تصعيد عسكري أو عقوبات اقتصادية.
* حرب شاملة: اندلاع نزاع عسكري إقليمي قد يؤدي إلى توقف الملاحة كليًا أو جزئيًا.
رابعًا: التأثيرات الاقتصادية الكارثية لإغلاق المضيق
1- تأثير مباشر على أسواق النفط والطاقة
* حجم الصادرات عبر المضيق:
يمر عبر المضيق يوميًا ما بين 17 إلى 21 مليون برميل نفط خام، أي نحو 20–30% من الاستهلاك العالمي.
* ارتفاع الأسعار:
أي تعطيل للمضيق يؤدي عادة إلى قفزات حادة في أسعار النفط، حيث ارتفع سعر البرميل بأكثر من 10% خلال ساعات في أزمات سابقة.
* تأثير على الغاز الطبيعي:
قطر تصدر أكثر من 80 مليون طن سنويًا من الغاز الطبيعي المسال عبر المضيق، ما يجعل أسواق آسيا وأوروبا عرضة لأزمات طاقة حادة.
2- تداعيات على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد
* تعطل حركة الشحن:
أكثر من 20% من التجارة البحرية العالمية تمر عبر الخليج ومضيق هرمز، ويؤدي الإغلاق إلى تحويل السفن لمسارات أطول وأكثر تكلفة.
* نقص في السلع:
توقف الإمدادات النفطية والغازية ينعكس على قطاعات النقل، الصناعة، وتوليد الكهرباء عالميًا، ما يهدد بارتفاع أسعار السلع الأساسية وتباطؤ النمو الاقتصادي.
* تأثير على الموانئ:
موانئ الإمارات والسعودية والكويت وقطر ستتضرر بشكل مباشر، ما يؤدي إلى بطء في حركة الصادرات والواردات.
3- ارتفاع تكاليف التأمين والشحن
* قفزة في أقساط التأمين:
شركات التأمين ترفع أسعار تغطية السفن المارة بالمضيق في أوقات التوتر بنسبة قد تصل إلى 400%، كما حدث في أزمة 2019.
* زيادة تكاليف النقل:
اضطرار السفن إلى الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح يزيد زمن الرحلة وكلفة الوقود بنسبة تتراوح بين 30–50%، ما ينعكس على أسعار جميع السلع المنقولة بحرًا.
4- أثر مباشر على اقتصادات الخليج
* تراجع الإيرادات الحكومية:
تعتمد ميزانيات دول الخليج بنسبة تفوق 70% على صادرات النفط والغاز، وأي توقف يهدد الاستقرار المالي ويؤدي إلى عجز في الميزانيات.
* تراجع الاستثمارات:
تصاعد المخاطر الجيوسياسية يدفع المستثمرين الأجانب إلى الهروب من المنطقة، ويؤثر على مشاريع البنية التحتية الكبرى.
* تأثير على العملة والأسواق المالية:
غالبًا ما تشهد العملات وأسواق الأسهم الخليجية تراجعًا حادًا مع تصاعد التهديدات بإغلاق المضيق.
خامسًا: نظرة مستقبلية وتحليل استراتيجي
المخاطر بعيدة المدى
* عدم الاستقرار العالمي:
استمرار التهديد بإغلاق المضيق يرفع من هشاشة الاقتصاد العالمي، ويزيد من تقلبات أسواق الطاقة والتجارة.
* تسريع التحول للطاقة البديلة:
قد تدفع الأزمات المتكررة الدول المستوردة للنفط إلى تسريع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على نفط الخليج.
* تغيير مسارات التجارة:
قد تنشأ تحالفات جديدة ومسارات بديلة لنقل الطاقة، ما يغير خريطة الاقتصاد العالمي على المدى البعيد.
ما هي أبرز الموانئ البديلة لمضيق هرمز والتدابير الاحترازية
أبرز الموانئ البديلة لمضيق هرمز تعتمد بشكل أساسي على خطوط الأنابيب التي تتيح تصدير النفط خارج الخليج العربي، إضافة إلى بعض الموانئ الاستراتيجية التي تم تطويرها لهذا الغرض. ورغم أن هذه البدائل لا تستطيع تعويض حجم وكفاءة مضيق هرمز بالكامل، إلا أنها تشكل صمامات أمان استراتيجية في حالات الطوارئ أو التصعيد الجيوسياسي. فيما يلي أهم الموانئ البديلة وخطوط الأنابيب المرتبطة بها:
ملاحظات أخري:
* قطر تعتمد بشكل شبه كامل على هرمز في تصدير الغاز الطبيعي المسال، وتسعى لاستكشاف خيارات تنويع مستقبلية.
* هناك اقتراحات لمشاريع مستقبلية مثل قناة خليجية تربط الخليج العربي بخليج عمان، لكنها لا تزال في طور الدراسة.
* ستزيد القوى الكبرى من تنسيقها مع دول الخليج، الصين، والهند، بدلاً من الاعتماد الحصري على تحالفات تقليدية مع الولايات المتحدة أو أوروبا فقط.
* وجود بدائل بحرية يقلل من تكلفة التأمين على الشحنات النفطية، ويمنح الأسواق العالمية مزيداً من الاستقرار في أوقات الأزمات.
* التخزين الاستراتيجي في الموانئ أو عبر ناقلات النفط العملاقة يُعد من الحلول المؤقتة.
* مشاريع خطوط الأنابيب والموانئ المشتركة عززت من التعاون الاقتصادي والأمني بين دول مجلس التعاون، ودفعت نحو تبني استراتيجيات موحدة للأمن البحري.
* بناء وتشغيل خطوط الأنابيب والموانئ البديلة يتطلب استثمارات ضخمة وتنسيقاً سياسياً وأمنياً مع الدول المجاورة.
* البدائل البحرية تعزز من توازن القوى في الخليج عبر تقليص الاعتماد على مضيق هرمز، وتساهم في رفع الاستقلالية الخليجية، وتحفيز التعاون الإقليمي، وجذب الاستثمارات. ومع ذلك، تبقى هذه البدائل مكملة وليست بديلة بالكامل للمضيق، ما يجعل توازن القوى في المنطقة مرهوناً بمزيج من القدرات البحرية، والتحالفات الدولية، والتطورات الجيوسياسية المستمرة.
فبالرغم من أهمية هذه البدائل، إلا أنها لا تغطي سوى جزء محدود من صادرات النفط الخليجية مقارنة بمضيق هرمز، وتبقى فعالية هذه الموانئ مرتبطة بقدرة خطوط الأنابيب والبنية التحتية اللوجستية في المنطقة.
البدائل اللوجستية
خطوط الأنابيب البديلة:
* خط أنابيب أبوظبي (حبشان–الفجيرة): ينقل جزءًا من النفط الإماراتي لتصديره خارج المضيق.
* خط أنابيب شرق–غرب السعودي: يربط حقول النفط في المنطقة الشرقية بميناء ينبع على البحر الأحمر.
* مع ذلك، هذه البدائل لا تغطي سوى 30–40% من إجمالي الصادرات الخليجية.
الجهود الدولية
– تعزيز الوجود العسكري:
زيادة الدوريات البحرية الدولية وتشكيل تحالفات لحماية الملاحة..
– الوساطة الدبلوماسية:
تحركات أممية وأوروبية لتخفيف التوترات ومنع التصعيد..
التوصيات والختام:
* تعزيز الحوار الإقليمي والدولي: لا بد من حلول سياسية مستدامة تضمن أمن المضيق وتمنع استخدامه كورقة ضغط.. توازن السياسات الدولية بين أمن الطاقة والتنمية المستدامة يتطلب نهجًا شاملاً يجمع بين تنويع المصادر، تعزيز الكفاءة، التعاون الدولي، الابتكار المالي، والتخطيط الاستراتيجي. نجاح هذا التوازن هو مفتاح تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حماية البيئة، وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.
* تنويع الاقتصادات الخليجية: الإسراع في تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.. إن إغلاق مضيق هرمز يعتبر أزمة إقليمية وكارثة اقتصادية عالمية تهدد أمن الطاقة، استقرار التجارة، وسلاسل الإمداد الدولية. إن أي تصعيد عسكري أو سياسي قد يدفع الاقتصاد العالمي نحو ركود حاد، ويهدد الأمن الغذائي والصناعي لمليارات البشر. من هنا، يصبح الحفاظ على أمن المضيق مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا غير مسبوق.