مقالات

معالجة تعثّر المشروعات الصغيرة… كيف تمنع الموارد البشرية الوصول إلى مرحلة الإغلاق؟

 

بقلم: تــامر عبدالعزيز

أمين سر – مدير إدارة الموارد البشرية.

في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة، أصبحت المشروعات الصغيرة أحد أهم محركات النمو في العالم العربي، لما توفره من فرص عمل، ودعم للابتكار، وتنشيط للأسواق المحلية. ورغم هذا الدور الحيوي، تواجه هذه المشروعات تحديات كبيرة تؤدي في كثير من الأحيان إلى التعثّر ثم الإغلاق النهائي. وبينما تُوجَّه أصابع الاتهام عادة إلى نقص التمويل أو ضعف التسويق، يغفل الكثيرون عن العامل الأكثر تأثيراً العنصر البشري.

كما أكدت الدراسات الحديثة أن ما يقرب من نصف المشروعات الصغيرة التي تفشل، كان يمكن إنقاذها لو وُجدت إدارة موارد بشرية فعّالة منذ البداية. فالموظفون، والمهارات، والثقافة التنظيمية، والقيادة، ليست عناصر ثانوية، بل هي قلب المشروع وروحه.

أولًا: لماذا تتعثّر المشروعات الصغيرة؟

* رغم اختلاف القطاعات، تتكرر الأسباب ذاتها في معظم حالات التعثر:

1- غياب التخطيط الاستراتيجي.

الكثير من أصحاب المشروعات يبدأ بحماس، لكن دون رؤية واضحة أو خطة تشغيلية دقيقة ومع أول أزمة، يتضح ضعف الأساس الذي بُني عليه المشروع.

2- سوء اختيار فريق العمل.

الاعتماد على معارف شخصية أو توظيف غير متخصصين يؤدي إلى فجوات كبيرة في الأداء ويزيد من الأخطاء التشغيلية.

3- ضعف الإدارة المالية.

عدم القدرة على إدارة التدفقات النقدية، أو سوء تقدير التكاليف، أو غياب الرقابة المالية، كلها عوامل تدفع المشروع نحو التعثر.

4- غياب التدريب والتطوير.

الموظف الذي لا يتطور يصبح عبئًا على المشروع، خصوصًا في بيئة تنافسية تتغير بسرعة.

5- ضعف فهم السوق

عدم دراسة المنافسين، أو تجاهل احتياجات العملاء، يؤدي إلى تقديم منتج أو خدمة لا تجد مكانًا في السوق.

ورغم تنوع هذه الأسباب، إلا أن العامل البشري يظل الرابط المشترك بينها جميعاً.

ثانيًا: كيف يمكن معالجة تعثّر المشروعات قبل الوصول إلى الإغلاق؟

معالجة التعثر ليست عملية تجميلية، بل هي إعادة بناء للمشروع على أسس أقوى. وتشمل هذه العملية عدة خطوات جوهرية.

1- التشخيص الدقيق

لا يمكن علاج مشكلة غير معروفة. لذلك تبدأ المعالجة بتحليل شامل للأسباب الحقيقية للتعثر بعيدًا عن التبريرات أو الانطباعات.

2- إعادة هيكلة العمليات

تبسيط الإجراءات، تحسين جودة المنتج، وإعادة توزيع المهام بما يرفع الكفاءة ويقلل الهدر.

3- ضبط الإدارة المالية

وضع خطط مالية واضحة، وإدارة المصروفات بحكمة، وتحديد أولويات الإنفاق.

4- تطوير نموذج العمل

قد يحتاج المشروع إلى تغيير طريقة تقديم الخدمة، أو تعديل الأسعار، أو استهداف شريحة مختلفة من العملاء.

5- الاستفادة من التحول الرقمي

اعتماد أدوات رقمية لإدارة المبيعات، المخزون، الموارد البشرية، والتسويق، مما يقلل الأخطاء ويرفع الإنتاجية.

ثالثًا: الدور المحوري للموارد البشرية في منع التعثر وإنقاذ المشروعات

هنا يظهر الدور الحقيقي لإدارة الموارد البشرية، ليس كقسم إداري تقليدي، بل كـ شريك استراتيجي في نجاح المشروع.

– التوظيف الذكي… البداية الصحيحة.

اختيار الموظف المناسب هو أول خطوة في طريق النجاح. الموارد البشرية تضمن

* تحديد المهارات المطلوبة بدقة

* إجراء مقابلات احترافية

* اختيار أشخاص يتناسبون مع ثقافة المشروع

* التوظيف الخاطئ قد يكلف المشروع خسائر تفوق تكلفة التدريب أو الرواتب.

– التدريب والتطوير… استثمار لا تكلفة

الموظف المدرب ينتج أكثر، يخطئ أقل، ويبتكر حلولًا أفضل
(التدريب ليس رفاهية، بل ضرورة لإنقاذ المشروعات من التعثر).

– بناء ثقافة عمل إيجابية.

المشروعات الصغيرة تحتاج إلى روح الفريق أكثر من أي شيء آخر، البيئة الإيجابية تقلل دوران العمالة، وترفع الولاء، وتحفّز الإبداع.

– إدارة الأداء… البوصلة التي تمنع الانحراف.

وضع أهداف واضحة، متابعة النتائج، وتقديم تغذية راجعة مستمرة، يساعد على اكتشاف المشكلات مبكرًا قبل أن تتحول إلى أزمات.

– دعم القيادة وتطوير أصحاب المشروعات.

الكثير من المشروعات تفشل بسبب ضعف مهارات القيادة لدى صاحب المشروع الموارد البشرية تساعد في:

* تطوير مهارات اتخاذ القرار

* إدارة الوقت

* حل المشكلات

* بناء فرق عمل قوية

– إدارة الأزمات.

عندما يتعرض المشروع لهزة مالية أو تشغيلية، تكون الموارد البشرية هي الجهة القادرة على:

* إعادة توزيع الأدوار.

* رفع معنويات الفريق.

* الحفاظ على استقرار العمل.

* تقليل الخسائر البشرية والمادية.

رابعا: الموارد البشرية… خط الدفاع الأول ضد الإغلاق.

* المشروعات الصغيرة لا تفشل فجأة، بل تتعثر تدريجيًا وإدارة الموارد البشرية هي الجهة الوحيدة القادرة على رصد هذا التعثر مبكرًا من خلال مراقبة الأداء.

* قياس الإنتاجية

* تحليل سلوك الموظفين

* متابعة رضا العملاء

* تقييم بيئة العمل

وعندما يتم اكتشاف المشكلة مبكرًا، يصبح علاجها أسهل وأقل تكلفة.

خامساً: نحو مستقبل أكثر استدامة للمشروعات الصغيرة.

* إنقاذ المشروعات الصغيرة من الإغلاق ليس مسؤولية صاحب المشروع وحده، بل هو مسؤولية مشتركة بين:

* الإدارة

* فريق العمل

* الموارد البشرية

* الجهات الداعمة

* المجتمع الاقتصادي ككل

لكن يبقى العنصر البشري هو العامل الأكثر تأثيرًا

فالموظفون هم من يبتكرون، وينفذون، ويواجهون التحديات، ويحوّلون الأفكار إلى واقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى