السفينة المثقوبة: إن غاب الإنجاز ابحث عن الثقب في الكيان

قصة يكتبها عادل العادل:
لا تثق بالوجه الظاهر لأي إنسان، فغالباً خلف كل وجه عدة وجوه يبدأ ظهورها حسب المواقف… خلاصة للأديب العبقري نجيب محفوظ تجدها في كل ركن وفي مشاهد كثيرة متكررة.
المتقلبون والمتحولون كثر، لكن عندما تكون مؤتمناً على مؤسسة أو كيان بحكم مسؤوليتك فيجب ألا يكون للوجوه المتعددة والمتحولة المتمصلحة مكان.
بعض الصغار القابعين كالكوابيس خلف الكواليس، أو في أزقة كيانات ومؤسسات، ومن يسيطرون على مفاصل القرار ويوجهون مجلس الإدارة أو المجلس التنفيذي، أو الواجهة الأمامية أو “سكانة الكيان”، أصبح ضررهم بالغ، يقودون الكيانات والمؤسسات التي يتغلغلون فيها نحو الهاوية، ويحولون مجلس الإدارة إلى مجموعة “تتطمش” ولا تدير.
مجموعة “الصعاليك” كما يسميهم مجازاً أحد الأنقياء، بعد أن جاورهم عملياً لبرهة من الوقت وهرب منهم قبل أن يتلوث، يقول أنهم يشبهون خلية من الطفيليات أو شبكة عنكبوتية تدير المشهد من الخلف، كما هو حال “جهاز التلفاز” تجد شاشة مقعرة أو مسطحة في الأمام، لكن خلفها قطع ومعدات وأسلاك وهوائيات وأجهزة استقبال للإشارات، لكن تحريك وتقليب كل تلك “التروس” يتم بمرونة من خلال قطعة جهاز لوحي بعدد من الأزرار “الريموت”، تقلبها يميناً ويساراً تعلي الصوت وتخفضه ومن يتحكم هو من يقود.
الصعاليك يعملون ليل نهار لمصالحهم الخاصة الضيقة، فهم مجموعة منتفعين مالياً يعتاشون على نسج المشاكل واختلاق الأقاويل وحياكة السيناريوهات وتأويل كل ما يقال، وهي تجارة ولعبة ترتكز على قاعدة “العيار الي ما يصيب … يربك”
هذه الفئة الضالة المضلة لا تسأل عن أخلاقها ولا عن وازعها الديني أو ضميرها، فبسببها مسؤوليات وأولويات تضيع، ومصالح عامة مهمة يتم تأجيلها وتسويفها، وهكذا تضيع فرص التقدم والنمو والمنافسة.
لا يتورعون عن الكيل بمكاييل الكذب والبهتان أملاً في إرهاب الآخرين وإخافتهم أو إزاحتهم أو تكميمهم، إلى آخر الأهداف التي تمهد وتهيء لهم طريق البقاء متغلغلين مسيطرين، عابثين بكل ما هو مشرق وبناء، لأنهم ضد التقدم والتطور وأعداء للنجاح والإنجاز، فلا يهمهم سوى ترقياتهم وحساباتهم ومناصبهم ومواقعهم، وما إن تكشف “خرابيطهم” يتآمرون لإزاحتك أو إرهاقك بالعقبات والعراقيل والتحديات، ذلك لأنهم يعيشون الغفلة والمتاهة وضيقة الصدر والأفق متناسين قول الحق تعالى، ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.
أن تعمل وفق إطارك المهني المحدد والمرسوم لك، وأن تنجز أعمالك بالصدق والأمانة دون استغلال أو استعلاء أو جور وظلم للآخرين، فأنت في الطريق الصحيح تؤدي ما عليك.
أما أن تظلم هذا وذاك، وتعرقل طريق الآخرين بزرع “الشوك”، وتجاهر علنا بعبثك وممارساتك السلبية، فثق تماماً بأنك تحلق بلا أجنحة، وتمضي في طريق الباطل.
أن ترتجف وترتعد وتضطرب وتعيش تحت هاجس، فأنت بلا رؤية وبلا هدف، ولست مؤتمناً على موقعك الذي احتللته في غفلة من الزمن وتسللت إليه مدعوماً.
وللمصارحة والمكاشفة أنت كقيادي معني مؤتمن ماذا تستفيد من “التدليس” و “الكذب” و “البهتان” و “إلصاق الأفعال بالأخرين”؟
تدافع عن الخطأ والباطل، وتريد لكيان مهم وحيوي أن يعيش في ظلمات الضلال والجهل والشللية والفوضوية، لتستمر أنت ومجموعة الصعاليك المستفيدين من استمرار المستنقع الآسن، بمسطرتك المعوجة وخطواتك الموتورة التي تسير على درجة وتترك الأخرى.
لكن قبل فوات الأوان، عد إلى رشدك، وقيّم تجربتك، وانظر إلى من سبقوك، كيف كانوا يضربون الأرض بأقدامهم وأين صاروا الآن، يتوارون من سوء أفعالهم وما فٌعل بهم.
كانت تفرش لهم الأرض ورود، والجميع يتودد ويهنئ ويبارك ويسلم ويسأل مطمئناً ويجامل في كل المناسبات، والآن ضاعت منهم كل الألقاب، وذهب ريحهم وكأنهم لم يمروا من هنا، لكن أصحاب القلوب النظيفة والعقول المستنيرة والعقيدة السليمة، الزاهدين المؤتمنين العاقلين العادلين العفيفين، الأنقياء الموثوقين المستنيرين، الراجحين فكراً، المبدعين أينما حلوا، هم من تبقى أعلامهم خفاقة، ويظلون مضرباً للمثل، ومحضراً للخير، وخير منهج ومثال للأجيال.