مقالات

الذكاء الاصطناعي التوليدي: كيف تعيد الشركات الكبرى في الخليج صياغة المستقبل الاقتصادي؟

• وجود 11.8 مليون يافع وشاب (من 10 إلى 24 عامًا) ما نسبته 20.9% من إجمالي سكان دول الخليج فرصة ديموغرافية كبيرة.
• يجب إعادة تعريف أدوار العمل التقليدية وتقديم أدوار جديدة تمزج بين الخبرة البشرية وتقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
• دمج الذكاء الاصطناعي سيسهم في تعزيز التنافسية في الأسواق العالمية، ويعزز مكانة دول الخليج كمراكز اقتصادية وابتكارية عالمية.
• 25% من الشركات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تعتزم استثمار نحو 25 مليون دولار في مجال الذكاء الاصطناعي خلال عام 2025.
• يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء مخرجات أصلية مثل كتابة التقارير، وصياغة التصاميم، وحتى ابتكار استراتيجيات عمل جديدة.
• تخطط السعودية لإطلاق مشروع جديد في مجال الذكاء الاصطناعي تحت اسم «Project Transcendence» بدعم يصل إلى 100 مليار دولار.
• التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتبني الذكاء الاصطناعي يتماشى مع رؤاها طويلة الأجل للتنويع والتحول الرقمي.
• الذكاء الاصطناعي جزء من رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الإيرادات ووضع السعودية ضمن أفضل 15 دولة في مجال الذكاء الاصطناعي.
• أطلقت المملكة مراكز بحثية رئيسية وهيئات مخصصة للذكاء الاصطناعي وأنتجت نماذج لغة كبيرة مماثلة لـ «ChatGPT» من «OpenAI».
• يركز المشروع على استقطاب المواهب، وتطوير البيئة المحلية للتكنولوجيا، وتشجيع شركات التكنولوجيا العالمية على توجيه مواردها إلى السوق السعودية.
• سيتم إنشاء هيكل مماثل لشركة «آلات»، بصندوق يركز على التصنيع المستدام ومدعوم برأسمال 100 مليار دولار.

بينما يتطور مشهد الأعمال العالمي بسرعة، تثبت دول مجلس التعاون الخليجي أنها في طليعة تبني التقدم التكنولوجي الذي يعد بتشكيل مستقبل الصناعات. من بين هذه الابتكارات، يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي كقوة محورية، حيث يعيد تشكيل كيفية عمل الشركات وابتكارها وتوليدها للقيمة على المدى الطويل. على وجه الخصوص، بدأت الشركات الكبيرة في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي في إجراء تغييرات استراتيجية على مستوى التنظيم، تمهيدًا لمستقبل مدفوع بالقدرات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

موجة التغيير في دول مجلس التعاون الخليجي

في الأشهر الأخيرة، بدأت الشركات في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي – بما في ذلك الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان – في إعادة تشكيل هياكلها التنظيمية للاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي التوليدي. من أتمتة المهام إلى تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بدأت هذه المنظمات في دمج الذكاء الاصطناعي بشكل استراتيجي في عملياتها الأساسية. الفكرة لا تقتصر على مواكبة الاتجاهات العالمية فحسب، بل تهدف إلى أن تكون هذه الشركات في طليعة الاقتصاد الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
تتصدر الشركات الكبرى في المنطقة، وخصوصًا في قطاعات مثل الطاقة والمالية والرعاية الصحية، هذه التحولات. حيث تستثمر في حلول الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تحسين سير العمل، وتعزيز الإبداع، وتحفيز الابتكار بطرق كانت في السابق غير ممكنة. في كثير من الحالات، تقوم هذه الشركات بإعادة تعريف أدوار العمل التقليدية وتقديم أدوار جديدة تمزج بين الخبرة البشرية وتقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.

دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تشكيل قيمة المستقبل

يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يعد فرعًا من الذكاء الاصطناعي الذي يركز على إنشاء محتوى وتصاميم أو أفكار جديدة بناءً على البيانات المتاحة، فرصة فريدة للشركات في مجال الابتكار. على عكس نماذج الذكاء الاصطناعي التقليدية التي تركز على أتمتة المهام المتكررة، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء مخرجات أصلية مثل كتابة التقارير، وصياغة التصاميم، وحتى ابتكار استراتيجيات عمل جديدة. مما يجعله ذا قيمة خاصة في الصناعات التي تعتمد على الإبداع وحل المشكلات.
على سبيل المثال، في دولة الكويت، بدأت بعض أكبر الشركات في قطاع النفط والغاز في استخدام الذكاء الاصطناعي المدفوع بالتحليلات التنبؤية لتحسين عملياتها. من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات من أنشطة الحفر والاتجاهات السوقية، يمكن لهذه الشركات التنبؤ باحتياجات الإنتاج، وتقليل الفاقد، وزيادة الأرباح.
وبالمثل، في الإمارات والسعودية، يتم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتبسيط الخدمات المالية، وتخصيص تجارب العملاء، وتحسين إدارة المخاطر. في قطاع الرعاية الصحية، يُظهر استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص واكتشاف الأدوية نتائج واعدة، حيث تتعاون المنظمات مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي لتسريع جهود البحث والتطوير.

فرصة ديموغرافية كبيرة

يمثل وجود 11.8 مليون يافع وشاب (من 10 إلى 24 عامًا) ما نسبته 20.9% من إجمالي السكان فرصة ديموغرافية كبيرة، إذ يُعتبر الشباب العنصر الحيوي الذي يمكن أن يشكل قوة عمل ديناميكية ومحفزًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي.

تكمن أهمية الاستثمار في هذه الشريحة المجتمعية في عدة نقاط:

  1. تنمية رأس المال البشري:
    الاستثمار في التعليم والتدريب والتطوير المهني للشباب يُعد من أهم العوامل لبناء قوة عاملة مؤهلة تتماشى مع متطلبات السوق المستقبلية.
  2. الابتكار وريادة الأعمال:
    هذه الشريحة العمرية غالباً ما تكون أكثر تقبلاً للتكنولوجيا والابتكار، مما يجعلها بيئة خصبة لرواد الأعمال والمبادرات الناشئة التي يمكن أن تسهم في تنويع الاقتصاد.
  3. تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية:
    من خلال الاستثمار في الشباب، يمكن للدول تعزيز المشاركة الفاعلة في المجتمع وتحقيق استدامة اقتصادية عبر خلق فرص عمل وتقليل البطالة.
  4. تعزيز التنمية الشاملة:
    يعمل الاستثمار في الشباب على تحسين جودة الحياة والارتقاء بالمستوى التعليمي والصحي، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومبتكر.

الريادة من قبل الشركات الكبرى

إن الدفع نحو التغيير التنظيمي في دول مجلس التعاون الخليجي يقوده إلى حد كبير الشركات الكبرى التي تدرك إمكانات الذكاء الاصطناعي كمولد للقيمة. هذه الشركات لا تقتصر على تطبيق الذكاء الاصطناعي في أجزاء معزولة من عملياتها، بل تعيد التفكير في نماذج أعمالها بالكامل.
على سبيل المثال، قامت مجموعة الإمارات، التي تتخذ من دبي مقراً لها، بدمج الذكاء الاصطناعي بنشاط في مختلف جوانب عملياتها، من روبوتات الدردشة لخدمة العملاء إلى الصيانة التنبؤية للطائرات. وقد أكدت قيادة الشركة أن الذكاء الاصطناعي هو عنصر أساسي في استراتيجيتهم المستقبلية، حيث يسعون للحفاظ على تنافسيتهم في صناعة الطيران العالمية المتغيرة بسرعة.
في الكويت، بدأت شركات رائدة مثل مؤسسة البترول الكويتية (KPC) في إجراء تحولات كبيرة لدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية. حيث استثمرت مؤسسة البترول الكويتية بشكل كبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد، واستكشاف مصادر إيرادات جديدة، وتعزيز جهود الاستدامة. وقد مكنت هذه المبادرات الشركات من أن تكون من أوائل المتبنين لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للشركات الأخرى لتتبع نفس النهج.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر استبيان لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) أن 25% من الشركات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تعتزم استثمار نحو 25 مليون دولار في مجال الذكاء الاصطناعي خلال عام 2025. توضح هذه الأرقام التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحقيق قيمة مستدامة وتنويع اقتصاداتها.

التحديات والفرص

بينما تكون الفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي كبيرة، فإن التحول إلى منظمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي ليس بدون تحديات. أحد أكبر العقبات هو الحاجة إلى قوة عاملة ماهرة يمكنها سد الفجوة بين الخبرة البشرية وقدرات الذكاء الاصطناعي. وللتغلب على ذلك، تستثمر الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي في تدريب موظفيها وتطوير مهاراتهم لضمان استعدادهم لمستقبل العمل.
علاوة على ذلك، هناك مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمنها، حيث تبدأ الشركات في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لمعالجة المعلومات الحساسة. سيكون من المهم وضع أطر قوية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحوكمة البيانات، والشفافية للحفاظ على ثقة العملاء والامتثال للمعايير التنظيمية.
ومع ذلك، فإن هذه التحديات تخلق أيضًا فرصًا جديدة. حيث إن الطلب على المتخصصين في الذكاء الاصطناعي في تزايد مستمر، مما يؤدي إلى زيادة في برامج التعليم والتركيز على التكنولوجيا والتعاون مع المؤسسات البحثية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة للابتكار في الصناعات التي كانت تقليديًا بطيئة في تبني التكنولوجيات الجديدة.

الأثر الاقتصادي للتحول التكنولوجي

من المتوقع أن يكون للتحولات التنظيمية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي تأثير كبير على الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي. فإلى جانب تحسين الكفاءة التشغيلية وزيادة الأرباح، سيسهم هذا التحول في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل جديدة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. كما أن دمج الذكاء الاصطناعي سيسهم في تعزيز التنافسية في الأسواق العالمية، مما يعزز مكانة دول مجلس التعاون الخليجي كمراكز اقتصادية وابتكارية عالمية.
إضافة إلى ذلك، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح تحسينات كبيرة في إدارة الموارد، مما يساهم في استدامة أكبر للاقتصادات الخليجية التي تعتمد في جزء كبير منها على الصناعات النفطية. وبفضل هذه التقنيات، يمكن لهذه الدول تقليل الهدر وتعظيم العوائد من الموارد الطبيعية، مما يزيد من قدرة هذه الاقتصادات على مواجهة التحديات المستقبلية مثل التغيرات في أسعار النفط.

لمحة عن المستقبل

بالتطلع إلى المستقبل، من المتوقع أن يؤدي استثمار دول مجلس التعاون الخليجي في الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى نمو اقتصادي كبير ويعزز طموحات المنطقة في أن تصبح مركزًا عالميًا للتكنولوجيا والابتكار. ومع استمرار الشركات الكبرى في قيادة الطريق في دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، من المتوقع أن تتبعها الشركات الصغيرة، مما يؤدي إلى تأثير مضاعف عبر الصناعات.

جدول يوضح حجم الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي في بعض دول مجلس التعاون الخليجي

الخلاصة:

إن التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتبني الذكاء الاصطناعي يتماشى مع رؤاها طويلة الأجل للتنويع والتحول الرقمي. حيث يعتبر 11.8 مليون يافع وشاب (من 10 إلى 24 عامًا) شريحة مهمة للاستثمار في هذه الفئة المجتمعية ويجب أن تكون أولوية استراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة والاستفادة من المردود الديموغرافي لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستدام في دول مجلس التعاون. ومن خلال تشجيع النظام البيئي الذي يدعم التقدم التكنولوجي لمستقبل خليجي يحاكي تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي واستحداث نظم مرنة ذات هياكل رشيقة، سوف تمهد دول مجلس التعاون الخليجي الطريق لمستقبل أكثر استدامة وكفاءة وابتكارًا. فالجهود مستمرة وبقوة في دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي حيث اتخذت الشركات الكبري وبعض جهات حكومية خطوات جريئة نحو التغيير التنظيمي للاستفادة من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ريادة هذه الشركات الكبرى والجهات الحكومية، فإن هذه الجهود تعد بإعادة تعريف كيفية العمل بالإضافة إلى تشكيل مستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا لإنشاء القيمة وتحقيق النجاح على المدى الطويل، مع تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستدامة في المنطقة.

د. عدنان البدر.
باحث ومستشار استراتيجي في سياسة الموارد بشرية وبيئة العمل
ورئيس ومؤسس الجمعية الكندية الكويتية للصداقة والأعمال.
ckbafa@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى