التدقيق الداخلي في قطاع شركات الخدمات الاستهلاكية – أداة للاستدامة

بقلم: محمد عثمان – مدير تدقيق داخلي
CPA,CIA,CMA,CRMA,CISA,CRISC,CERM,CFE, PMP,PBA
يأتي هذا المقال استكمالاً لسلسلة المقالات السابقة التي تناولت دور التدقيق الداخلي في القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفي مقال اليوم نسلط الضوء علي قطاع شركات الخدمات الاستهلاكية حيث يحتل موقعاً مهماً في سوق الكويت للأوراق المالية، إذ يضم 11 شركة مدرجة من إجمالي 140 شركة تمثل السوق ككل.
بفضل تنوع أنشطته التي تمس حياة المستهلك اليومية، من الطيران والضيافة إلى الترفيه ,محطات الوقود وخدمات السيارات وتجارة الأغذية. هذا التنوع يجعله قطاعاً حساساً للمخاطر التشغيلية والسمعة، ما يبرز دور التدقيق الداخلي كأداة استراتيجية لضمان الجودة والاستدامة.
الوظائف والمهام الأساسية للشركات التي تعمل في هذا القطاع منها علي سبيل المثال وليس الحصر…
خدمات العملاء المباشرة قبل وأثناء وبعد البيع
تشمل الحجز عبر المواقع والتطبيقات، إجراءات الاستقبال في الفنادق أو المطار، خدمة الضيافة في المطاعم والمقاهي، البيع بالتجزئة في المحطات والمتاجر، إضافة إلى خدمات ما بعد البيع مثل معالجة الشكاوى أو استرجاع المشتريات. الهدف هو تقديم تجربة مريحة وسلسة للعميل عبر كل القنوات سواء مباشرة أو رقمية.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل: شكاوى العملاء نتيجة تأخر الخدمة أو ضعف الاستقبال، التأخير في الاستجابة، تعارض الأسعار عبر القنوات، قصور في برامج الولاء مما يقلل من رضا العملاء.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي: كاختبار رحلة العميل بشكل عملي (من الحجز وحتى تلقي الخدمة) لرصد الانحرافات، مراجعة سياسات التعامل مع الشكاوى، مطابقة الأسعار عبر القنوات للكشف عن أي تضارب، والتحقق من جودة خدمات ما بعد البيع مثل آلية الاسترجاع والتعويض.
هذه الممارسات تجعل التدقيق الداخلي أداة فاعلة لدعم رضا العملاء وربط الأداء التشغيلي بجودة الخدمة المقدمة، وهو ما يعزز بدوره القدرة التنافسية للشركات في السوق.
إدارة العمليات التشغيلية اليومية
تشمل جميع الأنشطة التشغيلية التي يتعامل معها العميل بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل تشغيل الرحلات الجوية وجدولة الطواقم، إدارة الغرف والمطاعم في الفنادق، تشغيل قاعات السينما والمرافق الترفيهية، تزويد الوقود في المحطات، وإدارة حركة المخزون والخدمات اليومية. الهدف هو ضمان انسيابية العمل، تقديم الخدمة في الوقت المحدد، والحفاظ على رضا العملاء.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل: تأخير أو إلغاء الرحلات الجوية مما يؤدي إلى خسائر مالية وتراجع ثقة العملاء.، فقد أو سوء إدارة المخزون في المطاعم والمتاجر، بما يسبب هدر وتكاليف إضافية.، أخطاء في عدادات الوقود، ضعف التنسيق بين الفرق التشغيلية مثل خدمة العملاء، الإمداد، والصيانة، مما يخلق نقاط اختناق تشغيلية.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي: كمراجعة مؤشرات الأداء التشغيلي (مثل انضباط الرحلات، معدلات الإشغال، زمن انتظار العملاء) للتأكد من دقتها وموثوقيتها، فحص ضوابط العدادات والتسويات اليومية للوقود والمبيعات، وضمان وجود نظام رقابة فعال يقلل فرص التلاعب أو الأخطاء، اختبار جودة سجلات التشغيل، تحليل أسباب الانحرافات المتكررة مثل التأخيرات أو الهدر في الموارد، واقتراح إجراءات تصحيحية لتحسين الكفاءة وتقليل الخسائر.
سلاسل الإمداد والموردون
تشمل إدارة عقود التوريد للوقود، الأغذية، المشروبات، المعدات، وقطع الغياروتمتد الوظيفة من اختيار الموردين والتعاقد معهم إلى الاستلام والتوزيع ومتابعة الأداء. الهدف هو ضمان توفر المواد والخدمات بالجودة والوقت والسعر المناسب.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل: الاعتماد على مورد واحد للوقود أو الأغذية مما يزيد من خطر توقف الإمداد عند حدوث خلل، وتوريد مواد منخفضة الجودة أو منتهية الصلاحية تؤدي إلى خسائر مالية أو إضرار بسمعة الشركة، عقود غير متوازنة تفتقد لشروط جزائية واضحة أو بنود حماية لحقوق الشركة، تلاعب بالكميات أثناء النقل أو الاستلام مثل نقص في وقود محطات أو مواد غذائية لا تتطابق مع الفواتير.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي: كتقييم تنافسية عمليات الشراء والعقود للتأكد من وجود منافسة عادلة وتجنب تضارب المصالح، مراجعة سجلات الاستلام والتأكد من مطابقتها للفواتير والطلبات الفعلية، تتبع أداء الموردين عبر مؤشرات مثل الالتزام بالمواعيد وجودة المواد الموردة.، التحقق من تفعيل بنود الغرامات أو التعويض عند الإخلال بشروط التعاقد
وبهذا يضمن التدقيق الداخلي حماية أصول الشركة، تقليل الفاقد، وتعزيز الشفافية في العلاقة مع الموردين.
الامتثال والتراخيص
تشمل التزام الشركات بمتطلبات الجهات التنظيمية مثل الطيران المدني، الدفاع المدني، البلدية، وزارة البيئة، وهيئة حماية المستهلك. وتتضمن إصدار وتجديد التراخيص، إعداد تقارير دورية، والتأكد من تطبيق القوانين واللوائح على مستوى جميع الأنشطة. الهدف هو ضمان استمرار النشاط بشكل قانوني وتفادي العقوبات.
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل: فرض غرامات أو إيقاف النشاط عند اكتشاف مخالفات.، انتهاء صلاحية تراخيص أساسية مثل ترخيص تشغيل طيران أو رخصة مطعم أو محطة وقود.، تقديم تقارير غير دقيقة أو غير مكتملة للجهات التنظيمية.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي: مراجعة سجلات التراخيص والتأكد من وجود نظام يحدد مواعيد التجديد وينبه الإدارة قبل انتهائها.، مطابقة عينات من التقارير التنظيمية مع البيانات الفعلية لضمان دقتها وموثوقيتها.، متابعة تنفيذ توصيات الجهات الرقابية والتأكد من إغلاقها في الوقت المحدد
بهذا يعزز التدقيق الداخلي الامتثال القانوني، يحمي الشركة من العقوبات، ويمنح الإدارة ثقة في استدامة العمليات دون تعطيل.
إدارة العقود والشراكات
تشمل صياغة وتنفيذ ومتابعة عقود الامتياز والتوزيع، إضافة إلى الشراكات مع مزودي الخدمات اللوجستية، الموردين الرئيسيين، وشركات المحتوى مثل الأفلام أو المواد الترفيهية. الهدف هو ضمان استمرارية الأعمال وفق شروط عادلة ومتوازنة، مع تعظيم الفائدة المتبادلة من الشراكات..
لكن هذه العملية لا تخلو من المخاطر مثل: تضارب مصالح عند اختيار شركاء أو موردين بعينهم.، عمولات أو مدفوعات غير مبررة ترتبط بضعف الشفافية في التعاقد.، ضعف الالتزام ببنود العقود، مثل التأخير في التسليم، قصور في جودة الخدمة، أو عدم تفعيل بنود الجزاءات.
من هنا يظهر دور التدقيق الداخلي: مراجعة دورة الموافقات على العقود والتأكد من وجود فصل مهام واضح ومنع تضارب المصالح، تقييم مدى التزام الشركاء ببنود العقود ومؤشرات الأداء (KPI) المتفق عليها، مطابقة الفواتير والمطالبات المالية مع الخدمات أو البضائع الفعلية المستلمة. التحقق من تفعيل بنود الجزاءات أو التعويضات عند الإخلال بالشروط.
بهذا يسهم التدقيق الداخلي في تعزيز الشفافية، حماية مصالح الشركة، وضمان أن العقود والشراكات تحقق القيمة المرجوة دون إهدار للموارد أو تعريض الشركة لمخاطر قانونية وتجارية.
الخلاصة
شركات الخدمات الاستهلاكية تواجه مخاطر عالية تتعلق بجودة الخدمة، السمعة، الالتزام التشريعي، وسلامة العملاء.
التدقيق الداخلي في هذا القطاع يتجاوز الرقابة التقليدية ليصبح أداة استراتيجية تساهم في بناء الثقة مع العملاء، رفع الكفاءة التشغيلية، وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
يبقى السؤال:
“هل تستثمر شركات الخدمات الاستهلاكية بالقدر الكافي في تطوير وظائف التدقيق الداخلي لتواكب هذه التحديات؟”